ماذا يحدث في السودان؟.. سؤال يطرحه الكثيرون، في هذا التقرير نستعرض لكم ماذا يحدث في الخرطوم بعد توترات دامت أسابيع بين الجيش والحكومة المدنية.
في أبريل عام 2019 بدأت السودان مسيرة التحول إلى الديمقراطية بعد انتفاضة شعبية في أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمر حسن البشير، الذي حكم البلاد نحو 3 عقود.
وبموجب اتفاق أُبرم في أغسطس 2019 يتقاسم الجيش السوداني السلطة مع مسؤولين معينين من جماعات سياسية مدنية داخل مجلس السيادة الحاكم، الذي كان من المقرر أن يقود البلاد لانتخابات بحلول نهاية عام 2023.
رغم أن دور العسكريين كان يفترض أن يكون شرفيًا إلى حد كبير، شكا المدنيون مرارًا من تجاوز الجيش صلاحياته في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ومفاوضات السلام.
في منتصف أكتوبر، بدأ محتجون اعتصامًا قرب القصر الجمهوري للمطالبة بحكومة عسكرية. وردّ أنصار الحكم المدني الخميس بتظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف في الخرطوم ومدن أخرى طالبوا فيها بتسليم السلطة إلى المدنيين.
تخوف في محله
تخوف المدنيون كان في محله، وقام الجيش السوداني، صباح يوم الإثنين، باعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم أعضاء حكومته والعديد من المسؤولين والعاملين بقطاع الإعلام، وسط الحديث عن انقلاب عسكري يجري تنفيذه.
بعدها، أعلن الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية، حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد، وأكد البرهان، الالتزام التام والتمسك الكامل بما ورد في وثيقة الدستور بشأن الفترة الانتقالية، لكنه أعلن تعليق العمل ببعض المواد.
وزارة الإعلام والثقافة بالسودان، أوضحت أن رئيس الوزراء اقتيد إلى مكان مجهول بعد رفضه إصدار بيانًا مؤيدًا "للانقلاب".
انقلاب على مكتسبات الثورة
كما أعلن مكتب رئيس الوزراء أن قوة عسكرية اختطفت حمدوك وزوجته فجرًا، واقتادتهما إلى جهة غير معلومة، مشددًا على أن ما حدث يمثل تمزيقًا للوثيقة الدستورية وانقلابًا مكتملا على مكتسبات الثورة.
يأتي ذلك في الوقت الذي نزل فيه عشرات المتظاهرين إلى الشوارع وقطعوا طرقًا وأشعلوا إطارات، احتجاجًا على اعتقال المسؤولين الحكوميين.
الشرطة السودانية أطلقت الغاز المدمع على المتظاهرين في منطقة بحري شرق الخرطوم في محاولة لتفريقهم وإزالة العوائق من الشوارع.
وهتف المحتجون بشعارات تنادي بمدنيّة السلطة وترفض الحكم العسكري، كما هتفوا بسلمية حراكهم، والاستمرار في التصعيد إلى حين تحقيق مطالبهم.
مبررات البرهان وإطلاق سراح حمدوك
مع سرعة الأحداث في الخرطوم، ظهر الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية، خلال مؤتمر صحفي أكد خلاله أن الوثيقة الدستورية لم تلغ ولكن عطلت بعض بنودها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى التصميم على إنجاز المرحلة الانتقالية، وكاشفًا أنه يستضيف رئيس الحكومة عبدالله حمدوك في منزله.
رئيس مجلس السيادة المنحل، أكد أن رئيس الحكومة "حر في تحركاته" ولا قيود عليه، حسب قوله، وبعدها عاد رئيس الوزراء إلى منزله، وفق ما أكدته عدة مصادر.
رد فعل دولي وعربي
وفي أول تواصل معلن له مع الخارج منذ الإثنين الماضي، تلقى رئيس الوزراء السوداني اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
وقالت الخارجية الأمريكية إن بلينكن تحدث في اتصال هاتفي مع حمدوك، ورحب بإطلاق سراحه، وجدد المطالبة بإطلاق بقية المعتقلين، كما طالبت دول أوروبية والولايات المتحدة اليوم، الجيش السوداني بضمان الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، واحترام حق المواطنين في التظاهر.
من جانبها، وصفت الخارجية الألمانية ما حدث في السودان بأنه انقلاب عسكري، وتطور كارثي يضع البلاد على حافة المخاطر. وذكرت، في بيان، إنه في حال لم يتم إنهاء الانقلاب العسكري فورًا، فإن العواقب ستكون وخيمة، فيما أعربت فرنسا، عن إدانتها الشديدة لما وصفتها بـ"محاولة الانقلاب" في السودان.
وتزامنًا هذه التحركات الدبلوماسية، عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة مغلقة، لمتابعة وبحث التطورات الأخيرة، وذلك بناء على طلب المملكة المتحدة وإيرلندا والنروج والولايات المتحدة وإستونيا وفرنسا وبتأييد من المكسيك وكينيا والنيجر وتونس وسانت فنسنت وجزرغرينادين، الأعضاء غير الدائمين في المجلس.
وقال دبلوماسيون إن الأعضاء أعربوا عن قلقهم بشأن الوضع المضطرب في السودان، مشيرين إلى أن المحادثات للتوصل الى إعلان مشترك لا تزال جارية، فيما دعت دول على عربية، إلى ضبط النفس والحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية في السودان وتغليب المصلحة العليا للبلاد، كما أصدرت جامعة الدول العربية تصريحات مشابهة.
صندوق النقد يُتابع
كما أعلن صندوق النقد الدولي، أنه يتابع الأحداث في السودان بعد التطورات التي دفعت بعض المانحين الرئيسيين إلى تعليق مساعداتهم المالية، فيما أعلن الاتحاد الأفريقي، تعليق عضوية السودان "حتى الاستعادة الفعلية للسلطات الانتقالية بقيادة مدنيين" التي تمّ حلّها إثر انقلاب نفّذه العسكريون.
ودان الاتحاد في بيان "بشدة سيطرة الجيش السوداني على السلطة.. وحلّ الحكومة الانتقالية"، ورفض "بشكل كامل تغيير الحكومة غير الدستوري" الذي اعتبره أمرًا "غير مقبول"، و"إهانة للقيم المشتركة والمعايير الديمقراطية للاتحاد الأفريقي".
وأعلن الاتحاد أيضًا إرسال بعثة إلى السودان للتحاور مع كافة الأطراف، بهدف إيجاد حلّ ودّي للمأزق السياسي الحالي.
من جهته، أعلن البنك الدولي اليوم، تعليق مساعدته للسودان بعد الانقلاب الذي نفّذه العسكريون وأطاح بالحكومة المدنية.
البنك الدولي يُعلق المساعدات
وقال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في إعلان مكتوب إن "مجموعة البنك الدولي علّقت صرف أموال كافة عملياتها في السودان وتوقفت عن البتّ بأي عملية جديدة في وقت نراقب ونقيّم الوضع عن كثب". وكان البنك الدولي يشارك خصوصًا في آلية تخفيف دين السودان.
على صعيد آخر، أعلن مدير الطيران المدني إبراهيم عدلان استئناف العمل بمطار الخرطوم اليوم، بعدما كانت السلطات قررت أمس الثلاثاء تعليق جميع الرحلات من وإلى البلاد حتى نهاية الشهر الجاري بسبب الاضطرابات.