أكد سعادة السيد أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أهمية دور دولة قطر في حفظ السلام وحل النزاعات والوساطة وتطوير علاقات تعاون جديدة، منوها بالتزام قطر حيال قضايا التنمية والاستجابات الإنسانية للأزمات.
مشاركة سمو الأمير في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الثامنة والسبعين إشارة قوية للغاية للدعم الذي تقدمه دولة قطر للأمم المتحدة
وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الثامنة والسبعين، إشارة قوية للغاية للدعم الذي تقدمه دولة قطر للأمم المتحدة، ومركزيتها في العلاقات الدولية، وسيادة القانون، وقدرتها على دعم الدول أيضا من خلال التوصل إلى اتفاقات بشأن معالجة القضايا التي ربما كانت تبدو ثانوية في الماضي وأصبحت اليوم مركزية للغاية، خاصة الاستجابات للأوبئة، وحالات الطوارئ، والتحولات الاقتصادية، وإصلاح الهيكل المالي الدولي.
ولفت إلى أن التعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ودولة قطر يتزايد، خاصة في الجوانب المتعلقة بالمرأة وحفظ السلام، والنساء في حالات الصراع.. وقال "لقد قمنا بتطوير شراكات مع وزارات مختلفة وبدأنا بعض الشراكات العالمية المهمة للغاية، ولا سيما مختبرات التسريع الموجودة اليوم في ما يقرب من 100 دولة، ولولا الشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقطر وألمانيا كشريك ثالث، لم يكن هذا ليحدث".
وتابع شتاينر: نحن مؤسسة تعمل في 170 دولة ولدينا أكثر من 22000 زميل وموظف يعملون في تلك البلدان، ولدينا آلاف المشاريع التي نعمل مع البلدان على تنفيذها، وهذا مورد هائل أعتقد أن دولة قطر تعتبره أيضا وثيق الصلة بأهدافها الاستراتيجية.
شراكة قطر والأمم المتحدة
وأوضح أن شراكة دولة قطر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عدة سنوات إلى الآن، اتسمت بالكثير من المبادرة والموضوعية، سواء فيما يتعلق بقضايا التنمية العالمية أو ما يتعلق بمبادرات معينة، قائلا "على سبيل المثال، تستثمر قطر في مختبرات التسريع، وهي شراكة مهمة للغاية بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ودولة قطر وألمانيا وغيرها. كما أسس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مكتبا له في الدوحة. نحن نتعاون مع الوزارات الحكومية ومع بعض المؤسسات الأكاديمية الموجودة الآن في دولة قطر وأعتقد أن هذا يوفر لنا إمكانات وفرصا كبيرة للمستقبل".
وحول حجم الدعم السنوي الذي تقدمه قطر للبرنامج، قال سعادة السيد أخيم شتاينر "هذا الدعم يندرج تحت فئات مختلفة"، منوها بأن قطر أصبحت مساهما أساسيا في البرنامج منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وهو تطور مهم للغاية لأن مؤسسة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتم تمويلها بطريقتين - مساهمات الدول الأعضاء التي تسمح للمؤسسة بالتواجد في حوالي 135 إلى 140 دولة مما يمنح البرنامج القدرة والكفاءة".
بيت الأمم المتحدة
وبشأن مساهمة بيت الأمم المتحدة في الدوحة في تعزيز مشاريع البرنامج في قطر وخارجها، قال أخيم شتاينر: "افتتح بيت الأمم المتحدة في الدوحة خلال الزيارة الأخيرة للأمين العام إلى الدوحة. وأعتقد أن الجميع أدركوا خلال حفل الافتتاح مدى الفرصة الهائلة التي خلقتها قطر لأسرة الأمم المتحدة.. وأصبح بيت الأمم المتحدة منبرا لعدد لا بأس به من العملاء".
وتابع: وجود بيت الأمم المتحدة في الدوحة يمنحنا إمكانية تواجد موظفينا وخبرائنا في بيئة عمل مثالية وهو ما يعزز التعاون بين أطراف عدة داخل دولة قطر والمؤسسات التي تعمل أيضا خارج الدوحة. كما أنه فرصة واعدة جدا فيما يتعلق بالتعاون المستقبلي.
ولفت إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على وشك الانتهاء من المفاوضات بشأن مذكرة التفاهم الجديدة التي ستسمح بتمديد الشراكة بين الجانبين للسنتين أو الثلاث سنوات القادمة، مؤكدا على الالتزام بالبناء على المبادرات التي تم تطويرها في العامين الماضيين، ومن بينها مختبرات التسريع على سبيل المثال، بجانب العمل في أفغانستان وبعض الأماكن الأخرى.
فرص استثمارية
وأشار إلى أهمية التعاون بين الجانبين لإتاحة فرص استثمارية لدولة قطر وصندوق قطر للتنمية، سواء من حيث التمويل الميسر، أو من حيث تمويل المنح، كما في قارة أفريقيا حيث تكثف قطر مشاركتها بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مضيفا "أعتقد أننا نرى الكثير من الإمكانات هناك، سواء كان ذلك في مجال التمويل المستدام، أو في التحولات الرقمية والطاقة".
دولة قطر كانت حاضرة منذ وقت مبكر جدا عندما اقترح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أننا كمنظمة تنموية لا يمكننا أن ندير ظهورنا للمواطنين الأفغان
وحول التعاون فيما يخص أفغانستان، قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لـ"قنا" إن دولة قطر كانت حاضرة منذ وقت مبكر جدا، عندما اقترح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أننا كمنظمة تنموية لا يمكننا أن ندير ظهورنا للمواطنين الأفغان، حيث اضطر الكثيرون إلى المغادرة، وعلق آخرون برامجهم، لافتا إلى التزام جزء من أسرة الأمم المتحدة بالبقاء في أفغانستان، مما أدى بوضوح إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها، والتركيز بشكل أساسي على ما هو أبعد من إنقاذ الأرواح، وإنقاذ سبل العيش.
وتابع: دولة قطر واحدة من أوائل الجهات الممولة والمساهمة في برنامج ABADEI، منوها بتقديم صندوق قطر للتنمية مساهمة قدرها 5 ملايين دولار لصندوق الأمم المتحدة الاستئماني الخاص بأفغانستان لدعم النهج القائم على المنطقة لمبادرات الطوارئ الإنمائية الذي يقوده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان، بهدف استعادة الوصول إلى الخدمات الأساسية والضرورية.
وعبر عن أمله أن تستمر قطر في النظر إلى هذه الشراكة باعتبارها شراكة تركز على احتياجات الشعب الأفغاني، وكذلك على القوة التي يمكن أن توفرها قطر لتسهيل مشاركة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هذه اللحظة هناك.
الفجوات التنموية في المنطقة
وحول اتساع الفجوات التنموية في المنطقة العربية، قال سعادة السيد أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه على الرغم من وجود بعض النجاحات التنموية غير العادية، والتحسينات في الظروف المعيشية، والحوكمة، والمؤشرات الصحية، ومؤشرات التعليم، إلا أننا نشهد في أجزاء معينة من المنطقة انتكاسات كارثية، لافتا إلى أن اليمن على مدى السنوات الثماني الأخيرة من الصراع هناك فقد وفقا لتقارير وتحليلات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ما بين 20 إلى 25 عاما من مكاسبه التنموية.
وأضاف "هناك الكثير من المعاناة الإنسانية. وبالتالي فإن الصراع المستمر هناك كان له تأثير هائل ليس فقط على الناس من حيث قدرتهم على البقاء، ولكن أيضا من حيث مكاسب التنمية التي حققها".
كما أشار إلى أن ليبيا دولة أخرى لا تزال عالقة في الصراع، وهو التحدي المستمر الذي يمثله تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمنطقة، قائلا "يسبب الصراع هناك ضررا هائلا. أعتقد أن قدرة أسرة الأمم المتحدة من العاملين في المجال الإنساني، وكذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الجانب التنموي، على مساعدة الناس على التعامل مع هذه الاضطرابات المؤلمة للغاية كانت حاسمة لتجنب المزيد من الضرر. وشدد على أن السلام هو دائما شرط مسبق لنجاح التنمية، لذا، يجب مواصلة التركيز على صنع السلام، وإبقاء التنمية وحماية الأصول".
أهداف التنمية المستدامة
وتحدث مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في حواره مع "قنا" عن النداء الذي وجهه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإنقاذ أهداف التنمية المستدامة، وقال "أعتقد أن الكثيرين يتحدثون اليوم عن الفشل في تحقيق المؤشرات والغايات التي اتفق عليها العالم في عام 2015 عندما اعتمد أهداف التنمية المستدامة، إلا أنه لم نتوقع أن تضربنا جائحة عالمية أو أن نجد أنفسنا في عام 2023 نعاني المزيد من الحروب والحروب الأهلية والصراعات بشكل يفوق ما شهدناه منذ عقود حول العالم. إننا نواجه أزمة مالية وأزمة ديون كبرى تتكشف في العديد من البلدان النامية حيث تجبرهم عدم قدرتهم على دفع فوائد ديونهم على خفض ميزانيات التعليم والصحة".
وأكد أن أهداف التنمية المستدامة هي في الواقع أجندة عامة ومشتركة حول كيفية المضي قدما، موضحا أن "الوباء، وزيادة الفقر وعدم المساواة، والنكسات التي نواجهها خلال الصراعات، هي في الواقع ما تسعى أهداف التنمية المستدامة في تجنبه في المستقبل، لذا فهي لا تزال ذات أهمية كما كانت دائما، حتى لو لم تكن المؤشرات والأهداف بمثابة أخبار جيدة في الوقت الحالي".
الدول الأكثر ثراء قادرة على التعافي من هذه الصدمات بشكل أسرع في حين أن الدول الفقيرة تتعافى بشكل أبطأ بكثير أو لا تتعافى على الإطلاق
وبشأن تمويل التنمية، قال شتاينر إن الدول الأكثر ثراء قادرة على التعافي من هذه الصدمات بشكل أسرع، في حين أن الدول الفقيرة تتعافى بشكل أبطأ بكثير أو لا تتعافى على الإطلاق، مشيرا إلى وجود تباعد في المسارات الاقتصادية والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى خلق المزيد من السياسات والتوتر.
وشدد على ضرورة النظر في تصاعد التوترات، والصراعات التي تضع العالم في وضع من التنافس بدلا من التعاون، مضيفا "جزء مما نراه في عام 2023 هو عدم قدرة الدول على العمل معا لحل المشكلات، ونتيجة لذلك تزداد معاناة الجميع على هذا الكوكب".
كما أوضح أن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة هو في نهاية المطاف مسؤولية تقع على عاتق كل بلد، لافتا إلى أنه في ظل جائحة "كوفيد - 19"، قامت البلدان ببعض الأشياء الإعجازية عندما يتعلق الأمر بالشمول، وشبكات الأمان الاجتماعي، والتحول الرقمي، وعزا زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، والبنية التحتية للطاقة النظيفة، إلى أن أمن الطاقة أصبح محركا للاستثمارات.
تحديات كبرى
وذكر أن أهداف التنمية المستدامة تظل، في كثير من النواحي، الأجندة الوحيدة التي اتفقت عليها كل الدول والتي يتعين التركيز عليها لأنها تمثل التحديات الكبرى في العالم، مشيرا إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قام بتطوير سلسلة من التقارير الداخلية لأهداف التنمية المستدامة مع 95 دولة، والتي ترصد فقدان بلد ما للزخم نتيجة للأزمة، وكيف يحاول الآن استعادته.
ولفت إلى أنه من المنظور الوطني، تعتبر أهداف التنمية المستدامة بمثابة اتفاق عالمي، ولكنها في الواقع تصبح أكثر أهمية عندما تترجمها دولة ما إلى أولويات التنمية الوطنية. وهذه هي الأولوية الأولى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مبرزا دور البرنامج في مساعدة البلدان على إيجاد الخيارات السياسية الصحيحة ومن ثم إقامة الشراكات لاستعادة زخم أهداف التنمية المستدامة.
واختتم سعادة السيد أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حواره مع "قنا"، قائلا: على الرغم من بعض الانتقادات، وعلى الرغم من بعض الإحباطات تجاه الأمم المتحدة، لا توجد منظمة أخرى حيث يكون لكل دولة عضو مقعد في قاعة الجمعية العامة له الحق في الكلام، وله الحق في أن يسمع. ولهذا السبب سترون العدد الاستثنائي من القادة يجتمعون معا بشكل جيد، في غضون أسبوعين هنا في نيويورك. لأنه هنا يجتمع العالم للتحدث والاستماع لبعضهم البعض، أو يجدون طريقة أفضل لحل الصراعات بدلا من الحرب أو القتال، وكذلك صياغة أجندة للتضامن. وأعتقد أيضا أنه لا ينبغي للناس أن يقللوا من أهمية أن يكون لهم مكان في العالم، حيث يتم تذكيرنا، على الرغم من كل اختلافاتنا، بأننا كوكب واحد، وأسرة بشرية واحدة، ولن ننجح إذا لم نجد سبيلا للتعاون.