على الرغم من مواقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الصارمة تجاه الهجرة، إلا أن جذوره الشخصية تحمل قصة مهاجر عاش تحديات الغربة.
فجده، فريدريك ترامب، ألماني الأصل، ترك وطنه هربًا من التجنيد الإلزامي والفقر، ليبدأ حياة جديدة في الولايات المتحدة، ومن هناك، استطاع فريدريك تأسيس ثروة من خلال مشاريع صغيرة في الغرب الأمريكي.
تعكس قصة هجرة فريدريك ترامب مفارقة تاريخية تلقي بظلالها على سياسات حفيده، إذ تحول الحلم الأمريكي الذي طمح إليه المهاجر الجد، إلى نقطة خلاف اليوم في توجهات حفيده السياسية.
من هو جد ترامب؟
فريدريك ترامب، رجل أعمال أمريكي من أصل ألماني، وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وُلد عام 1869 في بلدة كالشتات بألمانيا، لعائلة فقيرة مما اضطره للعمل حلاقا عقب وفاة والده، قبل أن يقرر الهجرة إلى الولايات المتحدة في أكتوبر 1885 هربا من الخدمة العسكرية.
انتقل فريدريك إلى الغرب الأمريكي، وقرر فتح مطاعم وفنادق مستفيدا من ازدهار مناطق التنقيب عن الذهب، واستطاع جمع ثروة من أعماله، فقرر العودة إلى ألمانيا والاستقرار مع أسرته، قبل أن يطرد منها ويعود إلى الولايات المتحدة ويتوفى فيها عام 1918.
ينتمي جد ترامب لأسرة فقيرة كانت تعتمد على زراعة العنب في مزرعة صغيرة تملكها، قبل أن تغرق بالديون عقب وفاة رب أسرتها يوهانز ترامب، وعمر فريدريك حينئذ 8 سنوات.
وبحكم صغر سن فريدريك ومعاناته المستمرة من المرض، قررت والدته إرساله إلى بلدة مجاورة ليتعلم مهنة يقتات منها، فامتهن الحلاقة وعمل يوميا في صالون حلاقة دون إجازات لعامين ونصف، وبعد تمكنه من المهنة عاد إلى بلدته ليفتتح صالونه الخاص، لكنه اكتشف وجود حلاق آخر، في بلدة صغيرة لا تتسع لحلاقين.
واعتقد فريدريك أن بقاءه في بلدته كالشتات سيحكم عليه بالحياة الشاقة والفقر، وتزامن ذلك مع دخوله السن الإلزامي للخدمة في الجيش الألماني، فقرر الهرب من التجنيد والفرار من البلاد تماما.
الهجرة لأمريكا
في إحدى ليالي أكتوبر 1885، فرّ فريدريك من مسقط رأسه، تاركا خلفه رسالة وداع لوالدته، وذهب إلى مدينة بريمن، وحجز تذكرة ذهاب دون عودة، وركب متن سفينة "إس إس إيدر" المتوجهة إلى الولايات المتحدة حيث تقطن أخته كاثرين التي سبقته إلى هناك قبل عام.
وأبحر فريدريك البالغ من العمر 16 عاما حينئذ، عبر شمال المحيط الأطلسي، في رحلة استمرت 10 أيام، إلى جانب مئات المهاجرين الآخرين الذين كانوا يأملون العثور على حياة أفضل لهم في المهجر.
واستقر فريدريك مع أخته كاثرين في مدينة مانهاتن بنيويورك، وسكن بجوار ألمان، وبدأ العمل حلاقا، وبدأ الادخار من ماله ليفتح عمله الخاص.
وبعد سنوات توجه فريدريك غربا نحو سياتل مقر مقاطعة كينغ في ولاية واشنطن عام 1891، واشترى مطعما في شارع اشتهر بتجارة الخمور والدعارة، وجدده وافتتحه باسم "مطعم الألبان"، وحصل فريدريك عام 1892 على الجنسية الأمريكية وغير اسمه من فريدريش إلى فريدريك.
وعام 1894 توجه فريدريك إلى منطقة مونت كريستو بواشنطن، بعد انتشار أخبار عن وجود الذهب بها، وافتتح فيها فندقا، قبل أن يقرر العودة إلى سياتل بعد سنوات وبيع ممتلكاته.
وانتقل فريدريك بعد ذلك إلى كندا حيث افتتح سلسلة فنادق ومطاعم مع شريك له في مقاطعة كولومبيا ومدينة وايت هورس وحقق ثروة من تقديم خدمات "غير شرعية".
العودة لألمانيا
بحلول عام 1901 جمع فريدريك ثروة كبيرة، فقرر العودة إلى مسقط رأسه، وتزوج من إليزابيث كريست وخططا للاستقرار في ألمانيا، لكن لم يمكث فريدريك طويلا هناك، إذ قررت السلطات الألمانية طرده وزوجته من البلاد، وسحب الجنسية منهما، بتهمة مغادرة ألمانيا بشكل غير قانوني والتهرب من الضرائب والخدمة العسكرية الإلزامية، فعادا إلى نيويورك.
وعاش الزوجان في حي ألماني جنوب ذا برونكس في نيويورك، وأنجبا 3 أطفال من بينهم فريد ترامب والد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كبر وأصبح من أنجح رجال الأعمال الشباب في المدينة.
وظل فريدريك يعمل سنوات في مجال الفنادق حتى توفي متأثرا بإصابته بالإنفلونزا الإسبانية، التي اجتاحت العالم عام 1918، عن عمر ناهز الـ49 عاما، وترك خلفه ثروة قدرت بحوالي 510 آلاف دولار أمريكي لزوجته وأبنائه.