تعكس الزيارة الرسمية التي بدأها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية الصديقة، متانة العلاقات بين البلدين، وقوة وعمق الشراكة المستدامة بينهما، وكذلك حرص قيادتي الدولتين على الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستويات أعلى وآفاق أرحب في مختلف المجالات.
وينتظر أن يبحث سموه "حفظه الله" خلال الزيارة مع فخامة الرئيس الألماني الدكتور فرانك وولتر شتاينماير، ودولة المستشار أولاف شولتس، وعدد من كبار المسؤولين الألمان، العلاقات بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتنميتها في مختلف المجالات، وخاصة في مجال الطاقة والقطاعات الاقتصادية والاستثمارية، واستكشاف فرص التعاون والشراكات الجديدة بين البلدين، بما يعود بالنفع على الدولتين وشعبيهما الصديقين، كما سيتم تبادل وجهات النظر حول مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
علاقات تاريخية
وقد أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر وجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1973م، وتعتبر قطر شريكا هاما لألمانيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استنادا لأكثر من ستين عاما من العلاقات التجارية، ونحو نصف قرن من العلاقات السياسية والدبلوماسية، التي تركت أثرا طيبا في نفوس الشعبين الصديقين.
وتقوم العلاقات القطرية الألمانية على أسس راسخة من الثقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهي علاقات استراتيجية، مدعومة بعلاقات تعاون وثيقة تعززت خلال السنوات الأخيرة، نظرا لتطور دور قطر السياسي مع توسع جهودها في الوساطة لحل النزاعات الإقليمية والدولية، وهناك حوار مستمر وتشاور دائم بين الجانبين بشأن التنسيق السياسي فيما يتعلق بقضايا المنطقة والملفات الدولية الساخنة.
وفي مايو من العام الماضي وقعت دولة قطر وألمانيا الاتحادية مذكرة تفاهم حول إنشاء الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي من شأنه توفير منصة مهمة لمناقشة ملفات الطاقة والتعاون بين الدولتين.
اتفاقيات اقتصادية
ويرتبط البلدان بعدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، منها اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وأخرى في المجالات الصناعية والتجارية والصحية والثقافية والرياضية، وعلم الآثار والطاقة الشمسية والطيران المدني والنقل الجوي، إلى جانب اتفاقية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والفني، والتي شهدت تنظيم العديد من الدورات على مدى السنوات الماضية.
ومن المنتظر أن تشهد العلاقات بين البلدين انطلاقة جديدة وآفاقا أرحب خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين، والزخم الذي شهدته وترجمته الزيارات عالية المستوى بين الدوحة وبرلين، ومن أبرز هذه الزيارات، زيارة العمل التي قام بها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لجمهورية ألمانيا الاتحادية الصديقة في مايو من العام الماضي، وزيارة دولة المستشار الألماني أولاف شولتس، إلى الدوحة في سبتمبر من العام الماضي.
#قنا_انفوجرافيك |#قطر و #ألمانيا.. عقود من الصداقة الوطيدة تأسيسا لشراكات استراتيجية راسخة #قناhttps://t.co/7JCkHrtVk5 pic.twitter.com/weYGVCtmSG
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) October 11, 2023
وقد تم خلال الزيارتين بحث العلاقات بين البلدين الصديقين، وسبل تطويرها على الأصعدة كافة، بما فيها مجالات التعليم والاقتصاد والاستثمار والطاقة والدفاع، إضافة إلى آخر التطورات الدولية، كما وقع البلدان إعلان نوايا مشتركا لتعزيز التعاون بينهما في مجال الطاقة، وذلك في إطار الحوار الناجح والمستمر بين قطر وألمانيا، حيث من المتوقع أن يتطور إلى شراكة طاقة من خلال بناء علاقات تجارية في مجال الغاز الطبيعي المسال تخدم مصالح البلدين، وتحقق طموحاتهما في العمل المناخي.
ومن المتوقع أن تعمل هذه الشراكة على تعزيز التنوع في إمدادات ألمانيا من الطاقة، من خلال واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر، وفي الوقت نفسه على تيسير التعاون الثنائي في طاقة الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة.
وكانت قطر للطاقة قد وقعت بالدوحة في نوفمبر الماضي، اتفاقيتي بيع وشراء طويلتي الأمد، بين شركات تابعة لكل من قطر للطاقة وشركة كونوكو فيليبس، لبيع ما يصل إلى مليوني طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال يتم توريدها من قطر إلى ألمانيا، وبموجب الاتفاقيتين، ستقوم شركة تابعة لـ كونوكو فيليبس الأمريكية بشراء الكميات المتعاقد عليها وتوريدها إلى محطة استقبال الغاز الطبيعي المسال الألمانية التي يتم تطويرها حاليا في مدينة برونزبوتل شمالي ألمانيا ابتداء من العام 2026، علما بأن ألمانيا تمثل أكبر سوق للغاز في أوروبا، وتتميز بطلب كبير في قطاعات الصناعة، والكهرباء، والاستهلاك المنزلي.
نمو متزايد
وقد شهدت العلاقات الاقتصادية القطرية - الألمانية نموا مطردا خلال العقود الستة الماضية، وباتت دولة قطر شريكا اقتصاديا مهما لألمانيا في المنطقة، وتحتل ألمانيا المرتبة الثالثة بين أكثر الدول الأوروبية استقطابا للاستثمارات القطرية، بعد كل من بريطانيا وفرنسا، وتعد دولة قطر من أكبر المستثمرين هناك، بمبلغ يصل إلى نحو 25 مليار يورو، تشمل قطاعات صناعة السيارات، والاتصالات، والضيافة والخدمات المصرفية، وغيرها من القطاعات المهمة.
وقد ازدادت وتيرة هذه الاستثمارات، خاصة عقب الزيارة التاريخية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى ألمانيا عام 2018، والتي أعلن سموه خلالها عن عزم دولة قطر ضخ استثمارات بقيمة 10 مليارات يورو في الاقتصاد الألماني على مدى السنوات الخمس التالية حتى عام 2023، وهو ما يعكس عمق ومتانة العلاقات الثنائية على المستويات كافة.
وفي سبتمبر من العام الماضي، وقعت وزارة التجارة والصناعة القطرية اتفاقية شراكة استراتيجية مع الرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة، لافتتاح مكتب تمثيلي للرابطة في دولة قطر، يكون الأول من نوعه في منطقة الخليج، ومن شأن هذه الاتفاقية المساهمة في زيادة تواجد الشركات الألمانية في قطر، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على حركة التبادل التجاري والاستثمار، وإنشاء الشراكات المثمرة بين قطاعات الأعمال بكلا البلدين.
كما أن إنشاء أول مكتب في منطقة الخليج للرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة بالدوحة سيسهم في تعزيز العلاقات بين الشركات في البلدين، من خلال ربط 900 ألف شركة صغيرة ومتوسطة عضوة بالرابطة مع مثيلاتها بدولة قطر، إضافة إلى ربط الشركات الألمانية بشركاء محتملين في كافة أرجاء المنطقة.
استثمارات ألمانية بقطر
ويزيد عدد الشركات الألمانية التي تساهم في تطوير الاقتصاد القطري عن 300 شركة تعمل في مجالات حيوية كالطاقة، والإنشاءات، والخدمات، وتطوير السكك الحديدية، والتجارة، والمقاولات، والاتصالات، والأجهزة والمعدات الطبية، وغيرها من المجالات الأخرى. وتمتلك دولة قطر حصصا في أهم المجموعات التجارية والمصرفية الألمانية، وتعتبر أكبر مساهم في مجموعة "فولكس فاغن" العملاقة لصناعة السيارات، بحصة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي، وكذلك في "سيمنز"، كما تستثمر في شركة "هاباج لويد" إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، كما تمتلك حصة في شركة "هوكتيف"، وهي أكبر شركة إنشاءات في ألمانيا، وتعمل على النطاق العالمي.
ولجذب الاستثمارات الخارجية، عملت دولة قطر انطلاقا من رؤيتها الوطنية 2030 على توفير المناخ الاستثماري الملائم، من خلال سلسلة من القوانين والتشريعات الجاذبة للاستثمار، فضلا عن الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تنعم به البلاد، وارتباطها بعلاقات متينة ومتوازنة مع جميع الأطراف، وكذلك موقعها الجغرافي الاستراتيجي كبوابة عبور تجارية رئيسية تربط الشرق بالغرب، إضافة للبنية التحتية الرقمية المتطورة التي تضمن التدفق السلس للتجارة ورؤوس الأموال للمستثمرين الدوليين، وبمينائها التجاري الكبير وخطوطها الجوية التي تربطها بأهم المدن والمسارات التجارية العالمية.
وتنتمي ألمانيا الاتحادية لأكثر بلدان العالم الصناعي تطورا وأقواها أداء، وتشكل بعد الولايات المتحدة واليابان والصين رابع أكبر اقتصاد في العالم، كما تعتبر أيضا أكبر وأهم سوق بدول الاتحاد الأوروبي بعدد سكانها الذي يزيد على اثنين وثمانين مليون نسمة. وتتشارك ألمانيا في حدود واسعة مع تسع دول أخرى، ثمان منها أعضاء بالاتحاد الأوروبي، ويتركز اقتصادها على المنتجات الصناعية والخدمات، وتتمتع الآلات والسيارات والمنتجات الكيميائية الألمانية بسمعة عالمية متميزة، وبسبب توجهها الكبير نحو التصدير تعتبر ألمانيا من أكثر دول العالم ترابطا وتداخلا بالاقتصاد العالمي.
وتساهم الصادرات من السلع والخدمات بتحقيق أكثر من ربع الدخل الألماني، ويعتمد أكثر من خمس فرص العمل هناك على الصادرات، وقد احتلت ألمانيا عام 2009 بحجم صادراتها البالغ 1121 مليار دولار المرتبة الثانية في العالم بعد الصين، وتعتبر القارة الآسيوية السوق الثانية من حيث الأهمية بالنسبة لمبيعات المنتجات الألمانية، وتعتبر الصين الشريك التجاري الأهم، كما تشكل ألمانيا بدورها المستثمر الأوروبي الأكبر بالنسبة للصين منذ عام 1999، من خلال نحو 2500 شركة ألمانية تستثمر بالقطاعات الصينية المتعددة.