تتجه الأنظار إلى دولة الكويت الشقيقة غدا، حيث تنطلق أعمال الدورة الخامسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية على مستوى القمة، ويشارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في أعمال القمة إلى جانب إخوانه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، ورؤساء الوفود.
وتعد هذه القمة الخليجية هي السابعة التي تعقد بدولة الكويت منذ تأسيس مجلس التعاون في الـ25 من مايو 1981، وتتصدر جدول أعمالها متابعة دعم وتعزيز العمل الخليجي المشترك، وتطوير آليات التعاون بين دوله وشعوبه في مختلف القطاعات وخاصة تلك التي تهم المواطن الخليجي.
وتنعقد القمة في ظل تطورات إقليمية ودولية هامة، وخصوصا الأوضاع في الشرق الأوسط عامة، وفي الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة والضفة الغربية خاصة، بالإضافة للمستجدات في لبنان والسودان، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهود لتعزيز التنسيق والتعاون بين دول المجلس بما يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وقد رحب مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الأسبوعي يوم الأربعاء الماضي بأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون والوفود المرافقة إلى أعمال القمة، معربا عن تطلعه لمزيد من التفاؤل لما ستسفر عنه القمة من قرارات من شأنها دفع المسيرة المباركة للمجلس، وتحقيق آمال وطموحات شعوب دول المجلس.
التحضير للقمة
وفي إطار التحضير للقمة الخليجية الخامسة والأربعين، عقد الاجتماع الوزاري الـ162 لمجلس التعاون الخليجي في الكويت أمس الأول برئاسة عبدالله اليحيا وزير الخارجية الكويتي رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري، وبحضور وزراء خارجية دول المجلس، حيث جرى استعراض تقارير تتعلق بمتابعة تنفيذ قرارات القمة الرابعة والأربعين التي عقدت في الدوحة في ديسمبر الماضي، ومناقشة المذكرات المرفوعة من اللجان الوزارية والفنية والأمانة العامة، والقضايا المرتبطة بالحوار والعلاقات الاستراتيجية مع الدول والتكتلات العالمية، كما جرى التطرق إلى آخر المستجدات الإقليمية والدولية المؤثرة على المنطقة.
وقد أكد السيد جاسم محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أهمية الاجتماع كجزء من جهود تعزيز التعاون الخليجي المشترك، والاستعدادات المستمرة لضمان نجاح القمة المرتقبة.
من جهته، صرح اليحيا وزير الخارجية الكويتي، في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية "كونا"، بأن الدورة الـ45 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون ستناقش العديد من المواضيع المهمة، لا سيما السياسية والاقتصادية منها، منوها إلى تضمن جدول أعمال الدورة الشراكات الاستراتيجية والأمن السيبراني، بالإضافة إلى بحث استكمال الربط الكهربائي وربط السكك الحديدية بين دول المجلس.
علاقات متجذرة
وفي بيان بمناسبة القمة، أكد سعادة السيد علي بن عبدالله آل محمود سفير دولة قطر لدى دولة الكويت، أن استضافة دولة الكويت الشقيقة لهذا الحدث الخليجي الكبير تعكس أهمية العلاقات التاريخية المتجذرة والعميقة بين دول المجلس التي تسعى إلى وحدة الهدف والمصير المشترك، والعمل على تعزيز مسيرة التعاون، وتسريع عجلة التقدم والتطور في كافة الأصعدة، بما يحقق تطلعات قادة وشعوب دول الخليج، معتبرا أن أبرز التحديات التي تواجه منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الوقت الراهن تتمثل في التحديات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن دول المجلس تحرص كل الحرص على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل على الوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة وذلك من أجل إرساء دعائم الأمن والسلم في هذا الإقليم، وكذلك العمل على وقف التصعيد بين الكيان الإسرائيلي وإيران حتى لا تمتد آثاره إلى دول المنطقة.
#قنا_انفوجرافيك |
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) November 30, 2024
ملفات مهمة تتصدر جدول أعمال #القمة_الخليجية الخامسة والأربعين في #الكويت غدا #قنا #قطر #القمة_الخليجية_الـ45 https://t.co/7tZ4Kvrfzy pic.twitter.com/T3bEX24Cah
ونوه سعادته إلى التحديات الاقتصادية التي تعمل دول المجلس على التغلب عليها من خلال تنويع اقتصاداتها وتطوير بنياتها التحتية من الطرق والموانئ والمطارات وغيرها، فضلا عن التحديات التكنولوجية، وتحديات تعزيز الأمن السيبراني لدول الخليج، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة والطاقات البديلة، مبينا أنه في ظل الأجواء الحالية الإقليمية والدولية، سيعمل قادة دول مجلس التعاون على اتخاذ موقف خليجي موحد تجاه الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، والعمل على وقف التصعيد الجيوسياسي المتبادل بين إيران والكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى عدد من ملفات التعاون المشترك التي تسعى دول المجلس إلى إنجازها تعزيزا لمسيرة التعاون، وتحقيقا لآمال وتطلعات شعوب ودول المنطقة.
رؤية خادم الحرمين
وكان البيان الختامي للقمة الخليجية الرابعة والأربعين التي عقدت بالدوحة، قد أشار إلى اطلاع المجلس الأعلى على تقرير الأمانة العامة بشأن التقدم المحرز في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لتعزيز العمل الخليجي المشترك، التي جرى إقرارها في الدورة السادسة والثلاثين في ديسمبر 2015.
وأكد المجلس على التنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين، بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتنسيق المواقف بما يعزز تضامن واستقرار دول مجلس التعاون، والحفاظ على مصالحها بما يجنبها الصراعات الإقليمية والدولية، ويلبي تطلعات مواطنيها وطموحاتهم، ويعزز دورها الإقليمي والدولي من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الاستراتيجية مع المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية والدول الشقيقة والصديقة.
وأضاف البيان الختامي أن المجلس الأعلى وجه الهيئات والمجالس واللجان الوزارية والفنية، والأمانة العامة وكافة أجهزة المجلس بمضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات لتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين، وفق جدول زمني محدد ومتابعة دقيقة، وكلف المجلس الأمانة العامة برفع تقرير مفصل بهذا الشأن للدورة القادمة للمجلس الأعلى التي ستعقد بالكويت الأحد المقبل.
العمل الخليجي المشترك
وبشأن العمل الخليجي المشترك، اطلع المجلس الأعلى على ما وصلت إليه المشاورات بشأن تنفيذ قرار المجلس الأعلى في دورته الثانية والثلاثين حول مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتوجيه المجلس الأعلى بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتكليفه المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة.
وقد أكد المجلس الأعلى حرصه على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، وتحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، بما يحقق تطلعات مواطني دول المجلس، مؤكدا على وقوف دوله صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس.
واستعرض المجلس الأعلى تطورات العمل الخليجي المشترك، وأبدى ارتياحه لما تم إنجازه من خطوات لتحقيق التكامل بين دول المجلس، ووجه الأجهزة المختصة في الدول الأعضاء والأمانة العامة واللجان الوزارية والفنية بمضاعفة الجهود لاستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، والانتهاء من تحقيق السوق الخليجية المشتركة، وفق قرارات المجلس السابقة، والإسراع في تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون.
وحدة اقتصادية منشودة
وفي الأول من نوفمبر الحالي أكد السيد جاسم محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون يولون اهتماما كبيرا بالقطاع الاقتصادي والتجاري، حيث وجه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، كما وجهوا بأهمية الإسراع في تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون، واستكمال المتطلبات اللازمة لتحقيق ذلك.
جاء ذلك اللقاء التشاوري بين أصحاب المعالي والسعادة وزراء التجارة والصناعة ورؤساء مجالس الاتحادات والغرف بدول مجلس التعاون، الذي عقد بالدوحة في 31 أكتوبر 2024.
واستعرض الأمين العام للمجلس بعض الإحصائيات الخاصة بمجلس التعاون، منوها إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون بلغ في عام 2023 ما يقارب (2.1) تريليون دولار أمريكي، مما يجعلها مجتمعة في مصاف الدول المتقدمة من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي، كما بلغ إجمالي حجم التجارة البينية لدول المجلس في عام 2022 أكثر من 127 مليار دولار أمريكي، بينما بلغ اجمالي حجم التبادل التجاري (لا يشمل التجارة البينية) لدول مجلس التعاون لذات العام أكثر من (1.5) تريليون دولار أمريكي.
وقد أنجز مجلس التعاون، عبر مسيرته الممتدة لأكثر من أربعة عقود، العديد من الخطوات التاريخية التي تعزز بنيان المجلس، وترسخ أهدافه وطموحاته في وجدان أبناء الخليج، ومنها إنشاء السوق الخليجية المشتركة التي توفر فوائد عديدة تشمل ضمان انسياب السلع بين الدول بما يؤدي إلى زيادة التنافس بين المؤسسات الخليجية لصالح المستهلك، وإنشاء منطقة التجارة الحرة التي تتميز بشكل رئيسي بإعفاء منتجات دول المجلس الصناعية والزراعية ومنتجات الثروات الطبيعية من الرسوم الجمركية، حيث دخلت هذه المنطقة حيز التنفيذ في مارس 1983، واستمرت نحو عشرين عاما إلى نهاية عام 2002 حين حل محلها الاتحاد الجمركي لدول المجلس.
بطاقة الهوية الموحدة
كما أنجز مجلس التعاون، خلال مسيرته التي دخلت عقدها الخامس، مشروع بطاقة الهوية الموحدة لدول المجلس (البطاقة الذكية) التي أسهمت بتسهيل تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء، وتقليل فترة الانتظار أمام المنافذ عن طريق الدخول بواسطة البوابات الإلكترونية، كما ساعدت في انسيابية حركة العمالة الوطنية بين الدول الأعضاء.
وفي سياق محطات ومشاريع مسيرة مجلس التعاون، جاء إقرار الاستراتيجية الأمنية الشاملة لدوله الأعضاء، وكذلك الاتفاقية الأمنية لدول المجلس، كما حظي العمل العسكري المشترك باهتمام أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس منذ نشأته، ومن أبرز ما تحقق على هذا المسار إقرار اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون، والاستراتيجية الدفاعية للمجلس، وتشكيل قوات درع الجزيرة المشتركة، والقيام بالتمارين العسكرية المشتركة.
ويعتبر الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون من أهم مشروعات البنى الأساسية التي أقرها المجلس، وتشمل فوائد المشروع تخفيض الاحتياطي المطلوب بكل دولة، والتغطية المتبادلة في حالة الطوارئ، والاستفادة من الفائض، وتقليل تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية.
ويعد مجلس التعاون لاعبا اقتصاديا موثوقا على الصعيد الدولي، فهو سوق ضخمة للصادرات من جميع أنحاء العالم، كما تلعب دوله دورا متميزا في تزويد أسواق الطاقة العالمية بالنفط والغاز اللذين يعدان المحركين الرئيسيين للاقتصاد العالمي، ويشكلان قرابة ستين بالمئة من الطاقة المستهلكة على الصعيد الدولي، كما أصبحت دوله أيضا مركزا للاستثمارات والتجارة في المنطقة، وتعزز دورها كلاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي من خلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي، ومواردها الطبيعية، واعتمادها على الاقتصادات القوية.
السياسة الخارجية
وعلى صعيد السياسة الخارجية، عمل مجلس التعاون على صياغة مواقف مشتركة وموحدة تجاه القضايا السياسية التي تهم دوله الست في المجالات العربية والإقليمية والدولية، والتعامل كتجمع واحد مع العالم في إطار الأسس والمرتكزات القائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومراعاة المصالح المشتركة بما يصون مصالحها، ويعزز أمنها واستقرارها ورخاء شعوبها.
وعلى هذا المسار، نجح مجلس التعاون الخليجي في تعزيز مكانته الإقليمية، وتأكيد حضوره على الساحة الدولية، وبات شريكا فاعلا وموثوقا به لترسيخ الأمن والاستقرار حول العالم، كما سعى منذ انطلاقته إلى توسيع شراكاته وحواراته الاستراتيجية مع العديد من الدول والتجمعات والدخول في مفاوضات التجارة الحرة مع الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية تحقيقا للمصالح المشتركة، ووقعت دوله العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى حول العالم لتسهيل حركة السلع، وتعزيز التجارة البينية، وتوسيع فرص الاستثمار وتنمية العلاقات التجارية القوية.