تنعقد القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض اليوم، في ظل ظروف استثنائية شديدة الخطورة ومأساة إنسانية مروعة تعصف بقطاع غزة المحاصر، بينما دخلت الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأشقاء الفلسطينيين في القطاع شهرها الرابع عشر على التوالي، وقد ارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين هناك إلى 43603 شهداء، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، كما ارتفع عدد الجرحى والمصابين إلى 102929 جريحا، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.
وحشية وجريمة
وإمعانا في الوحشية والجريمة، لا يتلقى المرضى والجرحى العلاج أو الإسعافات لأن الجيش الإسرائيلي اعتقل الأطباء وأخرج المستشفيات عن الخدمة بشمال غزة، بينما تقصف قوات الاحتلال فرق الدفاع المدني والطواقم الطبية، وتمنعهم من الوصول إلى المصابين وإجلاء الشهداء الذين تنتشر جثثهم في الشوارع و الطرقات.
وتأتي القمة في وقت امتدت فيه نيران الحرب في قطاع غزة إلى لبنان الشقيق، الأمر الذي يهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط برمته، كما تأتي في وقت صعدت فيه قوات الاحتلال حرب الإبادة والتهجير وتدمير لمقومات الحياة البشرية والإنسانية كافة في شمال قطاع غزة، إلى جانب استخدام التجويع كسلاح في هذا العدوان الذي كسر كل القوانين والقيم والمبادئ المتعارف عليها في العلاقات الدولية والأعراف الإنسانية.
,ومن المؤكد أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة اليوم من عدوان سافر هو الأشد همجية وبشاعة والأكثر انتهاكا للقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية في العصر الحديث، حيث تمارس قوات الاحتلال حرب الإبادة بدم بارد على مدار الساعة بأحدث الأسلحة ضد شعب أعزل في قطاع محاصر لا مهرب فيه من وابل الصواريخ وقنابل الدبابات والطائرات والمدافع.
الوضع الإنساني في غزة
وقد وصف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة الوضع الإنساني في شمال غزة بأنه "الأسوأ الذي شاهده العالم منذ بداية هذا الكابوس المروع، وقال إن هناك حاجة ماسة لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن وإيصال المساعدات بفعالية وإنهاء الاحتلال، كما طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بإعلان المجاعة رسميا في شمالي قطاع غزة في ظل إصرار سلطات الاحتلال على استخدام التجويع كسلاح.
وقال المرصد إن إسرائيل تمنع منذ خمسين يوما إدخال أي مساعدات أو بضائع لمئات آلاف المدنيين المحاصرين في شمال غزة، الذين يتعرضون لأعنف حملة إبادة جماعية للقضاء عليهم بالقتل والتهجير القسري.. وأضاف أن المدنيين في شمال غزة يقبعون تحت حصار خانق ويتعرضون لقصف متواصل ومتعمد ويعيشون بلا إمدادات طعام أو ماء أو علاج ويتم استهداف كل من يحاول الخروج بحثا عن طعام أو ماء. وحمل المرصد العالم بأسره المسؤولية أمام أزمة الجوع التي صنعتها إسرائيل في غزة ، وحذر من أن المجاعة هناك اقتربت من نقطة اللاعودة في ظل توقعات بحدوث وفيات بالعشرات يوميا في صفوف المجوعين.
كما أصدرت لجنة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي إنذارا أعربت فيه عن قلقها إزاء الاحتمال الوشيك والكبير لحدوث المجاعة، بسبب الوضع المتدهور بسرعة في قطاع غزة، وأكدت أن هذا الإنذار هو تذكير بأن أعين العالم يجب أن تكون على غزة، وأن التحرك مطلوب الآن، وشددت اللجنة على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية، خلال أيام لا أسابيع، من قبل جميع الأطراف المشاركة بشكل مباشر في الصراع أو تلك التي تتمتع بنفوذ على سير الصراع، لمنع حدوث هذا الوضع الكارثي والتخفيف منه.
معاناة إنسانية
وقال المفوض الأممي فولكر تورك إن قوانين الحرب القائمة منذ 160 عاما تهدف إلى الحد من المعاناة الإنسانية ومنع حدوثها في أوقات النزاع المسلح، مضيفا أن تجاهل هذه القوانين باستهتار قد أدى إلى المستويات المفرطة من المعاناة الإنسانية التي نشهدها اليوم في قطاع غزة، وأكد أن من غير المعقول أن ترفض أطراف النزاع تطبيق المعايير المقبولة عالميا والملزمة، التي وضعت للحفاظ على الحد الأدنى من الإنسانية.
لقد استدعت الاعتداءات التي تتعرض لها الأراضي الفلسطينية واللبنانية، تحرك قادة الدول العربية والإسلامية، لبحث إيقاف العدوان وسبل حماية المدنيين ودعم الشعبين الفلسطيني واللبناني الشقيقين، إضافة إلى توحيد المواقف والضغط على المجتمع الدولي للتحرك بجدية، لإيقاف الاعتداءات المستمرة وإيجاد حلول مستدامة تضمن الاستقرار والسلام في المنطقة.
ومن الواضح أن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ قرابة عام ليس إلا محصلة غياب إرادة سياسية صادقة، وتقاعس دولي متعمد، عن حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، وإصرار السلطات الإسرائيلية المحتلة على فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والعالم بكل أنواع القوة.
ولاشك أن الكارثة المروعة التي تعصف بقطاع غزة تبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، وتهدد الأمن والاستقرار العالمي، ولذلك فإن الأمر يتطلب تدخلا دوليا عاجلا لوقف جميع مظاهر الإبادة، وفي مقدمتها القتل الجماعي وحرب التجويع والتهجير، والعمل معا لفك الحصار عن القطاع بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وتسعى القمة العربية الإسلامية غير العادية للخروج بتوافق عربي وإسلامي على ضرورة وقف الحرب على قطاع غزة، والخروج برؤية موحدة لوقف هذا العدوان الإسرائيلي، إلى جانب التأكيد على ضرورة تحقيق الاستقرار في لبنان.
ويتطلع القادة المشاركون في القمة لإيصال صوت العالمين العربي والإسلامي واضحا وعاليا بعد عام وأكثر من جرائم القتل العشوائي والانتقام والعقاب الجماعي الأهوج، للشعب الفلسطيني، إلى جانب إرسال رسالة للعالم مفادها أن الموقف لم يعد يحتمل السكوت، وإن كل الضغوط التي بذلت على الاحتلال لوقف آلة الحرب لم تكن كافية.
من المنتظر أن تطالب القمة المجتمع الدولي خاصة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالقيام بدورهم الفعلي حيال وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإنقاذ المدنيين من تفاقم الكارثة الإنسانية، التي ستنعكس على الأمن والسلم الدوليين، بالتحرك الفوري واتخاذ الخطوات الجادة والعاجلة، لضمان تأمين الممرات الإغاثية لإيصال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية العاجلة للسكان في القطاع المحاصر.
كما تمثل القمة رسالة دعم للفلسطينيين واللبنانيين، في وجه حرب الإبادة والتهجير والتجويع ، ودعم لصمود الفلسطينيين البطولي على أرضهم ودعم لحقوقهم المشروعة التي لا يمكن لأحد أن يفرط فيها أو يتنازل عنها، وفي مقدمتها حقهم في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.