توقع بنك قطر الوطني QNB أن تواجه دول مجموعة السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) مزيدا من التدهور المالي، وذلك على خلفية تزايد الطلب على زيادة الإنفاق الحكومي، وارتفاع أسعار الفائدة الاسمية، واعتماد التنسيق المالي والنقدي.
وأشار البنك في تقريره الأسبوعي إلى ما شدد عليه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عام 1971 حينما قال وقتها "نحن جميعا أتباع كينز الآن" وذلك قبل أشهر من قيامه بإنهاء قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب وإطلاق تدابير جديدة لاستيعاب الإنفاق الحكومي الضخم.
دور مركزي
وأشار QNB إلى إن هذا الاقتباس الشهير، الذي يشير إلى وصفة عالم الاقتصاد جون ماينارد كينز لاستخدام الإنفاق الحكومي كمحفز للطلب أثناء فترات الركود الدوري، يثبت الدور المركزي الذي يلعبه الاقتصاد الكلي في تحديد الأداء المتصور للمسؤولين المنتخبين.
فكلما هددت أزمة اقتصادية بتعطيل الطلب الخاص، وخلق البطالة، يلجأ حتى أنصار السياسات المالية المتحفظة مثل نيكسون إلى ما يعرف بـ "الحكومة الكبيرة"، أي التدخل الكبير من جانب الحكومات في إدارة الاقتصاد والسياسات العامة.
وأضاف التقرير، أن هذا يؤدي في الغالب إلى تراكم الدين الحكومي مع مرور الوقت. في الواقع، زادت الديون الحكومية لدول مجموعة السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 75 بالمئة إلى 126 بالمئة في أقل من جيل واحد منذ بداية الألفية الجديدة. وعادة ما تتسارع وتيرة تراكم الديون في أعقاب فترات الأزمات، مثل الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009، وأزمة ديون منطقة اليورو في الفترة 2010-2011، وجائحة كوفيد-19 في عام 2020.
تعافي قوي
وأوضح إلى إنه وفي حين أن مستوى المديونية تقلص قليلا منذ الذروة التي وصل إليها أثناء فترة الجائحة، فإن هذا يعزى بشكل رئيسي إلى التعافي الاقتصادي القوي ومعدلات التضخم المرتفعة بشكل غير طبيعي، وليس إلى الجهود الكبيرة لضبط الأوضاع المالية.
ورجح التقرير أن تشهد الأوضاع المالية مزيدا من التدهور في معظم دول مجموعة السبع، لافتا إلى أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم توقعاته وهي: أولا: قامت جميع دول مجموعة السبع بزيادة معدلات العجز لديها منذ تفشي جائحة كوفيد، بغض النظر عن وتيرة التعافي بعد الجائحة.
حتى ألمانيا، التي كانت الدولة الوحيدة التي تتمتع بفوائض هيكلية بين دول مجموعة السبع قبل الجائحة، أصبحت تعاني من عجز في الميزانية في السنوات الأخيرة. ويأتي هذا في الوقت الذي تؤدي فيه مجموعة كبيرة من المطالب الجديدة إلى زيادة الضغط لمزيد من الإنفاق الحكومي، وتشمل هذه المطالب الاستحقاقات الاجتماعية، والضغوط الجيوسياسية، والاحتياجات إلى دورة جديدة من النفقات الرأسمالية لتطوير البنية التحتية وتعزيز القطاعات الصناعية الاستراتيجية.
والنتيجة هي تصاعد الحاجة الملحة لمزيد من الإنفاق الحكومي الذي لا يمكن تمويله بسهولة عن طريق فرض الضرائب الجديدة، نظرا للمستوى الإجمالي المرتفع للضرائب في أغلب دول مجموعة السبع والتأثير الذي تخلفه زيادة الضرائب على القدرة التنافسية.
تشديد نقدي
ثانيا: بعد فترة من التشديد النقدي القوي في أعقاب ارتفاع التضخم بعد الجائحة، أصبحت أسعار الفائدة أعلى بكثير من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي طويل الأجل في جميع دول مجموعة السبع، باستثناء اليابان. ويشير هذا إلى وجود احتمال كبير لتفكك الاستقرار المالي بسبب ديناميكيات الديون غير المستدامة، مع زيادات أخرى في نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ولذلك، فإنه في غياب دورة كبيرة من تخفيضات أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الكندي، فإن الأوضاع المالية قد تتدهور بسرعة.
ثالثا: أضفت جائحة كوفيد-19 "الشرعية" على استخدام مزيج من السياسات غير التقليدية يشار إليها عادة بالتنسيق المالي والنقدي أو تسييل الديون بشكل غير مباشر، وهو ما يرفع سقف المديونية الحكومية.
في الظروف العادية، فإن مزيج ارتفاع المديونية وتزايد العجز المالي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في عائدات السندات طويلة الأجل، وتشديد الأوضاع المالية، وفرض ضغوط نظامية على الحكومات.
ومع ذلك، من أجل منع وكبح العسر المالي، من المتوقع أن تتدخل البنوك المركزية الآن وتدعم سوق السندات الحكومية في حالة ارتفاع العائدات بشكل كبير أو سريع للغاية.
ومن ناحية أخرى، يسمح هذا للحكومة بسن سياسات مالية أكثر قوة. ونتيجة لهذا، تراجعت القيود التي تحتمها السوق على السلطات المالية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى استمرار العجز المالي على نطاق أوسع لفترة أطول في أغلب دول مجموعة السبع.
وخلص التقرير إلى إنه وفي المجمل، رغم عدم وجود أزمات كبرى وشيكة تتطلب إجراء تغيير تدريجي في مستويات المديونية بدول مجموعة السبع، إلا أن أوضاعها المالية من المتوقع أن تتدهور على خلفية تزايد الطلب على زيادة الإنفاق الحكومي، وارتفاع أسعار الفائدة الاسمية، واعتماد التنسيق المالي والنقدي.