أصبحت الوساطة وحل النزاعات بالطرق السلمية جزءا لا يتجزأ من الهوية السياسية لدولة قطر، وباتت الدوحة تعرف بأنها عاصمة الوساطة وحل النزاعات، بعد أن حققت جهودها ومساعيها في هذا المضمار إنجازات رائعة أشاد بها العديد من دول العالم ومؤسساته ذات الصلة، فقد ساهمت بشكل كبير في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في العديد من الأقاليم والمناطق مثل أفغانستان ولبنان والسودان والقرن الإفريقي وتشاد وفنزويلا وأوكرانيا.
سياسة مستقلة محايدة
وتتبنى دولة قطر في سياستها الخارجية سياسة مستقلة محايدة ومرنة قائمة على الحوار والدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، والتي تُعد أداة فاعلة لمنع الأزمات وحفظ الأمن والسلم في العالم، وذلك انسجاما مع المادة السابعة من دستور دولة قطر الدائم التي تنص على أن تكون السياسة الخارجية للدولة قائمة على مبدأ تعزيز الأمن والسلم الدوليين من خلال التشجيع على فض المنازعات بالحوار والطرق السلمية.
وقد أثبتت الوساطة القطرية ونجاحاتها المشرقة في أزمات عديدة، أن الوساطة تتيح تحويل النزاعات إلى فرص من خلال بناء جسور الحوار وتبديل الخلاف إلى تفاهم، لتصبح بذلك حجر الزاوية للسلام المستدام، وتلتزم دولة قطر في وساطتها ومساعيها الحميدة، بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، كما تؤكد الدولة على أهمية دور مجلس الأمن والمجتمع الدولي في دعم وترسيخ الوساطة والدبلوماسية الوقائية.
قطاع غزة
وخلال الأشهر الماضية من العام الجاري 2024 ظلت جهود الوساطة القطرية متواصلة على مدار الساعات والأيام خاصة في قطاع غزة، في دليل واضح على تمسك الدوحة الثابت بالتزامها بالدبلوماسية الوقائية والوساطة باعتبارهما من أكثر الوسائل فعالية لحل النزاعات.
وتعمل وساطة دولة قطر بالشراكة مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية والاحتياجات الطبية إلى أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في القطاع.
وعقب هدنة الأيام السبعة وتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، في نوفمبر من العام الماضي، استطاعت دولة قطر كذلك بالتعاون مع فرنسا، التوصل إلى اتفاق في يناير الماضي بين حماس وإسرائيل يشمل إدخال أدوية وشحنة مساعدات إنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة، خصوصا للمناطق الأكثر تضررا، مقابل إيصال الأدوية التي يحتاج إليها الأسرى الإسرائيليون في القطاع.
كما استقبلت دولة قطر، عدة دفعات من الجرحى الفلسطينيين من القطاع إلى الدوحة تمهيدا لعلاجهم، ضمن مبادرة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لعلاج 1500 فلسطيني من القطاع، كما تم إجلاء عدد من الأشقاء الفلسطينيين من حملة الإقامة القطرية من قطاع غزة والذين علقوا في القطاع جراء الحرب وتعذر خروجهم سابقا.
وفي الملف الأوكراني، أعلنت دولة قطر في إبريل الماضي، عن وصول 20 عائلة روسية وأوكرانية، من بينها 37 طفلا، إلى الدوحة تحت برنامج متكامل يهدف إلى توفير الرعاية الصحية والدعم الشامل لهذه الأسر وأطفالها، وذلك في إطار جهود وساطتها المستمرة لجمع شمل العائلات التي شتتها الصراع الروسي الأوكراني، وقد نجحت هذه الوساطة في لم شمل أعداد من الأطفال من روسيا وأوكرانيا بعائلاتهم، وفي أحدث هذه العمليات، أعلنت دولة قطر في سبتمبر الماضي، نجاح وساطتها في لم شمل أربعة عشر طفلا في أوكرانيا وروسيا مع عائلاتهم، وعبرت عن تقديرها لكل من الدولتين لتعاونهما والتزامهما بضمان سلامة وأمن هؤلاء الأطفال، وتوفير الرعاية المناسبة لهم، لافتة إلى أن تعاون الدولتين مع جهود الوساطة القطرية منذ بدايتها كان عاملا مهما في نجاح هذه العمليات.
وفي الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي، سلمت روسيا، سبعة أطفال إلى أوكرانيا للم شملهم مع أسرهم، وجرت عملية التسليم في مقر السفارة القطرية في موسكو بمشاركة سعادة الشيخ أحمد بن ناصر آل ثاني- سفير دولة قطر لدى روسيا الاتحادية وممثلين عن ماريا لفوفا بيلوفا - المفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الطفل. وجاءت هذه الخطوة بعد يوم واحد من تسليم أوكرانيا طفلين إلى روسيا في إطار عملية لم شمل الأسر، وجرت المراسم بوساطة قطرية وفي مقر سفارة قطر في موسكو.
وفي جانب آخر ساهمت جهود دولة قطر الدبلوماسية في فبراير الماضي، في إطلاق سراح مواطن نمساوي كان محتجزا في أفغانستان، وقد تلقى حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، اتصالا هاتفيا من دولة السيد كارل نيهامر المستشار الاتحادي لجمهورية النمسا، الذي قدم شكره وتقديره لسمو الأمير المفدى على جهود دولة قطر الدبلوماسية التي ساهمت في إطلاق سراح المواطن النمساوي.
وتقوم دولة قطر بدور الوساطة في العديد من النزاعات والقضايا الإقليمية والدولية منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن، وقد نجحت الوساطة القطرية خلال السنوات الأخيرة على الرغم من كل التحديات والصعوبات والتعقيدات، في وضع نهايات سعيدة لكثير من الأزمات والخلافات في المنطقة العربية والعالم، مثل إبرام هدنة في اليمن ( 2008 - 2010 )، واستضافة الحوار الوطني اللبناني، ورعاية مفاوضات دارفور وتوقيع وثيقة الدوحة للسلام في الإقليم السوداني، واستضافة المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية والتي اختُتمت بتوقيع الطرفين على اتفاق السلام، ورعاية المفاوضات بين الأطراف التشادية التي تُوجت بتوقيع اتفاقية الدوحة للسلام ومشاركة الحركات السياسية العسكرية في الحوار الوطني الشامل السيادي في تشاد، ومساعدة الصومال وكينيا على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية.
المساعدات الإنسانية
وعلى صعيد الإغاثة والعمليات الإنسانية وانطلاقا من دورها الإنساني والأخلاقي والتزاما بمسؤوليتها كشريك فاعل في المجتمع الدولي، تحرص دولة قطر دائما على الاضطلاع بدور ريادي في تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، وتواصل في هذا السياق عطاءها السخي وجهودها الحثيثة في دعم احتواء الأزمات في الدول الشقيقة والصديقة، ومد يد العون للشعوب المنكوبة دون استثناء وبلا تمييز أو مقابل، هدفها فقط تخفيف المعاناة عن المتضررين من الأزمات بشتى أنواعها حول العالم، وذلك من خلال تسيير القوافل البرية والجسور الجوية والسفن البحرية لنقل آلاف الأطنان من المساعدات الإغاثية، استجابة للظروف الطارئة والعاجلة التي تتطلب ذلك.
وتحتل دولة قطر مكانة رفيعة على خريطة العمل الإنساني والإغاثي العالمي، وأصبحت من الدول الرائدة في هذا المجال، ووفق توجيهات حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى ظلت دولة قطر ومؤسساتها وجمعياتها الخيرية والإغاثية تتقدم صفوف المبادرين ومن أوائل المستجيبين للنداءات من مناطق النزاعات والكوارث والأزمات في مشارق الأرض ومغاربها. وقد نفذت مجموعة البحث والإنقاذ الدولية التابعة لقوة الأمن الداخلي (لخويا)، بنجاح أكثر من 100 مهمة إنقاذ وإغاثة في مختلف دول العالم.
وتنهض المؤسسات القطرية وفي مقدمتها صندوق قطر للتنمية والهلال الأحمر وقطر الخيرية، بجهود الإغاثة التي استفادت منها الجهات المعنية والشعوب العربية والإسلامية والصديقة في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا وموريتانيا وأفغانستان وألبانيا وكوسوفو وناميبيا والنيجر وزامبيا وسريلانكا، كما تدعم المؤسسات الدولية المعنية بالإغاثة.
ومع استمرار تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، واصلت دولة قطر وأجهزتها المعنية تقديم مختلف المساعدات الإنسانية لأبناء القطاع، وقد سيرت جسرا جويا تضمن 116 طائرة قطرية حملت المساعدات الإغاثية العاجلة من غذاء ودواء إلى قطاع غزة، وبلغ إجمالي المساعدات المقدمة 4766 طنا، كما أعلنت في سبتمبر الماضي عن تعهد بقيمة 100 مليون دولار أمريكي سيخصص للاستجابة الإنسانية في فلسطين، إلى جانب دعم دولة قطر المستمر لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي إطار موقف دولة قطر الداعم لسوريا، ووقوفها باستمرار إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وصلت يوم الإثنين الماضي إلى مدينة غازي عنتاب التركية، رابع طائرة تابعة للقوات المسلحة القطرية تحمل مساعدات، تتضمن مواد طبية وغذائية ومستلزمات إيواء، مقدمة من صندوق قطر للتنمية، وذلك ضمن الجسر الجوي الذي تسيره دولة قطر، لإغاثة الأشقاء في الجمهورية العربية السورية الشقيقة والمساهمة في معالجة أوضاعهم الإنسانية. وأعلنت "قطر الخيرية" هذا الأسبوع عن تسيير قافلة مساعدات إنسانية لدعم الشعب السوري، تشتمل على 40 شاحنة كدفعة أولى، وذلك في إطار الإسهام في تلبية احتياجات الأشقاء السوريين الأساسية العاجلة في ظل الأوضاع الراهنة التي يعانون فيها ظروفا معيشية صعبة.
وفيما يتعلق بلبنان فقد أرسلت دولة قطر منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان 21 طائرة، تحمل مساعدات طبية ضمن الجسر الجوي الذي تسيره لدعم الأشقاء اللبنانيين. وتم تسليم أكثر من 150 طنا من المساعدات، بما في ذلك المعدات الطبية والمواد الأساسية، كما قدمت دولة قطر من خلال صندوق قطر للتنمية مساعدات للبنان، شملت دعم عمليات القوات المسلحة اللبنانية، بالإضافة إلى دعم الوقود لمستشفى (الكرنتينا) بما يساعد في استمرار الخدمات الأساسية، وذلك بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وتتعاون قطر مع فرنسا لإرسال مساعدات إنسانية مشتركة إلى لبنان.
وتضامنا مع الشعب السوداني الشقيق، ومنذ بداية الحرب بلغ إجمالي ما قدمته دولة قطر إلى السودان 86 مليون دولار، حيث تعهدت دولة قطر بمبلغ 50 مليون دولار في مؤتمر جنيف، وتعهدت بمبلغ 25 مليون دولار في مؤتمر باريس. كما سيرت دولة قطر جسرا جويا من المساعدات الإنسانية، حيث بلغ إجمالي المساعدات ضمن جهود دولة قطر للسودان 673 طنا.
وفي يونيو الماضي أكدت قطر الخيرية خلال اجتماعها السنوي، أن إجمالي ما أنفقته الجمعية كمساعدات خارجية خلال العام الماضي، بلغ أكثر من 858 مليون ريال، استفاد منها أكثر من 9.5 مليون مستفيد، كما أطلق الهلال الأحمر القطري في أكتوبر الماضي، النسخة الجديدة من حملة الشتاء الدافئ لعام ( 2024 - 2025 )، تحت شعار "دفؤهم واجب"، وتتضمن سلسلة من المشاريع والمساعدات الشتوية لتنفيذها بدعم من أهل قطر، لإعانة أكثر من 179 ألف شخص في 13 بلدا من البلدان ذات الأولوية، مثل: فلسطين، ولبنان، والسودان، واليمن، وسوريا، والصومال، وأفغانستان وبنغلاديش.