خلال الساعات القليلة الماضية، ارتكب جيش إسرائيل مجزرتين بقطاع غزة أسفرتا عن مقتل 86 من النازحين الفلسطينيين وإصابة عشرات آخرين، وفق أرقام أولية.
ففي منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس "جنوب"، التي صنفتها إسرائيل على أنها "آمنة"، لم يسلم النازحون الذين هُجروا قسرا من منازلهم بمناطق مختلفة من القطاع من صواريخ أطلقها الطيران الحربي الإسرائيلي، السبت.
إذ لم تتمكن الخيام الهشة التي لجأ إليها هؤلاء النازحون بتلك المنطقة من حمايتهم من الحمم الصاروخية التي تساقطت عليهم، مما أدى إلى مقتل 71 فلسطينيا وإصابة 289 آخرين، بينهم أطفال ونساء، وفق إحصائية أولية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة.
فبعد الغارة الجوية، تكشف عمق المأساة؛ فهذه أم تبحث عن ابنها المفقود، وهذا شاب يبحث عن شقيقه الذي كان بجواره قبل دقائق، بينما تحتضن سيدة جثمان زوجها الذي قضى في القصف، وأخرى تقوم بتضميد جراح طفلها وتحتضنه بحنان.
مشاهد مفجعة
وفي مشاهد مفجعة، يواصل متطوعون من السكان المحليين وعناصر من الدفاع المدني انتشال أشلاء الضحايا، وكثير منهم من الأطفال والنساء، من تحت الخيام المحترقة والممزقة جراء القصف.
وسط هذه الفاجعة، يبقى لسان حال سكان المواصي: ألا يكفي إسرائيل ما نعانيه من أوضاع مأسوية حتى تمعن القتل فينا؟
ففي تلك المنطقة الجغرافية، التي توصف بأنها الأكثر كثافة سكانية في العالم، تصطف خيام النازحين بشكل عشوائي، حيث لا يوجد مكان فارغ بأي جزء منها، فيما يعيش النازحون أوضاعًا إنسانية صعبة جراء نقص مقومات الحياة الضرورية، مثل الماء والصرف الصحي والرعاية الطبية والغذاء.
وقال أحد الناجين من القصف الأخير لمنطقة المواصي، للأناضول، مفضلا عدم الكشف عن اسمه: "نزحت من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة إلى جنوب القطاع".
وأضاف: "نزحنا 6 مرات من منطقة لأخرى بحثا عن الأمان الذي لم نجده في أي مكان".
وتابع: "في كل مرة يقول الاحتلال إن تلك المنطقة آمنة، ننزح إليها ويقصفها، لا توجد منطقة آمنة".
وأوضح النازح الفلسطيني: "اليوم، كانت الصواريخ والشظايا تتساقط على رؤوسنا، والمشهد مرعب مثل يوم القيامة، نيران وقذائف، مشهد أسود".
ولفت إلى أن "هناك من استشهد، وهناك من أصيب، وآخرين مفقودون".
وقال: "لا نعرف ماذا نفعل أو أين نذهب، ففي كل مكان يوجد قصف".
من جانبها، قالت ريم موسى حمد، شقيقة محمد موسى حمد، نائب مدير إدارة الإطفاء والإنقاذ في الدفاع المدني، الذي استشهد في قصف المواصي: "نزح شقيقي من مدينة بيت حانون (شمال)، ومنذ ذلك الوقت وهو على رأس عمله في جهاز الدفاع المدني".
يأتي ذلك فيما ادعى الجيش الإسرائيلي أن المنطقة التي قصفها في المواصي كان "يتواجد فيها هدفان بارزين من حركة حماس"، دون تسميتهما.
جاء ذلك في بيان للجيش نشره عبر حسابه على منصة "إكس"، بعد تقارير عبرية تحدثت أن محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وقائد لواء خان يونس، رافع سلامة، هما المستهدفان في الهجوم.
حماس تنفي الادعاءات الإسرائيلية
من جانبها، نفت حركة حماس، السبت، الادعاءات الإسرائيلية باستهداف قيادات تابعة لها في المواصي.
وقالت الحركة في بيان: "هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هي للتغطية على حجم المجزرة المروعة".
وأشارت الحركة إلى أن المنطقة المستهدفة بالقصف الإسرائيلي تضم "أكثر من 80 ألفا من النازحين".
ولفتت إلى أن إسرائيل "ترتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين في خيام ومراكز النزوح غير مكترثة بدعوات وقف استهدافهم وغير ملتفتة لأي من قوانين الحروب".
وعلى مدار الأشهر السابقة، طالب الجيش الإسرائيلي سكان مناطق مختلفة من القطاع بالتوجه إلى منطقة "المواصي" بدعوى أنها "إنسانية آمنة".
والمواصي منطقة مفتوحة إلى حد كبير وليست سكنية، وتمتد على طول الشريط الساحلي للبحر المتوسط، على مسافة 12 كلم وبعمق كلم واحد، من دير البلح شمالا، مرورا بمحافظة خان يونس وحتى رفح جنوبا.
مجزرة بحق مصلين
وإضافة إلى مجزرة المواصي، ارتكب الطيران الحربي الإسرائيلي، السبت، مجزرة أخرى استهدفت مصلين بمخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة.
وقال أحد الفلسطينيين في مقطع فيديو التقطه عبر هاتفه المحمول عقب القصف الإسرائيلي: "الله أكبر، قصفونا ونحن نصلي، حسبي الله ونعم الوكيل".
وأضاف: "مجزرة أخرى، أين العالم؟ ماذا نفعل؟"
من جانبه، أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، في حصيلة أولية، مقتل 15 فلسطينيا وإصابة العشرات في القصف الذي استهدف مخيم الشاطئ.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلفت أكثر من 126 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وبتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.