وصف اللورد نيكولاس ليونز عمدة الحي المالي لمدينة لندن، العلاقات التجارية والاستثمارية بين دولة قطر والمملكة المتحدة بـ"القوية والمتوازنة"، والآخذة في النمو مع وجود حوار نشط بين البلدين حول الكثير من فرص الاستثمار المختلفة، دون أن يقتصر الأمر على الاستثمار في بريطانيا، بل في قطر حيث توجد فرص جيدة جدا للشركات البريطانية للاستثمار أيضا.
وقال اللورد نيكولاس ليونز في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن التفاعل بين البلدين كان نشطا على مر التاريخ، وتعمق أكثر مع الاستثمار الكبير لجهاز قطر للاستثمار في المملكة المتحدة على مدى العقود الماضية والذي تجاوز 40 مليار جنيه إسترليني، إضافة لبلوغ واردات وصادرات التجارة والخدمات في كلا الاتجاهين أكثر من 13 مليار جنيه إسترليني هذا العام، "وهو رقم يتزايد بشكل كبير كل عام ما يجعلها علاقة متوازنة للغاية وآخذة في النمو".
العلاقة بين البلدين
وأضاف: "على مدار اليومين الماضيين عقدت هنا في قطر اجتماعات مثمرة مع معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وسعادة السيد علي بن أحمد الكواري وزير المالية، تناولت العلاقات القائمة بين دولة قطر والمملكة المتحدة، كما التقيت بجهاز قطر للاستثمار، ورابطة رجال الأعمال القطريين، ويمكنني القول إن العلاقة بين البلدين ثنائية الاتجاه إلى حد كبير، ونتطلع لمزيد من الاستثمارات القطرية، ويسعدنا أن أرقام الاستيراد والتصدير ترتفع بشكل ملحوظ، وأنا متأكد من أن ذلك سيستمر".
وحول المجالات التي يجب أن تحظى أكثر بتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع دولة قطر، ذكر إن هناك فرصا كبيرة في عدد من المجالات، لاسيما التكنولوجيا المالية حيث إنها منطقة خصبة للغاية بالنسبة لقطر وللباحثين عن الاستثمارات، "ومع أن قطر كانت دائما مستثمرا كبيرا في مجال العقارات، فإنني أرى أن تطلعها لمجالات التكنولوجيا والتكنولوجيا المالية وعلوم الحياة في بريطانيا سيكون مثمرا للطرفين، لاسيما وأن عدد شركات التكنولوجيا المالية التي يجري تطويرها في المملكة المتحدة، يفوق عدد مثيلاتها في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا مجتمعة".
الطاقة النظيفة
كما اعتبر أنه مع تحول الاقتصادات المعتمدة على الهيدروكربون إلى الطاقة النظيفة، تبرز أهمية الاستثمار بشكل متزايد في التقنيات المتجددة لتحقيق هذا التحول، ومن ثم فإن حوار الجانبين حول التمويل الأخضر والمستدام مهم للغاية، حتى وإن كانت دولة قطر تبحث أيضا عن فرص أخرى لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على الغاز الطبيعي.
واستطرد عمدة الحي المالي لمدينة لندن قائلا إن الاستثمار في نظام التقاعد البريطاني مجز أيضا، حيث تقوم الحكومة بتعبئة أموال التقاعد في المملكة المتحدة، وهي أموال معاشات تقاعدية محددة ذات أفق طويل المدى يتوافق بشكل طبيعي جدا مع المنظور طويل الأجل لصناديق الثروة السيادية التي تتطلع إلى تحقيق مكاسب طويلة الأجل، "لذلك، أعتقد أن هناك عوائد مجزية في هذا المجال، وإمكانيات هائلة هنا بالنسبة للمستثمرين الأجانب في بريطانيا الذين يستثمرون إلى جانبنا من خلال نظام التقاعد.. فلدينا ثاني أكبر نظام للمعاشات التقاعدية في العالم، بما يقرب من 5 تريليونات جنيه استرليني، ويتم استثماره بشكل متحفظ للغاية ونحن بحاجة إلى ذلك من أجل تقديم عوائد أفضل لمدخري المعاشات التقاعدية، نحتاج إلى منحهم عوائد أكثر تنوعا، بما أنه لا يوجد بالمملكة المتحدة معاش تقاعدي حكومي وطني، ولا صندوق ثروة سيادي".
فرص الاستثمار التقليدية
وفي هذا الصدد أشار اللورد نيكولاس ليونز كذلك إلى فرص الاستثمار التقليدية المتاحة ببلاده في البنية التحتية العقارية وقروض البنية التحتية طويلة الأمد، وقال "إذ لدينا حاجة كبيرة للاستثمار في المزيد من البنية التحتية في المملكة المتحدة، ونتيجة لذلك، دفعنا ببعض التغييرات التنظيمية في قوانين رأس المال وسيتم إطلاق العنان لشركات التأمين والتغيرات في قدرة الشركات على سداد ديونها أيضا، ونعتقد أن قيمة استثمار شركات التأمين في مشاريع البنية التحتية ربما تصل إلى ما يقارب 100 مليار جنيه إسترليني، وهو ما أرى أنه سيعمل على خلق فرص جيدة للغاية للمستثمرين في الخارج".
وعن تأثيرات الحرب في أوكرانيا على مركز لندن كوجهة جاذبة للمستثمرين العالميين، قال إن تأثير الحرب اقتصاديا كان كبيرا في جميع أنحاء أوروبا، لأنها أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية، الأمر الذي أوجد خلفية تضخمية للاقتصاد تسببت بدورها في ارتفاع أسعار الفائدة، "فمن الواضح الآن أن التضخم المدفوع من جانب العرض يتحول فعليا إلى بعض التضخم الهيكلي عندما نصل إلى منطقة تسويات الأجور الكبيرة وتضخم أسعار الأجور، لذلك فإن آثار الحرب في أوكرانيا سيكون مداها أطول مما كان يعتقد في الأصل، والتضخم سيستمر لفترة أطول، وبالتالي بقاء أسعار الفائدة مرتفعة مما يؤثر على قرارات الاستثمار".
أسعار الفائدة
لكن اللورد نيكولاس ليونز، نبه مع ذلك إلى أن المملكة المتحدة لاتزال تلقى مستوى عاليا من الاهتمام بالاستثمار "فنحن نشهد زيادة كبيرة في أعداد الموظفين والمكاتب في لندن، وحتى أولئك الذين ينقلون المزيد من رأس المال إليها للاستثمار وذلك بالنظر إلى زيادة الفرص الاستثمارية الجاذبة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والمزيد من انخفاض أسعار الأسهم، وأتوقع أن أسعار الفائدة ستصل ذروتها هذا العام ولن تبدأ في الانخفاض قبل النصف الثاني من العام المقبل، وعندما يحدث ذلك سنشهد ارتفاعا طفيفا في أسواق الأسهم، لذلك أرى أن ثمة فرصة في الوقت الحالي للأشخاص ذوي الآفاق طويلة المدى للاستثمار في المملكة المتحدة وأعتقد أنهم سيكونون قادرين على الاستثمار بتقييمات جذابة للغاية".
وبشأن الوضع الحالي للاقتصاد العالمي وآفاق نموه، توقع عمدة الحي المالي لمدينة لندن أن تكون مستويات النمو منخفضة إلى حد ما في معظم الاقتصادات الغربية، مضيفا "ثمة رياح معاكسة في العديد من الاقتصادات حول العالم، وليس هناك شك في أن النمو في دول مجلس التعاون الخليجي لا يزال قويا، كما أن النمو في أجزاء من آسيا لا يزال جيدا، وخاصة في الهند. لكننا نشهد تباطؤا في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين، مما سيكون له تأثير كبير على الكثير من البلدان حول العالم، وكذلك الولايات المتحدة التي لا تزال تتمتع بمستويات متواضعة من النمو. لذلك أعتقد أن لدينا الكثير من الديون في النظام، وبالتالي عندما يكون لديك أسعار فائدة أعلى، فإن رسوم خدمة الديون تستحوذ على جزء أكبر من الميزانيات الحكومية".
اتفاقيات تجارة حرة
ورأى أن هذه الظروف في الغرب قادت المملكة المتحدة بشكل خاص إلى زيادة الرغبة في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول العالم وذكر"لدينا المرونة التي تمكننا من التفاوض بشأن تلك الأمور بشكل مستقل عن الاتحاد الأوروبي، حيث وقعت المملكة المتحدة اتفاقية تجارة حرة مع أستراليا، وانضمت مع اليابان إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وكذلك نحن حاليا في الجولة التاسعة من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الهند، ولدينا حوار جيد جدا مع دول مجلس التعاون الخليجي حول اتفاقية تجارة حرة هنا أيضا، ونود أن نرى تقدما لا سيما في دمج الخدمات أيضا، كالبضائع. لذلك، أعتقد أننا سنستمر في رؤية بعض ظروف السوق الصعبة، وإن كنت متفائلا جدا بشأن ما يخبئه المستقبل للمملكة المتحدة حيث القيمة الحقيقية لرأس المال الفكري".
وحول كيفية تحقيق انتقال مربح ومنصف إلى اقتصاد منخفض الكربون ومستقبل الأعمال الخضراء عالميا، في ظل المشهد سريع التطور للمعايير والأهداف والتقنيات والاستثمارات التي تعمل على تحقيق صافي انبعاثات صفرية، قال إن الأمر معقد للغاية ومتعدد الوجوه حيث تتعامل الدول في مواقفها تجاه القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة بوتيرة مختلفة، كما أن تعريفاتها للتحول الأخضر مختلفة تماما. معربا عن أمله في أن يكون هناك حوار حيوي وفعال حول كل هذه التحديات خلال مؤتمر المناخ الثامن والعشرين في دولة الإمارات العربية المتحدة.
النفط والغاز
وأضاف "نحن في لندن، كمركز مالي عالمي، نعتبر أكبر اللاعبين في مجال التمويل الأخضر والتمويل التقليدي.. صحيح أن هناك الكثير من مجموعات الضغط التي تريد أن ترى تغييرا جذريا وتريد سحب الاستثمارات من شركات النفط والغاز، لكننا لا نعتقد أن هذا هو الحل، نعتقد أنه إذا كنا سننطلق مما نحن عليه اليوم، سيستمر النفط والغاز في غضون 40 أو 50 عاما القادمة، في لعب دور في مزيج الطاقة الذي يستخدمه العالم، وأحد المجالات التي نعمل عليها بشكل وثيق من خلال بورصة لندن هو تطوير أسواق الكربون الطوعية عالية النزاهة، وسيكون هذا وسيلة مهمة جدا لتحديد سعر عادل للكربون يمكننا من تشجيع ودعم البلدان النامية، واقتصاديات دول العالم الجنوبي، التي هي أقل منتجي انبعاثات الكربون، والأكثر معاناة من تغير المناخ. لذلك من المهم بالنسبة لنا أن نطور عملة مناخية تمكننا من تحويل القيمة إلى تلك البلدان لمساعدتها على التعامل مع تحديات تغير المناخ".
وأوضح اللورد نيكولاس ليونز في ختام حواره لـ قنا بقوله "كما أنني أشعر ببعض الراحة من حقيقة أنه على الرغم من أن الصين هي أكبر ملوث في العالم، هي أيضا أكبر مستثمر في التكنولوجيا المتجددة وأكبر منتج للطاقة النظيفة، لذا عندما نفكر في تحدي المناخ ككل، تنتج الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية معا أكثر من 50 بالمائة من انبعاثات الكربون في العالم، وإذا لم تقم هذه الدول الثلاث بصياغة خطط موثوقة للوصول إلى صافي صفر انبعاثات، فمن الصعب جدا علينا أن نحقق النجاح".