تترقب الأوساط الدولية باهتمام بالغ القمة الافتراضية، التي سيعقدها الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ مساء اليوم الإثنين بتوقيت واشنطن، صباح الثلاثاء بتوقيت بكين، على أمل تخفيف حدة التوتر، والبحث عن حلول للمشاكل المتراكمة بين الدولتين.
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تبادل أكبر اقتصادين بالعالم العقوبات والرسائل العسكرية والتعريفات الجمركية وتوجيه أصابع الاتهام حول كل شيء من الالتزامات المناخية إلى التعامل مع الوباء العالمي.
القمة الأولى
وتأتي القمة الأولى التي طال انتظارها بعد حوالي ثلاثمائة يوم من وصول إدارة بايدن للسلطة، وبعد أيام من إصدار الولايات المتحدة والصين إعلانا مفاجئا بمؤتمر المناخ في غلاسكو، يوضح كيف ستتخذ القوتان خطوات مشتركة لتجنب النتائج الكارثية لتغير المناخ.
وقال البيت الأبيض إن الرئيسين سيناقشان سبل إدارة التنافس بين بلديهما بشكل مسؤول، مضيفا أن الرئيس بايدن سيكون خلال الاجتماع واضحا وصريحا بشأن ما يقلق بلاده من جهة الصين.
وجاء الكشف عن القمة، بعد سلسلة من الاتصالات الدبلوماسية بين الدولتين منها اجتماع السيد جايك سالفيان مستشار الأمن القومي الأمريكي في زيورخ الشهر الماضي، مع السيد يانغ جيتشي كبير الدبلوماسيين الصينيين، وكان الاجتماع متابعة لاتصال هاتفي بين الرئيس بايدن في التاسع من سبتمبر الماضي مع الرئيس شي، والتي كان يبدو قبلها أن علاقات أكبر اقتصادين في العالم وصلت لطريق مسدود.
وتحدث الرئيسان هاتفيا مرتين منذ تنصيب جو بايدن، خلال يناير الماضي، ولم يخف الرئيس الأمريكي أبدا رغبته بلقاء الرئيس الصيني شخصيا، وقد وجه له انتقادات لغيابه عن قمة مجموعة العشرين بروما وقمة المناخ بغلاسكو، لكن الرئيس الصيني لم يغادر بلاده منذ حوالي عامين، وأرجع السبب في ذلك لتفشي فيروس كورونا (كوفيد-19).
العلاقات الثنائية
وقبيل القمة بأيام، أعلن الرئيس الصيني أن بلاده تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع واشنطن لإعادة العلاقات الثنائية للمسار الصحيح، وفي نبرة تصالحية /على ما يبدو/ أكد الرئيس الصيني أن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة تمر بمنعطف تاريخي حاسم، وأن البلدين سيستفيدان من التعاون وسيخسران من المواجهة، وتابع في رسالة تهنئة إلى اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصينية، أن بكين مستعدة للعمل مع واشنطن لتعزيز التبادلات والتعاون بجميع المجالات، على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي .
وفي سياق التحضير للقمة الافتراضية، اتصل السيد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي السبت الماضي، بنظيره الصيني السيد وانغ يي الذي طالب واشنطن بإنهاء دعمها لاستقلال تايوان، وقال إنه يتعين على واشنطن وبكين الالتقاء في منتصف الطريق لضمان عقد قمة افتراضية ناجحة بين الرئيسين، مؤكدا أن للقمة التي يتابعها العالم كله، أهمية عظيمة ليس فقط للعلاقات الصينية - الأمريكية، وإنما للعلاقات الدولية أيضا.
من جانبه، قال بلينكن إن العالم يتابع عن كثب القمة الافتراضية، وإن الجانب الأمريكي يتطلع خلالها لتبادل وجهات النظر مع الجانب الصيني حول العلاقات الثنائية في ظل روح تتسم بالاحترام المتبادل، مؤكدا أن علاقات بلاده مع الصين من أكثر العلاقات أهمية وتعقيدا، وإن لها أبعادا مختلفة تتمثل في التعاون والمنافسة والمواجهة، وقال إن واشنطن ستعمل على الجوانب الثلاثة في آن واحد، ورحب بتحقيق الصين بعض التقدم في القضايا المتعلقة بالمناخ.
قضايا التجارة
ويرجح المراقبون أن تتصدر قضايا التجارة جدول أعمال القمة، نظرا لاقتراب الموعد النهائي لقيام الصين بشراء منتجات أمريكية بقيمة مائتي مليار دولار بموجب اتفاق تجاري عام 2019. ويشير المراقبون إلى أن بكين لم تلتزم بأربعين بالمئة من المشتريات التي نص عليها الاتفاق، والتي تشمل الطاقة والمنتجات الزراعية والأجهزة الطبية الأمريكية، بالإضافة إلى طائرات بوينغ، بينما تريد الصين من الولايات المتحدة وقف القيود والعقوبات المفروضة على شركاتها، بخصوص الاستثمار أو الإدراج في الولايات المتحدة.
وكان اتفاق المرحلة الأولى بين واشنطن وبكين قد ترك، تعريفات جمركية على معظم المنتجات المتداولة بين الصين والولايات المتحدة، لكن السيدة جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية ألمحت إلى إمكانية خفض بعض الرسوم الجمركية إذا أوفت بكين بالتزاماتها التجارية بخصوص المشتريات من البضائع الأمريكية.
ويقول المحللون إن القمة الافتراضية بين بايدن وشي قد تكون متوترة خاصة وأن الخلاف بين بكين وواشنطن يمتد إلى ما هو أبعد من تايوان والتجارة، فهما على خلاف حول قضايا تشمل حقوق الإنسان وأصول فيروس كورونا، والتمدد الصيني في بحر الصين الجنوبي، وما تردد مؤخرا بأن ترسانة الصين النووية تنمو بشكل أسرع مما كان متوقعا، بينما تشعر بكين بالقلق من جهود واشنطن لبناء شبكة تحالف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تقول واشنطن إنها ضرورية لمواجهة القوة العسكرية الصاعدة للصين.
اليد العليا في القمة
ويرى مدير معهد كيسنجر المعني بالصين والولايات المتحدة، /وهو مركز أبحاث مقره واشنطن/، أن من غير المرجح أن يكون لأي من الرئيسين اليد العليا خلال القمة، وأضاف أنه لا يبدو أن أيا من الرئيسين يعيد النظر بمصالح أو استراتيجيات دولته قبل القمة، وقال إن كل واحد منهما، يبحث عن صيغة تقنع الآخر بقبول سياساته بشروطه الخاصة.
كما يقول مراقبون صينيون إن بكين قد تكون مفرطة في التفاؤل بشأن العلاقات مع واشنطن، وأضافوا أنه قد تكون هناك علامات على ذوبان الجليد بين الدولتين، لكن التوترات لن تخف بشكل كبير في المستقبل المنظور، وإن الولايات المتحدة لن تتوقف عن محاولة احتواء الصين، لاسيما من جهة تطويرها العسكري والتكنولوجي.
ولا يتوقع أي من الجانبين نتائج محددة أو بيانا مشتركا من القمة خاصة وأن الرئيسين يقتربان من اختباراتهما الحاسمة العام المقبل، وهي إعادة انتخاب الرئيس الصيني، والانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، الأمر الذي سيدفع الرئيسين لتبني مواقف متشددة وأقل مساومة.