أطلقت دولة قطر، استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024 - 2030)، التي تعد المرحلة الأخيرة على طريق تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030 التي أطلقت في العام 2008، وتهدف لتحويل قطر إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة، وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل، من خلال أربع ركائز أساسية تشمل التنمية البشرية، والاجتماعية والاقتصادية، والبيئية.
وعرض سعادة السيد إبراهيم بن علي بن عيسى الحسن المهندي وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، خلال مؤتمر صحفي اليوم، نتائج مناقشة مجلس الوزراء لاستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة 2024 - 2030، التي تهدف إلى مواصلة الجاهزية لمواجهة التحديات وتوجيه قطر نحو الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول عام 2030، وتحقيق تنمية مستدامة، وتوفير حياة عالية الجودة لجميع أفراد شعبها وأجياله المقبلة، مشيرا إلى أن الاستراتيجية الجديدة ستعطي الأولوية للتنافسية، وتعزيز الابتكار، ودعم التميز المؤسسي، مع تحقيق التوازن بين النمو المستدام والتماسك الاجتماعي وفق النتائج الوطنية.
ولفت إلى أن دولة قطر تعمل على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 4 بالمئة حتى عام 2030، عبر توسيع إنتاج الغاز وتسريع نمو الأنشطة ذات العلاقة بالتنويع الاقتصادي، حيث تهدف أجندة التنويع الاقتصادي إلى جعل قطر من بين أفضل 10 وجهات في العالم للمستثمرين والشركات، وإلى إنشاء تجمعات اقتصادية تخصصية، وبناء منظومة ابتكار حيوية تعتمد على القطاع الخاص.
وأضاف: ستركز قطر أيضا على زيادة إنتاجية القوى العاملة بنسبة 2 بالمئة سنويا لتعزيز النمو الاقتصادي، وإيجاد وظائف تتطلب مهارات عالية الخبرة وذات أجور أعلى، مع الحفاظ على معدل مستدام للنمو السكاني لا يخلق تحديات على البنية الاجتماعية، ولا على البنية التحتية.
وأوضح أن من أهم العناصر الرئيسية لنموذج التنمية الاقتصادية في استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، القيام بتطوير دور الحكومة لتمكين القطاع الخاص من قيادة ودفع النمو الاقتصادي، وتركيز الجهود على تجمعات اقتصادية عالية الإنتاجية ومتخصصة وقادرة على المنافسة بدلا من تطوير سياسات قطاعية معزولة، بالإضافة إلى اعتماد إصلاحات جريئة وسريعة في بيئة الأعمال بدلا من اعتماد تحسينات تدريجية، فضلا عن تشجيع المشاركة الفاعلة للشركات الوطنية الرائدة، وكذلك جهاز قطر للاستثمار في تطوير تجمعات التنويع الاقتصادي ودعم الابتكارات النوعية التي يقودها قطاع الأعمال بشكل رئيسي.
الاستدامة المالية
وفيما يتعلق بالاستدامة المالية، أكد سعادة السيد إبراهيم بن علي بن عيسى الحسن المهندي وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، أن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024 - 2030)، تهدف إلى إعداد إطار موازنات عامة متوسطة المدى تكون أكثر استدامة وقدرة على مقاومة الصدمات، بحيث يتم تمويلها من مصادر إيرادات متنوعة ومستقرة، إلى جانب الوصول إلى ميزانية عمومية مرنة تتميز بمستويات صحية من الديون، فضلا عن زيادة مساهمة القطاعات غير الهيدروكربونية في الإيرادات الحكومية.
وأشار إلى أن دولة قطر تسعى أيضا إلى المحافظة على استدامة الموازنة العامة، وتقليل الآثار السلبية للتقلبات الاقتصادية، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وفعاليته، ولتحقيق هذه الغاية، فقد تبنت دولة قطر إطار موازنات متوسط المدى على أساس البرامج، وستقوم بتطوير عملية المشتريات الحكومية ومأسسة عمليات المواءمة بين عمليات التخطيط وإعداد الموازنات، إضافة إلى إدارة منظومة الدين العام، بما فيها الالتزامات الطارئة لخلق حيز مالي كاف يمكن اللجوء إليه أثناء فترات الركود الاقتصادي.
وفي سعي دولة قطر لإعداد قوى عاملة جاهزة لسوق العمل ومنافسة في ظل وتيرة الأسواق العالمية المتغيرة، لفت سعادته إلى أنه سيتم تنفيذ عدة خطوات من شأنها أن ترقى بمستوى القوى العاملة المطلوب، ومنها رفع نسبة العاملين المهرة من إجمالي القوى العاملة إلى 46 بالمئة عبر تحسين سياسة الاستقدام لتعزيز القدرة على استقطاب أصحاب المهارات العالية وتطبيق أساليب جديدة للعمل، واعتماد نظام جديد لإدارة الأداء في مؤسسات الخدمة المدنية وتنفيذ برامج لبناء المهارات في المؤسسات الحكومية.
وفيما يخص إشراك المواطنين القطريين في القطاعات الاقتصادية المستقبلية، أكد سعادته أن الاستراتيجية تهدف إلى توظيف أكثر من 20 بالمئة من القوى العاملة القطرية في القطاع الخاص والمشترك، وذلك عبر تشجيع القطاع الخاص على توظيف القطريين وتنفيذ برامج لتطوير المهارات بالتعاون مع القطاع الخاص وتحسين مزايا التعليم العالي وجاذبيته للقطريين، وتحديث نموذج حوكمة للمواءمة بين التعليم واحتياجات سوق العمل. ولتحقيق ذلك، نوه سعادته إلى أنه سيتم بناء قاعدة كفاءات أفضل تعليما وأقوى دافعية عبر تطوير رحلة مهنة التدريس وإصلاح نموذج الإشراف الأكاديمي في المدارس الحكومية والخاصة وتطوير مناهج جديدة.
كما أشار إلى أن الاستراتيجية الجديدة تهدف إلى تقوية الأسرة، لأنها اللبنة الأساسية في قوة المجتمع واستقراره، مبينا تأكيد الاستراتيجية على ضرورة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للفئات الأولى بالرعاية، بما يضمن عدم التخلي عن أي فئة من فئات المجتمع.
وأضاف سعادته: لبناء مجتمع متماسك محافظ على قيمه الأصيلة والروابط الأسرية القوية، وتعزيز المواطنة المسؤولة، وبناء مجتمع محلي متناغم ومنسجم لتحقيق الازدهار، تقوم دولة قطر ببناء وتعزيز أسر قوية تشكل حجر الأساس للمجتمع وتوسيع السياسات الأسرية الداعمة للإنجاب ودعم مؤسسة الزواج وتعزيز الأبوة والأمومة الإيجابية وزيادة المرونة في عمل المرأة. كما تسعى إلى رفع معدل الخصوبة ليصل إلى متوسط 3 مواليد لكل امرأة.
وفي السياق ذاته جدد سعادة وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء التزام دولة قطر بتحسين حياة الفئات الأوْلى بالرعاية لضمان حصولها على الدعم والفرص للمشاركة الفاعلة في المجتمع.. موضحا أن قطر ستعمل من خلال استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، على توحيد منصات الخدمات المقدمة لهم، وإطلاق الرعاية الاجتماعية المنزلية لكبار السن، ووضع استراتيجيات وطنية للوقاية من العنف الأسري وتوسيع المراكز الاجتماعية لذوي الإعاقة.
وأضاف: من الأولويات أيضا زيادة الوعي بالهوية الوطنية والاحتفاء بها، وتعزيز إنتاج واستهلاك المحتوى الثقافي المحلي، علاوة على تعزيز ثقافة المسؤولية والمشاركة لجميع الشرائح، بما في ذلك الشباب، من خلال تعزيز نظام التطوع وتمكين منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص من تقديم الدعم الاجتماعي.
الدور الدولي
وفيما يتعلق بالدور الدولي أكد سعادته أن دولة قطر تواصل الالتزام بدورها الحيوي على الساحة الدولية، ودعم السلام والاستقرار والمساهمة في التسوية السلمية للصراعات والنزاعات من خلال نهجها الذي يؤكد على الحوار والوساطة باعتبارهما ركنين أساسيين في حل النزاعات، كما تواصل تعزيز مبادراتها للمساعدات الإنسانية والإنمائية، بما يضمن وصولها بسرعة وكفاءة إلى أكثر الناس احتياجا إليها، كما ستواصل تعزيز التعاون والتضامن الدولي، وتوسيع الشراكات العالمية، والمشاركة بنشاط في الجهود متعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ذات الصلة، وتعزيز التعاون والحوار لمواجهة التحديات العالمية.
كما شدد سعادته على أهمية توفير حياة عالية الجودة كعامل جوهري لتعزيز رفاه شعب قطر وجعلها وجهة عالمية جذابة، حيث تطمح قطر لتحقيق مكانة عالمية باعتبارها دولة توفر أفضل مستويات الحياة، وخصوصا للأسر، ويشمل هذا الطموح مجالات رئيسية كالتعليم والرعاية الصحية والترفيه والثقافة والبيئة والسلامة العامة.
الاستدامة البيئية
وحول الاستدامة البيئية وللوفاء بالالتزام الذي حددته رؤية قطر الوطنية 2030 في الحفاظ على البيئة للأجيال المقبلة، أشار سعادة السيد إبراهيم بن علي بن عيسى الحسن المهندي وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، إلى أن الاستراتيجية الجديدة ستعمل على ضمان كفاءة إدارة عناصر البيئة (كالهواء والماء والأرض والتنوع البيولوجي) وحمايتها، مؤكدا أن هذه الخطوات الطموحة تتماشى مع أجندة قطر الاقتصادية بعيدة المدى - فتقليل الانبعاثات يحمي تنافسية قطاعاتها الاقتصادية الأساسية، وتبني التدابير الفعالة لتخفيف آثار التغير المناخي والتكيف معه مما يضمن مرونة الاقتصاد وصموده على المدى الطويل.
وأضاف: "وفي هذا الإطار، ستلتزم قطر بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25 بالمئة، وترشيد استهلاك الكهرباء والماء وزيادة كفاءة إنتاجهما، وتشجيع الانتقال إلى وسائل نقل أكثر استدامة، والتحول إلى الاقتصاد الدائري، وزيادة الوعي البيئي في المجتمع".
وأوضح سعادته أن قطر تطمح إلى بلوغ الريادة العالمية في الخدمات الحكومية والحكومة الرقمية من خلال تطوير تصميم الخدمات وتقديمها وإنشاء مركز تميز متخصص في تقديم الخدمات، بالإضافة إلى تعزيز الأنظمة المركزية لتتبع ورصد أداء الخدمات الحكومية، بحيث تصل نسبة رضا العملاء إلى 85 بالمئة على الأقل.
الحكومة الرقمية
وعلى صعيد الحكومة الرقمية أكد سعادة وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، أن الاستراتيجية تستهدف رقمنة 90 بالمئة من الخدمات والتركيز على زيادة الربط بين الأنظمة وتحسين تبادل البيانات بين الجهات الحكومية، فضلاً عن زيادة فعالية صنع السياسات الحكومية ومواءمتها وتعزيز المساءلة ضمن المؤسسات الحكومية.
يشار إلى أن دولة قطر ومنذ إطلاق رؤيتها الوطنية 2030، نجحت في إحراز تقدم ملحوظ في الاستفادة من عوائد استثماراتها في قطاع الطاقة لتشييد بنية تحتية ومؤسسات عالمية المستوى، حيث شهدت المرحلة الأولى من التنمية تطوير العديد من المؤسسات الوطنية الرئيسة، ومن بينها جهاز قطر للاستثمار والخطوط الجوية القطرية ومؤسسة قطر، فيما نجحت البلاد خلال المرحلة الثانية في تطوير البنية التحتية الحيوية اللازمة للنمو المستقبلي، بما في ذلك الموانئ والمطارات والمترو وشبكة حديثة من الطرق السريعة، وقد أثبتت هذه الاستثمارات متانتها في مواجهة العديد من التحديات، من بينها جائحة كوفيد - 19، وأسهمت بدور أساسي في النجاح الاستثنائي الذي حققته البلاد خلال تنظيم كأس العالم FIFA قطر 2022.