عقد مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان اليوم، ندوة دولية بعنوان "حوار الأديان وتحويل النزاعات: نحو نموذج للتغيير" بالتعاون مع مركز "نورديك" لتحويل النزاعات في استكهولم بمشاركة باحثين ومتخصصين في مجالات الحوار الديني وحل النزاعات، من دولة قطر وخارجها.
وناقش المشاركون في الندوة، التي عقدت عبر تقنية الاتصال المرئي، ثلاثة محاور رئيسة الأول بعنوان "المشهد المتغير للنزاعات وحوار الأديان"، والثاني "إنجازات وتحديات وفرص الحوار بين الأديان كوسيلة لتحقيق السلام المستدام"، بينما خصص المحور الثالث لطرح توصيات علمية ومنهجيات عملية لتعزيز دور الحوار بين الأديان في الوقاية من العنف.
وركزت مداخلات المتحدثين في المحاور الثلاثة على تأكيد ضرورة تفعيل حوار الأديان في مجال حل النزاعات، وتطوير آليات ووسائل للتفعيل، والتقييم المستمر لها من خلال طرق منهجية علمية مستدامة لتعزيز نقاط القوة وتلافي السلبيات على هذا الصعيد.
د. إبراهيم بن صالح النعيمي: الأديان لها دورًا مهما في حلحلة الصراعات وتسوية النزعات
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، أكد سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان على دور الأديان في حلحلة الصراعات وتسوية النزعات لكنه نبه إلى أن التعصب الديني يؤدي أحيانا إلى التطرف وتأجيج الصراع بين الحضارات.
وشدد في هذا السياق على الأهمية الملحة للحوار الديني لمواجهة الصراعات، وقال "لو نظرنا لعالمنا المعاصر الآن ومجتمعاتنا لوجدنا أن (الحوار) هو أكثر ما نحتاج إليه، في إدارة الصراعات ومواجهة أمواج الكراهية الشديدة التي تؤدي إليها".
وأضاف "أن المراهنة على الدين في مواجهة الصراعات يعود إلى ما للدين نفسه من مكانة في صناعة السلام، ولما للمعتقدات الدينية من أثر عميق في بناء العلاقات الشخصية والمجتمعية وكذلك الدولية، ولما لعلماء الأديان وقادتها من تأثير قوي على من يتبعونهم ويثقون بهم، يمكن استثماره لإدارة النزاعات وحلها".
ودعا الدكتور النعيمي إلى تغيير الصورة الذهنية الشائعة بأن حوار الأديان مهمة يتولاها فقط رجال وعلماء الدين، وقال "لقد آن الأوان لتأكيد دور الأديان في معالجة القضايا الإنسانية الكبرى، والعمل معا للتصدي للنزاعات التي تنشأ من الاختلافات الدينية، وتزداد الحاجة لمثل هذا التوجه في وقت الاضطرابات والنزاعات التي تحيق بنا جميعا وبعالمنا اليوم".
د. إبراهيم بن صالح النعيمي: نضع على طاولة الحوار قضية النزاعات وكيفية إيجاد نموذج للتغيير الواعي
وأشار إلى أن ندوة اليوم مع مركز نورديك لتحويل النزاعات هي ترجمة عملية لهذا التوجه، مضيفا "نضع اليوم على طاولة الحوار قضية النزاعات وكيفية إيجاد نموذج للتغيير الواعي الذي قد يغيرها، ويضعها في إطارها لفهم أسبابها وكيفية التعاطي معها، وحتى وإن لم يقض عليها".
وأكد أن "الاستراتيجية الحقيقية نحو هذا النموذج المنشود للتغير في قضية النزاعات، مثل النزاع الديني الطائفي، تبدأ بالإيمان الصحيح الذي يؤصل إلى أن كل أبناء آدم أخوة في الإنسانية، وهذا يقتضي منهم التعاون والتعايش والتقارب، وتبادل الأفكار والآراء والخبرات والثقافات للوصول إلى ما فيه الخير للناس كافة في كنف التسامح والسلام".
ولفت إلى أن تفعيل دور الدين في مواجهة النزاعات يتطلب جهدا كبيرا لإيجاد آليات لتحقيقه في واقع البشرية نظرا للصعوبات التي تكتنف هذا التوجه ومنها التفسيرات الخاطئة للنصوص الدينية، وعدم استقلالية العديد من المؤسسات الدينية عن القرار السياسي، وبالتالي عدم قدرتهم على مواجهة الأفكار المتطرفة من جهة، ومن جهة أخرى عجزهم عن التصدي لمحاولات إفساد العملية الحوارية.
د. إبراهيم بن صالح النعيمي: لا يمكن ترسيخ مفهوم السلام في الأديان ما لم تكن القيادات الدينية نفسها نموذجا وقدوة
كما أشار في سياق الحديث عن الصعوبات إلى غياب المصارحة والاعتراف بالخطأ من القيادات الدينية، مبينا في هذا السياق "أنه لا يمكن ترسيخ مفهوم السلام في الأديان ما لم تكن القيادات الدينية نفسها نموذجا وقدوة في ذلك لما لها من طابع النزاهة والمصداقية والتأثير في النفوس".
بدوره، ثمن السيد عبود نوفل المدير التنفيذي لمركز نورديك لتحويل النزاعات، التعاون مع مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان في عقد هذه الندوة الدولية، مشيدا في الوقت ذاته بدور مركز الدوحة في مجال الحوار بين الأديان.
وأكد السيد نوفل على أن الأديان بريئة من تهمة إذكاء الصراعات، وقال "إن الأديان والحضارات لا تتصارع، وإنما يتصارع الناس لأسباب شتى، ومن المهم تفعيل دور الأديان في مواجهة النزاعات".
وشارك في المحور الأول من الندوة، الدكتور بول هيك الأستاذ بجامعة جورج تاون- بالولايات المتحدة، الذي طرح ورقة عمل بعنوان "تغيير المشهد من خلال الرفقة العلمية"، مبينًا في هذا الطرح دور التربية والتعليم في نشر ثقافة احترام الآخر المختلف دينا وثقافة، بينما طرح الدكتور عبدالهادي العجلة الباحث بمعهد الدراسات الشرقية الألماني ببيروت ورقة عمل حول دور الأديان في الاندماج ومخاطر استخدامه في الصراعات.
ختام الجلسة الأولى
وتحدث الدكتور ميشيل ديرسن المتخصص في الشؤون السياسية والدولية بجامعة جون كابوت بإيطاليا عن التلاقي بين الأديان والمواطنة، لتختتم الجلسة الأولى بورقة عمل للدكتور محمد أبونمر المتخصص في السلام وحل النزاعات في الجامعة الأمريكية بواشنطن، تضمنت تصورًا حول تطوير أطر عمل التقييم في مجال بناء السلام والحوار بين أتباع الأديان.
وفي المحور الثاني، قدم الدكتور إيفرين توك الأستاذ المشارك بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة ورقة عن الحوار الديني والتنمية المستدامة، بينما كانت الورقة الثانية للدكتور جيمس جوميز المدير الإقليمي لمركز آسيا بتايلاند حول قوانين التعايش السلمي في جنوب شرق آسيا، لتأتي الورقة الثالثة للدكتور محمد شفيق المدير التنفيذي لمركز هيكي للدراسات والحوار بين الأديان كلية الناصرة بالولايات المتحدة، ثم الرابعة للدكتور باخودر باسيلوف بجامعة ولاية طشقند بأوزبكستان عن العلاقات البناءة بين الأديان في الحياة اليومية.
وشارك في المحور الثالث الدكتورة كارول فوشر، خبيرة في التربية الرياضية، بجامعة إدنبرة، بورقة عمل بعنوان "تجاوز التسامح في عالم متعدد الأديان: الإنتاج المشترك للمعرفة التربوية نحو سلام مستدام"، إلى جانب الدكتور يوسف الصديقي عضو مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان الذي طرح توصيات عملية ومنهجية لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان للوقاية من العنف.
كما شارك في هذا المحور، الدكتور متري بشارة الراهب مؤسس ورئيس جامعة دار الكلمة بفلسطين بورقة حول تطوير مساق جديد لحوار الأديان في جامعات الشرق الأوسط، وكذلك الدكتور كمال الهشومي الباحث في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية الذي كانت ورقته بعنوان "نحو مخرجات مشتركة لبناء السلام بين الأديان".