دولار أمريكي 3.64ريال
جنيه إسترليني 4.58ريال
يورو 3.8ريال

جراح فلسطيني يروي شهادة مروّعة عن ظروف اعتقاله في سجون الاحتلال

07/08/2024 الساعة 15:43 (بتوقيت الدوحة)
خالد حمودة
خالد حمودة
ع
ع
وضع القراءة

ما زالت تتكشف للعلن القصص المروعة عن الأهوال التي يعيشها المعتقلون الفلسطينيون في سجن "سدي تيمان" سيئ الصيت جنوبي إسرائيل، لتزيد رصيد الانتهاكات الإسرائيلية دون أي اعتبار لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

خالد حمودة (34 عاما) من سكان بيت لاهيا شمال قطاع غزة، جراح في المستشفى الإندونيسي، قدّم شهادة مروّعة عن ظروف اعتقال مرّ بها في معتقل "سدي تيمان"، لتضاف إلى سيل الروايات الخارجة إلى العلن أمام أنظار العالم، والتي لا يقترن العديد منها بالتوثيق ولا الدلائل.

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، انهمك حمودة بتقديم العلاج للجرحى، وجرّاء قصف إسرائيلي، قتل والده وزوجته وابنته وجيران له، فيما أصيبت والدته وعدد من أقاربه.

كما أصيب هو نفسه بشظايا وتلقى العلاج في مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، حيث بقي نازحًا إلى أن فرض الجيش الإسرائيلي حصارا على المكان في 12 ديسمبر الماضي، وأمر الجميع بإخلائه.

يقول الدكتور حمودة في شهادة ضمن تقرير "أهلا بكم في الجحيم" الذي أرسل مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي نسخة منه للأناضول: "كانت تعليماتهم أن يخرج الجميع مع بطاقة الهُويّة، بعد ذلك فصلوا الأطبّاء وأعضاء الطاقم الطبّي عن المدنيّين، وضمّوني إلى الأطبّاء".

وأضاف: "عندما خرجنا أمرَنا الجنود بأن نخلع ثيابنا ونبقى بالسّروال الداخليّ وأن نمشي هكذا في الشارع وصولًا إلى معسكر الجيش الذي أقاموه في بيت لاهيا. عندما وصلنا إلى المعسكر صوّرونا".

وتابع حمودة: "كان هناك مئات الأشخاص، وكان الجنود يوجّهون بعضهم إلى جهة اليمين وبعضهم إلى جهة اليسار".

وأردف: "وجّهوني إلى اليسار، ثمّ جاء ضابط إسرائيليّ يتحدّث العربيّة جيّدًا وسألني ما رقم هويّتي وما اسمي، وعندما سألني ما مهنتي وأجبته، أمرني بأن أدخل إلى حفرة كانوا قد حفروها وبأن أحني رأسي. قال لي: أنت ستبقى معنا".

وزاد: "كبّلوا يديّ بأصفاد بلاستيكيّة وعصبوا عينيّ بقطعة قماش. ثمّ انهالوا علينا يضربوننا ويخبطوننا بجدران الحفرة ويشتموننا. اتّهمني أحد الجنود بأنّني من نخبة حماس، نخبة القسّام. قلت له إنّني طبيب، فشتمني وقال: فليأت (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس منذ الثلاثاء يحيى) السّنوار ويساعدك".

رحلة نحو المجهول

بعد ذلك، يقول حمودة، "احتجزونا في المعسكر نحو ساعتين، ثمّ أدخلونا إلى شاحنة وسارت بنا ونحن محشورون فيها حشرًا طوال 3 ساعات، لا أعرف كم كان عددنا بالضبط".

"كان البرد شديدًا ولم نستطع أن نتحرّك (..) كان الأمر صعبًا جدًّا، لم أعرف أين أنا ولا مَن يوجد إلى جانبي، من تجرّأ على الكلام ركله الجنود وضربوه بسلاحهم، كنّا في رحلة مُخيفة نحو المجهول"، يتابع حمودة.

ويكمل: "أثناء سيرها، توقّفت الشاحنة عدّة مرّات بشكل فجائيّ، وكنّا في كلّ مرّة نقع على بعضنا. في المرّة الأخيرة توقّفت الشاحنة وبقيت مكانها ساعتين. تجمّدنا من البرد ولم نعرف إلى أين يأخذوننا، وفي مرحلة ما صرنا نصرخ".

ويضيف حمودة: "أنزلَنا الجنود في ساحة إسفلت، أعتقد أنّنا أصبحنا خارج قطاع غزّة، لأنّنا لم نسمع انفجارات أو قصفًا".

ويردف: "في السّاحة، أجبرونا أن نسجد وأيدينا ما زالت مكبّلة وأعيننا معصوبة. بقينا هكذا نحو ساعتين. كان الجنود يضربون كلّ أسير يأتي بأيّة حركة".

ويكمل: "سألني أحد الجنود عن مهنتي، وعندما قلت له إنّني طبيب جرّاح في المستشفى الإندونيسيّ، انقضّ عليّ وركلني عدّة ركلات قويّة جدا".

شاويش في جحيم المعتقل

يروي الطبيب الفلسطيني رحلة معاناته في معتقل "سدي تيمان" التي بدأت من تلك الساحة مجهولة الموقع له ولمن كان معه من معتقلين.

ويقول: "بعد ذلك أدخلونا إلى شاحنة وأخذونا إلى مركز اعتقال، لم أعلم أنّه في النقب في مكان يُدعى سدي تيمان إلّا بعد أن أطلق سراحي".

يذكر حمودة أنه سُجن في هذا المُعتقل 21 يومًا، ومن هُناك أطلق سراحه في 2 يناير/ كانون الثاني 2024.

ويضيف: "عندما وصلنا إلى مركز الاعتقال أدخلونا إلى غرفة في المدخل حيث قاموا بتصنيفنا. أخذوا تفاصيلنا الشخصيّة مرّة أخرى ثمّ أجري لنا فحص طبّي".

ويتابع: "بعد ذلك، جلبوا لنا ملابس أسرى رماديّة فارتديناها. سجّلوا رقم الأسير، ورسَم أحد السجّانين على الظهر دائرة وفي داخلها X، لا أعلم ماذا تعني هذه الإشارة".

بحسب حمودة، "كان مركز الاعتقال عبارة عن قاعة كبيرة تم تقسيمها إلى زنازين، وفي كلّ زنزانة نحو 100 أسير".

ويقول: "منذ لحظة وصولي إلى هناك أجبروني على البقاء راكعًا طوال 3 أيام. ما عُدت أدرك الوقت، لا في أي يوم أنا ولا في أية ساعة من اليوم".

ويكمل: "بعد 3 أيام، ألقوا عليّ مهمّة شاويش المعتقل، وكانت مهمّتي وسيطًا بين الأسرى والسجّانين لأنّني أعرف اللّغة الانجليزية ولا يوجد لي سِجلّ أمني، لا يوجد عليّ شيء".

ويضيف: "لم أتمكّن من النوم سوى لأوقات قصيرة جدًّا، لأنّ الجنود، بغرض منعنا من النوم، كانوا يخبطون على سياجات وجدران الصّفيح. وجبة الفطور كانت عبارة عن رغيف خُبز ومربّى وقطعة جُبن".

ويواصل حمودة: "ذات يوم عاقبوني لأنّني حاولت التحدّث مع أسرى آخرين. أوقفوني بملاصقة الحائط وربطوا يديّ إلى فوق بأصفاد معدنيّة. أبقوني واقفًا هكذا مدّة نصف ساعة ورُبّما ساعة، دون أن أتحرّك".

ويزيد: "أطلقوا سراحي في 2 يناير، جلبوني مع أسرى آخرين إلى معبر كرم أبو سالم (حدودي بين شمال غزة وجنوب إسرائيل) وهناك أزالوا الأصفاد عن أيدينا والعصبات عن أعيننا".

ويختم الجراح الفلسطيني المحرر شهادته بالقول: "مشينا نحو 3 كيلومترات إلى أن وصلنا معبر رفح (جنوب القطاع) حيث كانت تنتظرنا مركبة تابعة لهيئة الأمم المتحدة".

شهادة حمودة تأتي فيما ذكرت القناة "12" الخاصة، صباح الأربعاء، أن إعلاما عبريا تداول فيديو مسربًا يوثق واقعة اعتداء جنود إسرائيليين جنسيا على أسير فلسطيني من غزة في سدي تيمان.

والأربعاء، استأنفت المحكمة العليا في إسرائيل النظر في التماس تطالب فيه 5 مؤسسات حقوقية إسرائيلية منذ مايو الماضي بإغلاق "سدي تيمان" بسبب أعمال تعذيب واعتداء جنسي بحق معتقلين فلسطينيين من غزة؛ ما أودى بحياة العديد منهم.

وفي 29 يوليو الماضي، أثيرت ضجة كبيرة في إسرائيل بعد وصول عناصر من النيابة العسكرية إلى المعتقل للتحقيق مع 9 جنود اعتدوا جنسيا على أسير فلسطيني، وتم لاحقا إطلاق سراح 5 منهم.

وما زالت النيابة العسكرية الإسرائيلية تحقق مع الجنود المشتبه فيهم، ولكن دون توجيه لائحة اتهام ضد أي منهم.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تحدثت منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية ودولية عن تردي الأوضاع في السجون الإسرائيلية، ولا سيما في "سدي تيمان".

واعتقل الجيش الإسرائيلي، منذ أن بدأ عمليته البرية بغزة في 27 أكتوبر الماضي، آلاف المدنيين الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني.

وخلال الشهور الماضية، أطلق الجيش سراح عشرات المعتقلين الفلسطينيين من غزة على دفعات متباعدة، ومعظمهم عانوا من تدهور في أوضاعهم الصحية، وحملت أجسادهم آثار تعذيب وإهمال طبي.

المصادر

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo