في محاولة لردع القوات والدبابات الروسية حافظ حلف شمال الأطلسي "الناتو" على تواجد عسكري في بولندا غير أن هذا التحالف الغربي واجه تحديًا ليس تقليديًا، بعد محاولة 2000 شخص على الأقل من الشرق الأوسط العبور إلى بولندا عبر بيلاروسيا، وهي حليف مقرب من روسيا.
يتهم المسؤولون الأوروبيون بيلاروسيا بتشجيع مهربي البشر على دخول المهاجرين إليها ثم توجيههم نحو الحدود إلى الاتحاد الأوروبي في محاولة لإثارة أزمة.
وفي المقابل تنفي بيلاروسيا ذلك، لكنها قالت إنها لا تستطيع المساعدة في حل المشكلة ما لم ترفع أوروبا العقوبات.
وكان الاتحاد الأوروبي فرض عدة جولات من العقوبات ردًا على حملة القمع العنيفة التي شنها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو على الاحتجاجات في الشوارع ضد حكمه عام 2020.
غضب الاتحاد الأوروبي
وعبّر الاتحاد الأوروبي عن غضبه مما وصفه بالاستغلال المنظم للبشر وتعريض حياتهم للخطر لأسباب سياسية من قبل بيلاروسيا.
وقد أعلن الاتحاد أنه يحقق تقدمًا في التعامل مع الأزمة، وقال مارغاريتيس شيناس نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، إن جهود وقف تدفق المهاجرين الذين يحتشدون عند الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي تؤتي ثمارها.
وأضاف شيناس في مؤتمر صحفي في لبنان أن "الوضع بالمجمل هو أننا نشهد تقدما على كل الجبهات"، مشيرًا إلى أنه سيسافر إلى العراق وتركيا قريبًا.
وتتصاعد التوترات بنشر بولندا المزيد من الجنود على طول الحدود لإبعاد المهاجرين، ومعظمهم من العراق وأفغانستان، على حدودها.
15 ألف جندي
ونشرت بولندا 15 ألف جندي على طول الحدود، وأقامت سياجًا تعلوه الأسلاك الشائكة، ووافقت على بناء جدار على الحدود مع بيلاروسيا، كما أقامت السلطات الألمانية نقاط مراقبة على طول حدودها مع بولندا تحسبًا لتدفق اللاجئين، ونشرت قوة إضافية يبلغ عددها نحو 800 عنصر من حرس الحدود.
وتقول روسيا إنها تعتبر تحركات القوات تهديدًا، وردت بإرسال قاذفات للقيام بدوريات فوق بيلاروسيا.
وكانت بيلاروسيا أصدرت، الصيف الماضي، تأشيرات سياحية لأشخاص من العراق وسوريا واليمن ودول أخرى فيما وصفه مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأنه جهد منظم لتشجيعهم على الوصول إلى حدود الاتحاد الأوروبي.
تهديد بوقف إمدادات الغاز
وفي مؤتمر صحفي، أشار لوكاشينكو إلى أن الطائرات الحربية الروسية قادرة على حمل أسلحة نووية، والأسبوع الماضي، هدد لوكاشينكو بوقف إمدادات الغاز الروسي التي يتم تسليمها إلى أوروبا عبر أراضي بيلاروسيا.
وبدا أن الكرملين ينأى بنفسه، الجمعة، عن هذا التهديد، قائلا إنه لم يتم استشارته مسبقا بشأن التصريحات، وإنه سيفي بعقود التسليم الخاصة بالغاز.
وفي الجهة المقابلة، قال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، في منشور على فيسبوك: "ما نتعامل معه هو نوع جديد من الحرب يكون فيها المدنيون والرسائل الإعلامية ذخيرة"، حسبما نقلت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال".
وتقول حكومة بولندا إن بيلاروسيا متورطة في "عمل عدواني هجين" لإثارة صدام على الحدود، على مرأى ومسمع من العالم.
اتهامات إلى بوتين
بينما يقول مسؤولون غربيون آخرون إنهم يعتقدون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد خلق مشهد دراماتيكي وتقويض الغرب، لكنه الأمر لن يصل إلى حد الصراع المسلح الفعلي.
كما نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي علاقة لبلاده بأزمة اللاجئين على حدود بيلاروسيا وبولندا، وقال: باستطاعة رئيس بيلاروسيا قطع إمدادات الغاز إلى أوروبا"، معربًا عن أمله ألا تصل الأمور إلى ذاك الحد وفق تعبيره.
وقد حذر وزراء دفاع إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، من مخاطر المواجهة العسكرية.
وقالت روسيا، التي نفت أي تورط لها، إن على الاتحاد الأوروبي التحدث مع بيلاروسيا لحل الأزمة.
وقال وزير الدفاع في بيلاروسيا، فيكتور خرينين، إن الأنشطة العسكرية لجيرانها -لا سيما في بولندا- لا علاقة لها بأزمة المهاجرين، وقد تشير إلى أنهم "مستعدون لإطلاق العنان لصراع يريدون فيه إشراك أوروبا في حل مشاكلهم السياسية الداخلية، وكذلك المشاكل المتعلقة بالعلاقات داخل الاتحاد الأوروبي".
وتشمل المواجهة مهاجرين، عددهم أقل بكثير من تلك التدفقات التي شهدتها القارة بعد عام 2015، وفي معظم الأيام، تمكن بضع عشرات فقط من طالبي اللجوء من عبور الحدود.
دعوة منظمات إنسانية
ويوجد آلاف المهاجرين من الشرق الأوسط عالقين وسط الأحراش في برد قارس على الحدود بين روسيا البيضاء (بيلاروسيا) ودولتي بولندا وليتوانيا، العضوين في الاتحاد الأوروبي، واللتين ترفضان دخول المهاجرين إلى أراضيهما.
وقد دعت منظمات إنسانية بولندية إلى تمكينها من الوصول إلى اللاجئين لتقديم الدعم لهم، مؤكدة أن هناك حاجة ماسة لتدخل إنساني منظم ومهني لإنقاذ طالبي اللجوء.
من جانبه، أكد إبراهيم قالين، كبير مستشاري الرئيس التركي للشؤون الخارجية، أن تحميل أنقرة أو ناقلتها الوطنية المسؤولية عن الأزمة الإنسانية عند الحدود بين بولندا وبيلاروسيا "مضلل".
وأعلنت أنقرة فرض حظر على سفر مواطني 3 دول في الشرق الأوسط إلى الجمهورية السوفياتية السابقة عبر المطارات التركية نظرًا لـ"مشكلة المعابر الحدودية بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا".
وأوضح قالين أن الاتهامات لتركيا بالمساهمة بطريقة ما في الأزمة الحدودية غير منصفة، وقال "لا علاقة لتركيا بهذه الأزمة الأخيرة للمهاجرين غير الشرعيين بين بيلاروسيا وبولندا وليتوانيا ودول أوروبية أخرى".