تستضيف العاصمة القطرية غدا الثلاثاء الدورة الرابعة والأربعين للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون، وتناقش القمة العديد من الملفات المهمة، من بينها استكمال تنفيذ مشروع الربط الكهربائي الخليجي، الذي شهد تسارعا في تنفيذ العديد من المراحل خلال السنوات القليلة الماضية، كان أبرزها مشروع الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون والعراق.
الربط الكهربائي الخليجي
ويعد الربط الكهربائي الخليجي أحد أوجه التعاون بين دول المنطقة الغنية بالوقود الأحفوري لدعم استقرار الشبكة في وقت الذروة فيما بينها، وشهد توسعا إلى بلدان عربية أخرى، بدأ من العراق على أمل في الوصول إلى التصدير لأوروبا، يأتي ذلك في ظل توقعات بتباطؤ نمو الطلب على الكهرباء بدول مجلس التعاون الخليجي حتى عام 2025، مما يفتح الباب أمام دول المنطقة لتصدير الفائض.
ومن أبرز فوائد الربط بين عدة شبكات كهربائية دولية، العمل على تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب، خصوصا في أوقات الذروة، مما يزيد درجة الأمان والموثوقية، بالإضافة إلى الاستفادة من تصدير الفائض في الشبكة، ففي الثامن من يونيو الماضي، بدأ تنفيذ مشروع الربط الكهربائي الخليجي مع العراق، ليكون بمثابة بداية انطلاق دول مجلس التعاون للربط مع دول أخرى خارج المنظمة.
فكرة تنفيذ الربط الكهربائي
وتعود فكرة تنفيذ الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى ديسمبر عام 1997، عندما اتخذ مجلس التعاون قرارا بالتنفيذ خلال دورته الـ 18، وفي عام 2001، تقرر تأسيس هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، لتكون مسؤولة عن إنشاء المشروع وتشغيله والعمل على صيانته.
ومع نهاية عام 2005 وتحديدا في شهر نوفمبر، وقعت السعودية والكويت وقطر والبحرين مجموعة من العقود لبدء تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي الخليجي بتكلفة استثمارية تخطت المليار دولار، ليبدأ التشغيل الفعلي بعد نحو 4 سنوات، وتحديدا في شهر يوليو 2009.
بينما تضمنت المرحلة الثانية من الربط الكهربائي الخليجي رفع كفاءة شبكة الكهرباء في كل من الإمارات وسلطنة عمان، لتنتهي في عام 2006، بينما نفذت المرحلة الثالثة على جزأين، انتهى الجزء الأول منها في 20 أبريل 2011 بربط شبكة الإمارات بشبكة الربط الرئيسية للخليج، ليرتفع عدد دول المنطقة المرتبطة كهربائيا في ذلك الوقت إلى 5 دول.
في حين يمثل الجزء الثاني من المرحلة الثالثة، ربط شبكة عمان بالشبكة الرئيسية، وذلك من خلال شبكة كهرباء الإمارات، لتنضم السلطنة رسميا إلى الربط الكهربائي في نوفمبر 2014، لتصبح دول التعاون الخليجي مرتبطة بصورة كاملة.
اللجنة الاستشارية والتنظيمية
يشار إلى أن عام 2009 شهد إقرار اتفاقية تنظيم العلاقة بين الدول المشاركة في مشروع الربط الكهربائي الخليجي، لتصبح سارية المفعول بدءا من 23 مارس من ذلك العام، وبناء على تلك الاتفاقية، تشكلت اللجنة الاستشارية والتنظيمية للربط الكهربائي، لتتولى تنظيم أعمال هيئة الربط الكهربائي بدول مجلس التعاون.
وأسهم مشروع الربط الكهربائي الخليجي منذ انطلاقه في تعزيز أمن الطاقة ومستوى الموثوقية للشبكة الكهربائية الخليجية؛ بفضل المشاركة في السعات الإنتاجية والاحتياطيات التشغيلية، وتبادل الدعم خلال وقت الطوارئ، وهو ما أدى إلى تجنب تعرض شبكات الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي لأي انقطاع للتيار عبر تقديم الدعم الفوري خلال وقت الطوارئ وزيادة الأحمال.
وأسهم المشروع في تحقيق وفورات سنوية تتراوح بين 200 مليون و300 مليون دولار، ليبلغ إجمالي الوفورات التراكمية منذ بدء تشغيل الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو 3 مليارات دولار، وذلك مقارنة بالتكاليف الاستثمارية للمشروع منذ إنشائه، التي بلغت ملياري دولار.
وتمتد شبكة الربط الكهربائي الخليجي لمسافة تصل إلى 1000 كيلومتر من الكويت شمالا إلى جنوب الخليج العربي.
وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، سجلت دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة السعودية وسلطنة عمان والإمارات، بالإضافة إلى العراق، أكبر الزيادات باستهلاك الكهرباء في الشرق الأوسط خلال عامي 2021 و2022.
العراق ودول الخليج
ويأتي الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج ليكون أحد الحلول التي اتبعتها بغداد لمواجهة مشكلة أزمات قطاع الكهرباء، وما يشهده من انقطاعات متكررة لأسباب متعددة، في مقدمتها تراجع إمدادات الغاز الإيراني، وتسبب ذلك في توقف العديد من المحطات.
وفي 8 يونيو 2023، بدأ رسميا تنفيذ مشروع الربط الكهربائي الخليجي العراقي، ليمثل أول ربط كهربائي لدول خارج أعضاء منطقة الخليج، وتضمنت المرحلة الأولى مد خط كهربائي من محطة الوفرة الكويتية إلى محطة الفاو جنوب العراق بقدرة تصل إلى 600 ميغاواط، بتكلفة استثمارية تبلغ 228 مليون دولار، ومن المتوقع دخول المرحلة الأولى حيز التشغيل الفعلي نهاية العام المقبل 2024.
ويعتبر مشروع الربط الكهربائي الخليجي العراقي، الذي يموله كل من صندوق قطر للتنمية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والمقرر الانتهاء من تنفيذه أواخر العام 2024، الأول من نوعه الذي يجري تنفيذه خارج المنظومة الكهربائية لدول مجلس التعاون، حيث سيعمل على تلبية جزء من الطلب على الطاقة الكهربائية في جنوب العراق بحوالي 500 ميغاواط في الساعة.
أهمية مشروع الربط الكهربائي
وتكمن أهمية مشروع الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي مع شبكة كهرباء العراق، في الدور الذي سيلعبه في تعميق أسس التكامل والترابط والتعاون بين دول مجلس التعاون والعراق، وإلى تعزيز مشروع الربط الكهربائي الخليجي، الذي يمثل أحد أهم مشاريع ربط البنى التحتية التي أقرها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي لدعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس.
وجاء إعلان بدء التنفيذ، بناء على اتفاق وقع في شهر يوليو 2022، بين شبكة الربط الكهربائي الخليجي، وشبكة كهرباء جنوب العراق، وبحسب بيانات الحكومة العراقية نجحت بغداد في إنجاز خطوط "فاو 1" و"فاو 2" جنوب العراق، وفي انتظار تنفيذ الربط مع الكويت.
ويأتي إنشاء محطة الوفرة في إطار تنفيذ الكويت بالتعاون مع هيئة الربط الكهربائي الخليجي توسعات لتعزيز الربط الكهربائي، في ظل التغيرات الكبيرة بالأحمال الكهربائية، وزيادة توليد الكهرباء بالطرق التقليدية والطاقة المتجددة.
ومن المقرر أن تعمل محطة الوفرة على توفير قدرة تصل إلى 3 آلاف ميغاواط، لتعمل على دعم استقرار الشبكة الكهربائية الكويتية، ويتضمن مشروع الربط الكهربائي مع العراق إنشاء محطة ربط رئيسية بالوفرة وخطوط هوائية مزدوجة لربط المحطة بمحطة الفاضلي بالسعودية، وتحويل خط هوائي مزدوج من منطقة الزور إلى الوفرة.
كما يتضمن إنشاء خطوط هوائية من منطقة الوفرة إلى محطتي صباح الأحمد "Z3"، وصباح الأحمد "Z4"، للربط مع شبكة الكويت، وكذلك شبكة خطوط هوائية بجهد 400 فولت مع العراق.
السوق الأوروبية
ويمثل الربط الكهربائي الخليجي مع العراق إحدى خطوات الخليج نحو الوصول إلى السوق الأوروبية وتصدير الكهرباء إليها، ومن بينها الربط مع تركيا، ومن المنتظر أيضا تنفيذ ربط كهربائي بين العراق والسعودية، بناء على المحضر التنفيذي الخاص بمبادئ اتفاق الربط الكهربائي بين البلدين الذي وقع في يوليو من عام 2022؛ إذ تجري في الوقت الراهن دراسات فنية لتحديد نقاط الربط ومسارات الخطوط والجدوى الاقتصادية والفنية.
وتتضمن الخطة المبدئية للربط، بحسب ما أعلن وقتها، مد خط كهربائي بطول 435 كيلومترا للربط بين منفذ عرعر السعودي ومحطة اليوسفية قرب بغداد بقدرة تصل إلى 1000 ميغاواط وجهد 400 كيلو فولت.
العراق والأردن
ويعمل العراق كذلك في الوقت الحالي على الانتهاء من تنفيذ الربط الكهربائي من الأردن، وذلك ضمن خطة البلاد نحو حل مشكلة أزمة القطاع، عبر الربط مع أكثر من دولة، وتضمنت المرحلة الأولى مد خط كهربائي بطول يصل إلى 330 كيلومترا من محطة الريشة في الأردن إلى منطقة القائم بالعراق.
وتتضمن المرحلة الثانية للربط الكهربائي بين العراق والأردن قدرات تصل إلى 500 ميغاواط، ومرحلة ثالثة بسعة تبلغ 900 ميغاواط، ويؤكد العراق أن الربط الكهربائي مع الأردن سيعمل على إنهاء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة منذ عام 2014 عن بعض مناطق الواقعة غرب البلاد كليا، الأمر الذي سيسهم بدوره في جذب استثمارات لتلك المناطق.
ومن مميزات الخط كذلك المساهمة في تشغيل معامل الفوسفات بمنطقة "عكاشات" الواقعة بمحافظة الأنبار، وسيكون داعما لمشروع المنطقة الصناعية بين العراق والأردن.
إجمالا، حقق المشروع الاستراتيجي الخليجي للربط الكهربائي عاما بعد عام منافع فنية واقتصادية لدول الخليج، حيث ساهم ويساهم في دعم الحالات الطارئة لتجنيب شبكاتها الانقطاعات الكهربائية، وذلك من خلال تقديم الدعم الفوري خلال الحالات الطارئة بنقل الطاقة المطلوبة عبر الشبكة التي تمتد لمسافة تقارب 1050 كيلومترا من دولة الكويت إلى سلطنة عمان، وقد نفذ منذ تشغيله حتى الآن نحو 2700 حالة دعم، وأسهم في تحقيق وفورات لدول المجلس تتراوح بين 200 إلى 300 مليون دولار سنويا، وقد بلغت الوفورات التراكمية ما يقارب نحو 3 مليارات دولار.
ومن شأن المشروع الاستراتيجي الخليجي للربط الكهربائي في نهاية المطاف، ربط دول مجلس التعاون وشرق البحر المتوسط وشمال إفريقيا مع أوروبا من الغرب والشمال، ومع جنوب ووسط آسيا من الشرق في شبكة عابرة للقارات، وصولا إلى تحقيق حلم إنشاء شبكة طاقة عالمية يكون الشرق الأوسط مركزا لها، وتكون منطقة الخليج النواة التي على أساسها تكونت هذه الشبكة الكهربائية