بمشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، تتواصل اليوم في مدينة غلاسكو فعاليات المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP26. وتستمر حتى الثاني عشر من نوفمبر الجاري ، وذلك في أقوى تحرك دولي من نوعه ،لمناقشة تداعيات المناخ ومخاطرها على كوكب الأرض .
ومن المتوقع أن يشارك في المؤتمر نحو خمسة وعشرين ألف شخص بينهم مائة وعشرون من قادة الدول ورؤساء الحكومات ومديري ومسؤولي العديد من المنظمات المهتمة بشؤون المناخ في العالم.
وتوصف القمة بالفرصة الأخيرة لمواجهة تحديات باتت أقرب من أي وقت مضى، والدلائل على هول تجاهلها واضحة، وما حرائق الغابات، والفيضانات ، التي شهدها العالم خلال الأشهر الأخيرة إلا جزءاً يسيراً منها.
أهداف القمة
وتهدف القمة، التي تأجلت عاما بسبب جائحة كورونا إلى الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل التصنيع، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه سيجنب الأرض أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميراً.
وسيكون المؤتمر أول قمة يتم خلالها مراجعة مدى التقدم الذي سجله العالم ، أو مدى الفشل، في تحقيق الأهداف المطلوبة منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وهي معاهدة دولية وقعتها جميع دول العالم تقريباً بهدف تجنيب الإنسانية كارثة مناخية، والحيلولة دون أن يصبح الكثير من التغييرات التي طرأت على الكوكب ، دائمة ولا رجعة فيها.
ولا يهدف مؤتمر غلاسكو للتوسط من أجل إبرام معاهدة دولية جديدة بشأن تغير المناخ ، ولكن لضمان بقاء هدف 1.5 درجة المنصوص عليه باتفاقية باريس في متناول اليد، وسيناقش وعود الدول الغنية المسؤولة عن الجزء الأكبر من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري ، بتوفير مائة مليار بحلول عام 2020 للدول النامية، والتي تعد من بين أكثر الدول تضرراً من تغير المناخ، حيث فشلت الدول الغنية في جمع أكثر من 80 مليار دولار سنوياً ، بينما تقول الجماعات البيئية وقادة الدول النامية إن مبلغ 100 مليار دولار غير كاف.
وسيكون هناك قادة من 120 دولة ، لكن الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين ، والصيني شي جين بينغ ، والبرازيلي جاير بولسونارو لن يحضروا القمة ، وهذه البلدان الثلاثة هي من بين أهم الدول التي يحتاج العالم لتعاونها والتزامها بالعمل للحفاظ على البيئة.
أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد جاء إلى غلاسكو خالي الوفاض وبدون تشريع قوي لوضع تعهده الخاص بالمناخ موضع التنفيذ في ظل الخلاف الدائر بالكونجرس حول كيفية تمويله، وحالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان بإمكان الوكالات الأمريكية وضع قواعد منظمة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
تنافس وتعاون
ويقول خبراء دوليون إن تغير المناخ هو اختبار حاسم لإمكانية قدرة الدول على فعل شيئين متعارضين في وقت واحد، وهما التنافس على الهيمنة العالمية والتعاون مع بعضها البعض لإنقاذ العالم، ويضرب الخبراء مثالا على ذلك بالولايات المتحدة والصين ، ويحذرون من أنه مالم تستطع الدولتان التعاون معاً بشأن المناخ فلن تتمكنا من العمل معاً بأي قضية أخرى، خاصة وأن الدولتين مسؤولتان عن أكثر من أربعين بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي هذا الإطار تتعرض الصين، على وجه الخصوص ، لضغوط لوضع قيود جديدة على استهلاكها المحلي من الفحم، فقد تعهدت بالتوقف عن تمويل بناء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج ، إلا أنها تواصل الموافقة على إنشاء محطات جديدة بالداخل تضمن حرق الكثير من الفحم لعقود قادمة، كما أدى انقطاع التيار الكهربائي ونقص الفحم داخل الصين مؤخرا إلى الاعتقاد بعدم تخلي قادتها عن الفحم قريباً.
ومن جهة أخرى أعلنت أستراليا ، أحد أكبر منتجي الفحم ، مؤخراً أنها ستتعهد بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، لكن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون رفض الالتزام بذلك بحلول عام 2030 ، كما يواجه انتقادات لطرحه خطة يعتبرها المدافعون عن البيئة ضعيفة وتعتمد بشكل مفرط على التكنولوجيا الجديدة وسلوك المستهلكين ، بدلاً من التشريعات.
وعلى الرغم من أن قمة المناخ تعقد سنويا ، إلا أن الخبراء والعلماء يقولون إن القرارات التي ستتخذ في غلاسكو خلال الأسبوعين المقبلين ستكون الأكثر أهمية منذ اتفاقية باريس، في حين يعتقد الكثيرون أن جمع القادة معاً بنفس القاعة أمر أساسي ، إلا أن الآمال بتحقيق تقدم كبير تبدو ضعيفة، وسيظل نجاح القمة معتمداً بالدرجة الأولى على استعداد قادة العالم لتجاوز التقدم الذي أحرزوه بالفعل، والتعهد بالمزيد من خفض الانبعاثات لصالح الكوكب.
ويؤكد المراقبون أنه إذا نتج عن مناقشات الأسبوعين المقبلين في غلاسكو ،سلسلة من التعهدات المناخية التفصيلية من البلدان المسؤولة عن غالبية انبعاثات الكربون ، فقد يكون للمؤتمر تأثير كبير ونجاح واضح، خاصة إذا أوفت تلك البلدان بوعودها ، أما علماء المناخ فيؤكدون أن البشرية لديها ما يقرب من عقد من الزمان لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بشكل كبير قبل تجاوز العتبات التي قد تجعل التعافي من انهيار المناخ مستحيلاً.