كان يوم التاسع من أكتوبر عام 2019، شاهدا على حدث بارز ومنجز جديد يضاف لسلسلة نجاحات دولة قطر، حيث تسلم سعادة الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز بن تركي السبيعي وزير البلدية والبيئة آنذاك رسميا، راية تنظيم معرض البستنة الدولي من جمهورية الصين الشعبية، وذلك بحضور كبار المسؤولين لجمعية البستنة العالمية وممثلي المكتب الدولي للمعارض والأجنحة، لتبدأ أولى خطوات "إكسبو 2023 الدوحة" في التشكل.
وإذ يعكس تسلم دولة قطر حق استضافة هذا الحدث، الثقة الدولية بجهودها وحسن تنظيمها للفعاليات العالمية الكبرى على مختلف الأصعدة فإنه يشير أيضا إلى دورها المحوري في تنسيق الجهود العالمية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
إكسبو 2019 بكين
ولم تفوت دولة قطر فرصة المشاركة في معرض (إكسبو 2019 بكين) قبل أربع سنوات، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وأرسلت رسالة واضحة من هناك بعد فوز جناحها بالمركز الأول في الأداء المتميز، مفادها أن معرض "إكسبو الدوحة " سيكون علامة فارقة في التميز بإقامة هذا الحدث العالمي، بشكل يتسق مع الاشتراطات الدولية والمعايير العالمية من حيث حسن التنظيم ودقة المواعيد.
وشاءت الأقدار أن يتأجل المعرض العالمي لعامين جراء الإغلاق العام بسبب جائحة فيروس كورونا، ليعلن عن الموعد الجديد لـ"إكسبو الدوحة" في الفترة من 2 أكتوبر 2023 وحتى 28 مارس 2024.
ومنذ عامين لم تتوقف عجلة العمل، حيث تستنفر كوادر الجهات المعنية بالدولة جهودها وتسابق آلياتها وطواقمها الزمن، مدفوعة بدعم القيادة الرشيدة التام ومساندة الوزارات المعنية، لإخراج الحدث بأبهى حلة تليق بسمعة دولة قطر التي باتت معلما في جودة التنظيم لا يختلف عليه اثنان.
إكسبو 2023 الدوحة
ويأتي "إكسبو 2023 الدوحة" بعد أشهر من اختتام واحدة من أنجح التظاهرات العالمية التي احتضنتها قطر وهي بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، فكانت حديث الساعة، والكل مازال يستذكر اللحظات الجميلة واللمسات المتقنة التي توجت بها دولة قطر سنوات من الجهود المضنية والخبرات المكتسبة والمشاريع الضخمة، التي كانت محل إشادة دولية واسعة من مختلف الأطراف التي تشرفت بحضور ومتابعة المونديال العالمي.
وتعكس هذه النجاحات تجاوز دولة قطر للعديد من التحديات وانطلاقها نحو فضاءات واسعة لتصبح نقطة مضيئة على مختلف الصعد، حيث أثبتت قيادتها وكوادرها البشرية أنها جاهزة لأكبر الأحداث العالمية، بأذرع مفتوحة وأياد سخية ممدودة نحو القريب والبعيد، لتخط اسمها في قائمة الفخر والإنجاز بحروف بارزة ومساهمات ملموسة لا تخطئها العيون.
استقطاب مئات الآلاف
وتدرك دولة قطر أنها أول دولة ذات مناخ صحراوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستضيف معرضا دوليا للبستنة من تصنيف A1، وهذا ما يظهر مستوى الرهان على النجاح وسط التحديات المتوقعة، من بينها استقطاب مئات الآلاف من الزوار الذين يبحثون عن الجديد من الابتكارات الجديدة والمشاريع المنتظرة في وقت يواجه فيه العالم تهديدات مناخية متعددة أكثر من أي وقت مضى، ويتطلع لحلول غير مسبوقة في ملف الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ العالمي الذي يلقي بظلاله الوخيمة على المنطقة الإقليمية في الآونة الأخيرة، من حيث ارتفاع مساحة التصحر وازدياد مواسم الجفاف وانحسار المساحات الخضراء.
ولاشك أن دولة قطر وسط هذا المحفل العالمي تضع نصب عينيها، إضفاء لمسة من تاريخها وصور من تراثها، بما يعكس عراقة هويتها وانتمائها كما عودتنا، ولذا استلهم تصميم الجناح القطري في (إكسبو 2023 الدوحة) من أهم معالمها الجغرافية وهو "رأس بروق"، وهي شبه جزيرة تتشكل من منحدرات بيضاء نحتتها الرياح وعوامل التعرية الطبيعية، تقع على الساحل الغربي لدولة قطر، وكانت تضم بقايا استقرار بشري يعود إلى عصور ما قبل التاريخ بحسب المؤرخين، مما يعكس حرص المنظمين على نموذج يجمع بين التراث والتصميم العصري، حيث يتجسد التصميم الراقي والفن القطري.
وسيقام المعرض الدولي للبستنة (إكسبو 2023 الدوحة)، تحت شعار: "صحراء خضراء.. بيئة أفضل"، على أرض تبلغ مساحتها 1.7 مليون متر مربع، ضمن حديقة البدع في قلب العاصمة الدوحة، بالتزامن مع اكتمال معظم البنى التحتية والمنشآت اللازمة.
ويتوقع المنظمون أن يجذب المعرض ثلاثة ملايين زائر من أكثر من ثمانين دولة، في تجربة لن تنسى عبر 179 يوما تقريبا من الفعاليات اليومية والأنشطة الأسبوعية، بما يتناسب مع تنوع ثقافات الزوار الذين سيحضرون من مختلف دول العالم.
تجربة فريدة من نوعها
إن التصميم على اجتياز التحدي بصورة مشرقة، ينبع من تراكم خبرات مكتسبة من تنظيم أحداث عالمية متلاحقة خلال السنوت القليلة الماضية، تكللت بنجاحات متواصلة تتسق مع رؤية قطر الوطنية 2030، التي تضع الإدارة البيئية والتنمية المستدامة على رأس قائمة الأهداف والأولويات، مع الالتزام بتقديم تجربة فريدة من نوعها للمجتمع الدولي ومواطني قطر والمنطقة الخليجية، حيث يجمعهم هاجس واحد وغاية نبيلة أن حياتنا باتت تتوقف على تحسين جودة المناخ والماء والتربة، فهي أساسيات لا غنى عنها، لكنها في ذات الوقت موارد مهددة بالنضوب ويتوجب الحفاظ عليها.
ولا تتميز دولة قطر بروعة الشكل في مهرجاناتها ومؤتمراتها العالمية فحسب، بل إن مضامينها كانت أشد روعة، فالبحث عن الحلول المبتكرة في معرض (إكسبو 2023 الدوحة) للبستنة، سيكون من أهم التحديات التي يترقب الخبراء مقدار إسهامها في تحويل المناظر الطبيعية القاحلة في مناطق مختلفة من العالم إلى بيئات مفعمة بالحيوية وصديقة للبيئة بجانب زيادة الرقعة الخضراء، فثمة أسئلة كبيرة عن مستقبلنا، يحاول معرض البستنة العالمي الإجابة عنها، عبر استعراض الوسائل الحديثة للشركات العالمية الرائدة في مجال الطاقة البديلة والبيئة والزراعة والبستنة، وتصنيع أفضل المنتجات واستخدام أهم الأساليب التي تراعي مفاهيم الاستدامة والوعي البيئي، بالاعتماد على التكنولوجيا المتطورة، وآخرها الذكاء الصناعي الذي بدأ يدخل مجالات حياتية كثيرة.
أفكار مبتكرة وحديثة
وإذ ترنو أنظار المؤسسات الدولية الحكومية الرسمية لـ"إكسبو 2023 الدوحة" للتوصل لأفكار مبتكرة وحديثة تتفوق على المخاطر البيئية الجسيمة الآخذة بالاتساع، فإن القائمين على المعرض سيتيحون فرصا ومساحات للمنظمات غير الحكومية لتقديم رسائلها ومنتجاتها لمجموعة كبيرة وواسعة من الزوار، حيث إن ناشطي البيئة والزراعة المستدامة يترقبون المساهمة بأي اتفاقات أو أنشطة تصدر عن فعاليات المعرض الدولي، فيما يتعلق بخفض الانبعاثات الكربونية وتطوير البيئة والزراعة والمحافظة على الغابات المطيرة ونظافة المياه ونقاوة الهواء والتربة ومكافحة التلوث في الكرة الأرضية، بما يكفل الوصول إلى عتبة الأمان في سبيل تحقيق الأمن الغذائي للأجيال القادمة على مدى العقود المقبلة على أقل تقدير.
تعزيز نمو الاقتصاد
وتؤكد الجهات المنظمة أن (إكسبو 2023 الدوحة) يعبر عن مدى الالتزام بتعزيز النمو الاقتصادي لدولة قطر ومحيطها الإقليمي، ودعم الابتكار، وتعزيز الروابط الثقافية وخلق نقطة تلاقي بين الأشخاص والأفكار المتنوعة عالميا، لتسريع وتيرة الإبداع والبحث والتقدم العلمي في مجال التقنيات الرقمية المتعلقة بالزراعة الحديثة لإنتاج غذاء آمن ومستدام وبأسعار معقولة لجميع سكان العالم الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم، يدا بيد مع كل وسيلة ممكنة للحد من الأثر المناخي على كوكبنا.
ويأمل القائمون على الحدث العالمي أن يجعلوا من هذا المعرض الدولي منصة جذب لزوار من مختلف قارات العالم بما يولده من فرص لتعميق التعاون الدولي وتعزيز شراكات جديدة، ناهيك عن أنه سيكون ولاشك نقطة جذب سياحي رئيسية للزوار من دول الخليج والمنطقة العربية على نطاق أوسع، بما يعزز مكانة قطر السياحية الإقليمية بصورة أكبر ويساهم في بناء مجتمع قائم على الاستدامة في جميع أنحاء دول الخليج، في ظل امتلاكها بنية متكاملة من المطارات والموانئ والفنادق وشبكات الطرق المصنفة على أعلى المستويات العالمية.