دولار أمريكي 3.63ريال
جنيه إسترليني 4.61ريال
يورو 3.85ريال

مجلس التعاون الخليجي.. محطات مضيئة على مدار أربعة عقود

04/12/2023 الساعة 12:44 (بتوقيت الدوحة)
ع
ع
وضع القراءة

مع دخوله العقد الخامس من مسيرته المباركة يواصل مجلس التعاون لدول الخليج العربية بكل ثقة وشموخ خطواته الراسخة والمدروسة لتحقيق أهدافه وطموحاته ومصالح دوله وشعوبه، وتطلعاته للازدهار والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

محطات ومواقف تاريخية

وقد مر المجلس خلال العقود الأربعة الماضية بالعديد من المحطات والمواقف التاريخية والمتميزة، فقد تمثلت المحطة الأولى في المسيرة الخليجية المباركة في الإعلان عن تأسيس المجلس في القمة الأولى للدول الست التي عقدت في أبو ظبي يوم الخامس والعشرين من مايو لعام 1981، حيث اتفق أصحاب الجلالة والسمو قادة كل من دولة قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، على إنشاء مجلس يضم دولهم يسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأن تكون مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية مقرا دائما للمجلس، وقاموا بالتوقيع على نظامه الأساسي الذي يهدف إلى تطوير التعاون بين هذه الدول وتنمية علاقاتها وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع الميادين الاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والتشريعية، بما يخدم مصالحها ويقوي قدرتها على التمسك بعقيدتها وقيمها.

20210104_1609780979-985.jpeg
ولم يكن القرار وليد اللحظة، بل جاء تجسيدا لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي، حيث تتميز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة، ويسرت الاتصال والتواصل بينهم، كما جاء تشكيل المجلس استجابة لتطلعات أبناء المنطقة في العقود الأخيرة لنوع من الوحدة العربية الإقليمية، بعد أن تعذر تحقيقها على المستوى العربي الشامل.

أهداف المجلس

وقد حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسـياحية والتشـريعية والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.

المحطة الثانية من المسيرة

وفي المحطة الثانية من مسيرة المجلس في نوفمبر من العام 1981 عقدت القمة الثانية لمجلس التعاون بالرياض، وتم خلالها توقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي تضمنت الأحكام الرئيسة لمنطقة التجارة الحرة لدول المجلس، والتي دخلت بدورها حيز التنفيذ في مارس 1983، واستمرت نحو عشرين عاما إلى نهاية عام 2002 حين حل محلها الاتحاد الجمركي لدول المجلس، والذي أقره المجلس الأعلى اعتبارا من الأول من يناير 2003م ويهدف لإزالة الرسوم الجمركية والحواجز التجارية بين الدول الأعضاء، وتعزيز التجارة الحرة وتسهيل حركة البضائع والخدمات عبر الحدود.

وأقر المجلس الأعلى في دورته الثامنة والعشرين بالدوحة في ديسمبر 2007، إعلان الدوحة لقيام السوق الخليجية المشتركة. ولإيجاد مرجعية لقوانين وإجراءات السوق الخليجية المشتركة، تم إصدار "وثيقة السوق الخليجية المشتركة" التي أقرها المجلس الأعلى في دورته التاسعة والعشرين في مسقط، في ديسمبر 2008م.

منطقة التجارة الحرة

وخلال فترة منطقة التجارة الحرة بين عامي 1983 ـ 2002م، ارتفع حجـم التبادل التجاري بين دول المجلس من أقل من 6 مليارات دولار عام 1983 إلى 15.1 مليار دولار عام 2002م، أما في الآفاق المستقبلية فقد توقع البنك الدولي أن يقترب مجموع إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون من تريليوني دولار عام 2022، وقال في تقرير بهذا الخصوص: إن الاستثمار في النمو الأخضر يمكن أن يساعد في نمو إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس إلى 13 تريليون دولار عام 2050.

tW1r6
 

وفي محطة أخرى من مسيرة الصرح الخليجي، وإدراكا من أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس بأن النمو والازدهار الاقتصادي الذي تنعم به دول المجلس لا يمكن أن يتحقق ويتطور إلا في ظل بيئة آمنة ومستقرة، وانطلاقا من المبدأ الراسخ بأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، عقد الاجتماع الأول لأصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية بدول المجلس في الرياض في 23 و24 فبراير 1982م، وكان هذا الاجتماع بداية الانطلاقة للتنسيق والتعاون الأمني بين دول المجلس، وجاءت أولى الخطوات المهمة لتشكيل القوات العسكرية المشتركة لدول مجلس التعاون، حيث صدر قرار بإنشاء قوة درع الجزيرة، وتلا ذلك صدور العديد من القرارات لتطوير هذه القوة، بما يتناسب مع المتغيرات في البيئة الأمنية، ومصادر وأنواع التحديات والمخاطر، والتهديدات التي قد تواجه دول مجلس التعاون، ومن ثم جرى تطويرها عام 2006م إلى قوات درع الجزيرة المشتركة، وعززت بجهد بحري وجوي، وذلك لرفع كفاءتها القتالية، وفي عام 2009م، تم تعزيز قوات درع الجزيرة المشتركة بقوة تدخل سريع.

اتفاقية الدفاع المشترك

وانطلاقا من السياسة الدفاعية لمجلس التعاون التي تقوم على مبدأ الأمن الجماعي المتكامل جاء توقيع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون على اتفاقية الدفاع المشترك في الدورة الحادية والعشرين للمجلس الأعلى بالمنامة، في ديسمبر 2000م، إيذانا ببدء مرحلة جديدة من العمل العسكري المشترك، وذلك بالتحول من مرحلة التعاون العسكري التي دامت عقدين من الزمن إلى مرحلة الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون، وشكلت موافقة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، في الدورة الثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون بالكويت، في ديسمبر 2009م على الإستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون، إنجازا مهما وخطوة أساسية على طريق بناء المنظومة الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون.

وفي ديسمبر من العام 1987، أقر المجلس الأعلى في دورته الثامنة بالرياض الاستراتيجية الأمنية الشاملة لدول مجلس التعاون، وهي عبارة عن إطار عام للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء بمفهومه الشامل، ولهذه الاستراتيجية أهداف عامة، أما الاتفاقية الأمنية الخليجية وهي عبارة عن مواد قانونية تعالج قضايا التعاون الأمني بين دول المجلـس، فقد أقرتها القمة الخليجية الثالثة والثلاثون بالمنامة، في ديسمبر 2012.

ربط المصالح الاقتصادية

وفي القمة الخليجية الثامنة عشرة التي عقدت بدولة الكويت في ديسمبر 1997، وتأكيدا على ربط المصالح الاقتصادية لدول المجلس والتنسيق بينها في مشاريع البنية الأساسية، وجه المجلس الأعلى بالشروع في تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي، ووافق على تأسيس "هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون" للقيام بإنشاء المشروع وتشغيله وصيانته. ويعتبر الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون من أهم مشروعات ربط البنى الأساسية التي أقرها مجلس التعاون، ومن بين الفوائد التي يحققها المشروع تخفيض الاحتياطي المطلوب في كل دولة والتغطية المتبادلة في حالة الطوارئ والاستفادة من الفائض وتقليل تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية.

ورحب المجلس الأعلى في دورته الـسادسة والثلاثين في الرياض في ديسمبر 2015م برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك، وشكر خادم الحرمين الشريفين على ما ورد بها من مضامين سامية لتعزيز المسيرة المباركة لمجلس التعاون ومكانته الدولية والإقليمية، واعتمد المجلس هذه الرؤية وكلف المجلس الوزاري واللجان الوزارية المختصة والأمانة العامة بتنفيذ ما ورد بها، وفي القمة الخليجية الثالثة والأربعين التي عقدت بالرياض في ديسمبر من العام 2022م، رحبت القمة باعتزام المملكة العربية السعودية تقديم المرحلة الثانية من رؤية خادم الحرمين الشريفين لتعزيز العمل الخليجي المشترك.

مشاريع عديدة

ولقد أنجز مجلس التعاون خلال مسيرته التي دخلت عقدها الخامس العديد من المشاريع لعل من أهمها مشروع بطاقة الهوية الموحدة لدول المجلس وهي البطاقة الذكية، والتي أسهمت بتسهيل تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء، وتقليل فترة الانتظار أمام المنافذ عن طريق الدخول بواسطة البوابات الإلكترونية، كما ساعدت في انسيابية حركة العمالة الوطنية بين الدول الأعضاء.

وفي المجال الصحي، أثبتت دول المجلس تعاونها الكبير من خلال تبادل الخبرات والتقنيات الطبية بين الدول الأعضاء والتنسيق بينها لمكافحة الأوبئة والحفاظ على صحة المجتمعات في المنطقة، حيث كانت جائحة /كوفيد-19/ تجربة قام خلالها مجلس التعاون بدور مهم في التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء لمكافحة انتشار الفيروس، ومواجهة تحديات الجائحة، وتطبيق الإجراءات الوقائية، وتنظيم حركة السفر والتجارة الدولية.

الاستراتيجية الإعلامية

وأقر المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون، الاستراتيجية الإعلامية، ومن أبرز أهدافها تعزيز التعاون وفرص الوحدة بين دول المجلس، وترسيخ الهوية الخليجية والعربية والإسلامية لدول المجلس، وتعميق المواطنة الخليجية، ودعم ترابط المجتمع الخليجي وأمنه واستقراره، وتنمية الوعي المجتمعي العام لدى المواطنين والمقيمين، ودعم مسيرة المجلس والتعاون والتكامل بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بالدول الأعضاء.

واعتمد المجلس الأعلى في دورته الثالثة والثلاثين، الاستراتيجية البترولية للدول الأعضاء، انطلاقا من أهمية دول المجلس على المستوى العالمي، سياسيا واقتصاديا، ودورها الريادي في الصناعة البترولية، وثقلها البترولي باعتبارها تملك أكبر احتياطي مؤكد من البترول وتشكل أكبر منطقة لإنتاجه وتصديره.

قطاعات البيئة

وتتعاون دول المجلس فيما بينها بشكل واسع في كل قطاعات البيئة، كما تتعاون مع المنظمات العاملة في مجال حماية البيئة وصيانة مواردها الطبيعية، كما انضمت لثلاث وثلاثين اتفاقية ومعاهدة إقليمية ودولية في مجال البيئة وحماية الحياة الفطرية والموارد الطبيعية، والتنوع البيولوجي وحماية طبقة الأوزون وتغير المناخ ومكافحة التصحر والتجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض.

وكان السيد عبدالله يعقوب بشارة من دولة الكويت أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي وذلك في الفترة من مايو 1981 - مارس 1993م، تلاه الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي من دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من أبريل 1993 - مارس 1996م، ثم السيد جميل بن إبراهيم الحجيلان من المملكة العربية السعودية في الفترة من أبريل 1996 - مارس 2002م، ثم سعادة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية من دولة قطر في الفترة من أبريل 2002 - مارس 2011م، تلاه الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني من مملكة البحرين في الفترة من أبريل 2011 - يناير 2020، تلاه الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف من دولة الكويت من فبراير 2020 - 31 يناير 2023م، وخلفه من دولة الكويت أيضا الأمين العام الحالي السيد جاسم محمد البديوي.

السياسة الخارجية

وعلى صعيد السياسة الخارجية، عمل مجلس التعاون على صياغة مواقف مشتركة وموحدة تجاه القضايا السياسية التي تهم دوله الست في الأطر العربية والإقليمية والدولية، والتعامل كتجمع واحد مع العالم، في إطار الأسس والمرتكزات القائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومراعاة المصالح المشتركة، بما يصون مصالح دول المجلس، ويعزز أمنها واستقرارها ورخاء شعوبها.

تعزيز المكانة الإقليمية

ونجح مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الأربعة الماضية في تعزيز مكانته الإقليمية وتأكيد حضوره على الساحة الدولية، وبات شريكا فاعلا وموثوقا به لترسيخ الأمن والاستقرار حول العالم، كما سعى المجلس منذ انطلاقته إلى توسيع شراكاته وحواراته الاستراتيجية مع العديد من الدول والتجمعات والدخول في مفاوضات التجارة الحرة مع الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية تحقيقا للمصالح المشتركة.

ووقعت دول المجلس على العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى حول العالم لتسهيل حركة السلع وتعزيز التجارة البينية وتوسيع فرص الاستثمار وتنمية العلاقات التجارية القوية.

التبادل التجاري

وارتفعت قيمة التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون وبقية دول العالم إلى نحو 1.4 تريليون دولار أمريكي بنهاية عام 2019، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي وحلت محل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020، وبلغ حجم التبادل التجاري بين دول المجلس والصين عام 2021 أكثر من مائتين وثلاثين مليار دولار أمريكي، وتعد دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة أكبر شريك للهند بإجمالي تجارة بلغ 154 مليار دولار في السنة المالية 2021- 2022.

وبلغ حجم التبادل التجاري لدول مجلس التعاون مع اليابان أكثر من ثمانية وتسعين مليار دولار أمريكي عام 2021، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان 93.9 مليار دولار أمريكي في العام 2019م، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين دول المجلس والولايات المتحدة سبعين مليار دولار عام 2021، وفي العام الماضي (2022)، ارتفعت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وتجاوزت 11 مليار دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين دول المجلس ومجموعة دول آسيا الوسطى نحو 3.1 مليار دولار أمريكي في عام 2021م.

لاعب اقتصادي موثوق

ويعد مجلس التعاون لاعبا اقتصاديا موثوقا على الصعيد الدولي، فهو سوق ضخمة للصادرات من جميع أنحاء العالم، كما تلعب دول المجلس دورا متميزا في تزويد أسواق الطاقة العالمية بالنفط والغاز اللذين يعدان المحركين الرئيسيين للاقتصاد العالمي، ويشكلان قرابة ستين بالمائة من الطاقة المستهلكة على الصعيد الدولي.

وهكذا يمضي مجلس التعاون في مسيرته المباركة ويدخل عقده الخامس لتحقيق أهدافه وطموحات أبنائه وترجمتها واقعا يهدف إلى الحفاظ على المكتسبات، والبناء للمستقبل بكل تفاؤل وثقة وعزيمة.

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo