في إطار مساعيها الدؤوبة لتطوير اقتصاد متنوع وتحقيق تنمية مستدامة في البلاد، قطعت دولة قطر شوطا كبيرا وحققت خطوات هائلة ومتسارعة نحو إرساء اقتصاد أخضر قادر على مواكبة المتغيرات العالمية، من خلال إطلاق جملة من الاستراتيجيات والمبادرات تشمل جميع مكونات الاقتصاد الوطني.
وتضع دولة قطر قضايا البيئة والاستدامة على قائمة الأولويات الرئيسية ضمن رؤيتها الوطنية 2030 وفي استراتيجياتها التنموية، للحفاظ على استخدام الموارد بطريقة تضمن وجودها للأجيال القادمة، ويتضمن ذلك استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل استهلاك المياه والطاقة، وتحسين كفاءة الطاقة في العمليات الصناعية، والتركيز على تحقيق التوازن بين احتياجات البشر والحفاظ على البيئة، وهو ما يعزز توجهات الاقتصاد الأخضر.
سندات خضراء
ويعد إعلان وزارة المالية مؤخرا عن إصدار سندات خضراء بقيمة إجمالية بلغت 2.5 مليار دولار، في سابقة هي الأولى من نوعها في المنطقة، إيذانا بدخول دولة قطر مرحلة جديدة من تمويل المشاريع الصديقة للبيئة، والتي تهدف إلى مكافحة الآثار السلبية للتغير المناخي وحماية البيئة عن طريق التنمية المستدامة.
وتؤكد هذه المبادرة وغيرها من المشاريع والمبادرات في مجال الاستدامة والحلول الصديقة للبيئة، مضي دولة قطر بخطى حثيثة وثابتة على طريق التحول إلى مركز استثنائي في المنطقة لنموذج الاقتصاد الأخضر، بما يتماشى مع التزاماتها الدولية ومع المنظور الذي حددته رؤيتها الوطنية 2030 لتحقيق التوازن المستدام بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على البيئة.
وسبق إصدار دولة قطر للسندات الخضراء استراتيجيات ومبادرات أخرى عديدة، شملت قطاع الطاقة بوصفه أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، إذ أطلقت "قطر للطاقة" استراتيجيتها المحدثة للاستدامة، والهادفة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عبر تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) لالتقاط أكثر من 11 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون في قطر بحلول عام 2035.
وتتضمن الاستراتيجية خفض المزيد من انبعاثات الكربون في منشآت الغاز الطبيعي المسال في دولة قطر بنسبة 35 بالمئة، وفي منشآت التنقيب والإنتاج بنسبة 25 بالمئة، وذلك بزيادة قدرها 10 بالمئة مقارنة بالأهداف السابقة المحددة بنسبة 25 بالمئة و15 بالمئة على التوالي، وهو ما يعزز التزام قطر بتزويد غاز طبيعي أنظف بمسؤولية وعلى نطاق واسع لتسهيل الانتقال إلى طاقة منخفضة الكربون.
كما ستواصل "قطر للطاقة"، في إطار استراتيجيتها المحدثة للاستدامة، متابعة جهودها لتحقيق أهداف توليد أكثر من 5 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ووقف الحرق الروتيني للغاز والحد من انبعاثات غاز الميثان المتسربة على طول سلسلة صناعة الغاز.
ثقافة الاستدامة
ويبرز اهتمام دولة قطر بالاقتصاد الأخضر كذلك من خلال جهودها في ترسيخ ثقافة الاستدامة والحفاظ على البيئة بالعمل على زيادة عملية إعادة التدوير وتقليل استخدام الموارد الطبيعية وانبعاثات الكربون والحفاظ على التنوع البيولوجي، ما يساهم في تقليل التأثيرات السلبية على المناخ، وتحقيق التوازن بين احتياجات البشر والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.
وفي هذا السياق، وصلت وزارة البلدية إلى مراحل متقدمة في عملية إعادة التدوير ومعالجة النفايات والاستفادة منها، من حيث إشرافها على مصنع معالجة النفايات الصلبة ومحطات الترحيل التابعة له والمطامير الصحية للنفايات وإعادة تدويرها، وذلك طبقا للمواصفات والمعايير العالمية، بالإضافة إلى وضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة لمعالجة النفايات الصلبة بما يكفل الحفاظ على الصحة والسلامة العامة.
وفي سياق النجاحات التي حققتها دولة قطر فيما يتعلق بإعادة التدوير، تمكنت قطر من إعادة تدوير جميع النفايات المتولدة من فعاليات بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، من خلال تحقيق معدل فرز وتدوير بنسبة 100 بالمئة، وهي المرة الأولى التي تتحقق فيها هذه النسبة في تاريخ بطولات كأس العالم السابقة.
المشاريع الجديدة
ووفقا لإحصاءات المجلس الوطني للتخطيط، ارتفع إجمالي عدد المشاريع الجديدة الخاضعة لتقييم تأثيرها على البيئة من 2428 مشروعا في العام 2021 إلى 2676 مشروعا في العام 2022، وهو ما يعكس تزايد الاهتمام بالبيئة بالتوازي مع حركة التطور التنموية.
وشملت المشاريع الخاضعة للتقييم خلال العام الماضي، 572 مشروعا كبيرا و1433 من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى 671 مشروعا صناعيا.
من جهة أخرى، تشير الإحصاءات إلى أن نسبة المياه العادمة التي تمت معالجتها في محطات المياه العادمة بلغت 99.8 بالمئة في العام 2022، كما بلغ استخدام المياه العادمة المعالجة في الري الزراعي العام الماضي 76.13 مليون متر مكعب في السنة، فيما بلغت المياه المعالجة المستخدمة في ري المسطحات الخضراء 113.34 مليون متر مكعب في السنة، وبلغت الكمية المستخدمة في حقن الخزانات الجوفية نحو 50.60 مليون متر مكعب في السنة.
وتشكل البيئة مسألة حيوية بالنسبة لتوجهات الدولة ونظرتها للنمو الاقتصادي، إذ تعنى الرؤية الوطنية لدولة قطر 2030 بتحقيق الاستدامة في مجالات البيئة والاقتصاد والمجتمع، ولذلك ركزت قطر خلال احتضانها /إكسبو 2023 الدوحة/ على هذه الأبعاد الثلاثة من خلال شعاره المتضمن للاستثمار في التقنيات الزراعية المبتكرة كركيزة اقتصادية، وترسيخ الارتباط بين الإنسان والطبيعة لزيادة الوعي كركيزة اجتماعية، وتحويل الأراضي الجافة والقاحلة إلى مناطق زراعية وغابات كركيزة بيئية.
وتبرز المشاريع النموذجية والمدن المستدامة مثل مدينة لوسيل ومشيرب قلب الدوحة وجزيرة اللؤلؤة، جهود دولة قطر في هذا المجال، باعتبارها نموذجا للمدن المستدامة، حيث ضخت قطر استثمارات ضخمة في تلك المدن والمناطق لتوفير بنية تحتية خضراء، وتقنيات ذكية للتحكم في استهلاك الطاقة، وفي هذا السياق تدمج لوسيل التقنيات الذكية مع المباني الموفرة للطاقة وحلول النقل الذكية بسلاسة فائقة، بينما تدمج مشيرب قلب الدوحة البنية التحتية الذكية في نسيجها لإنشاء مراكز حضرية متفوقة في الاتصال وصديقة للبيئة.