توقع بنك قطر الوطني QNB تزايدا كبيرا في تدفق رؤوس الأموال صوب الأسواق الناشئة، خلال الأرباع المقبلة، في حال شهدت الأوضاع المالية العالمية تيسيرا على خلفية ارتفاع الثقة بشأن استمرار تراجع التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد البنك في تقريره الأسبوعي أن صمود هذه الأسواق يدعم تدفقات رؤوس الأموال، حيث ظلت التدفقات صامدة في مواجهة عمليات إعادة التسعير القوية لعائدات سندات الخزانة الأمريكية، وكان ذلك مدعوما من خلال التحول المتوقع في التوقعات بشأن فروق النمو بين الولايات المتحدة والأسواق الناشئة، وبداية دورة التصنيع العالمية التوسعية، والأسس القوية.
نظرة إيجابية
وأشار التقرير إلى أن العام الجاري بدأ بنظرة إيجابية لأداء الأسواق الناشئة في 2024، فقد أدى الانتقال إلى تيسير السياسة النقدية، الذي اعتمده البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في أواخر العام الماضي، عندما تم تقديم توجيهات مسبقة لخفض أسعار الفائدة لأول مرة، إلى ارتفاع معنويات المستثمرين على مستوى العالم، وأدى هذا الأمر، إلى جانب صمود معدلات النمو العالمي والانخفاض السريع في معدلات التضخم، إلى تغير سلوكيات تجنب المخاطر التي كانت سائدة في 2022 وفي جزء من 2023.
وأضاف، دفعت هذه الخلفية الاقتصادية الإيجابية رؤوس الأموال العالمية نحوها، ووفقا لمعهد التمويل الدولي، شهدت تدفقات محافظ غير المقيمين إلى الأسواق الناشئة، والتي تمثل حصص المستثمرين الأجانب في الأصول العامة المحلية، تحولا كبيرا من المنطقة السلبية إلى الإيجابية في أواخر 2023، وأدت هذه التدفقات إلى انتعاش السوق الذي انعكس في الارتفاع القوي للعوائد عبر مختلف فئات الأصول من المستويات المتدنية المسجلة في أكتوبر 2023، بما في ذلك مكاسب بنسبة 17.6% في الأسهم (مؤشر MSCI للأسواق الناشئة)، و13.9% في السندات (مؤشر جي بي مورغان العالمي لسندات الأسواق الناشئة).
عوائد قوية
ورغم المفاجآت السلبية المرتبطة بالتضخم، استمرت التدفقات والعوائد القوية حتى بعد التعديل الكبير للتوقعات المرتبطة بانتقال الاحتياطي الفيدرالي إلى تيسير السياسة النقدية، وتم تقليل توقعات خفض أسعار الفائدة في 2024 ما يقرب من 200 نقطة أساس إلى أقل من 50 نقطة أساس، ومن شأن إعادة تسعير العائدات الأمريكية جذب رؤوس الأموال من خارج الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة أو غيرها من الأسواق المتقدمة، ولكن النتيجة لا تزال مختلفة هذه المرة حتى الآن.
وحدد التقرير 3 عوامل رئيسة تدعم التدفقات المرتفعة نسبيا إلى الأسواق الناشئة حتى في ظل الزيادة الكبيرة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، منها: الاتجاه المتوقع لفروق النمو والتعافي الأولي في قطاع التصنيع العالمي، والتحسن العام في اختلالات الاقتصاد الكلي في الأسواق الناشئة، فضلا عن مصداقية سياساتها الاقتصادية.
أولا، يبدو أن فترة التفوق غير المتوقع في الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة بدأت تتقلص أو تتغير بالكامل، ويتضح ذلك في التحركات الأخيرة لمؤشر سيتي للمفاجآت الاقتصادية، ومنذ بداية العام الجاري ولأول مرة، أصبحت مفاجآت البيانات إيجابية بدرجة أكبر على مستوى العالم وبدرجة أقل بالولايات المتحدة، ما يشير إلى تعديل وشيك لتوقعات النمو، وهو ما سيرجح كفة الأسواق الناشئة على الولايات المتحدة، ومن المفترض أن يؤدي الأداء الاقتصادي النسبي الأقوى في الأسواق الناشئة إلى تدفق المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية نحوها.
ثانيا، من المتوقع أن يكون قطاع التصنيع أكثر دعما للأسواق الناشئة والاقتصاد العالمي باستثناء الولايات المتحدة خلال الأشهر المقبلة، فبعد ركود قطاع التصنيع العالمي، الذي كان عميقا واستمر لفترة طويلة منذ 2022، بدأ تحول إيجابي نحو التوسع. وكان مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع العالمي، قد وصل لأدنى مستوى في يوليو من 2023 ثم تحسن، وتحول النشاط إلى مرحلة التوسع منذ فبراير 2024.
زخم سريع
وغالبا ما تكتسب دورة التصنيع التوسعية زخما سريعا وتستمر لمدة عام ونصف تقريبا، ويتوقع أن يكون هذا الأمر داعما للأسواق الناشئة، سيما في الاقتصادات التي يشار إليها بمراكز التصنيع الآسيوية، حيث يمثل التصنيع حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي، وسيؤدي ذلك إلى زيادة التعديلات في التوقعات الخاصة بفروق النمو بين الأسواق الناشئة والولايات المتحدة، حيث يمثل قطاع التصنيع 10% من الاقتصاد الأمريكي.
ثالثا، أصبحت أسس الاقتصاد الكلي حاليا أقوى في معظم الأسواق الناشئة، وتراكمت العديد من الاختلالات الحادة في الاقتصادات المتقدمة، بسبب التحفيز المفرط من خلال السياسات الاقتصادية في أعقاب الجائحة والصراع الروسي الأوكراني، ما أدى إلى مشكلات كارتفاع الدين العام والضغوط التضخمية، وفي المقابل، كانت معظم دول الأسواق الناشئة متحفظة فيما يتعلق بنطاق سياساتها المالية، من أجل منع تراكم الديون أو زيادة أوجه الضعف الخارجية.
وواجهت البنوك المركزية بالأسواق الناشئة في البلدان التي لها تاريخ من التضخم المزمن، مثل البرازيل والمكسيك، ضغوطا لتنفيذ زيادات وقائية في أسعار الفائدة في وقت مبكر من الدورة، وكان النهج الاستباقي حاسما في الحيلولة دون خروج التضخم عن السيطرة والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، لذلك، اكتسبت العديد من بلدان الأسواق الناشئة مصداقية في سياساتها الاقتصادية، ما يزيد من جاذبية أسواقها.