"صلوا في رحالكم .. صلوا في رحالكم"، بهذه الكلمات يختتم مؤذنو المساجد في قطاع غزة عقب رفع آذان كل صلاة من الصلوات الخمس ويرددونها ثلاث مرات، منذ تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فجر الثلاثاء الماضي، في تعبير وإشهار أن المساجد مغلقة والصلاة غير متاحة فيها.
ومع بداية العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، يعيش الفلسطينيون غصة في قلوبهم لحرمانهم للعام الثاني على التوالي من أجر الاعتكاف وقيام الليل وارتياد المساجد التي لم تسلم من القصف والتدمير طيلة أيام العدوان، حيث قضت قوات الاحتلال على أكثر من 90 بالمئة من مساجد القطاع بالتدمير والقصف والحرق.
ومع استئناف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، الذي توقف لمدة شهرين فقط بناء على اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي، عاد الاحتلال لاستهداف المنازل ومخيمات النزوح والخيام والمساجد، وحرم أهل غزة من استكمال شعائر وعبادات الشهر الفضيل سواء صلاة الجماعة، أو صلاة التراويح، واعتكاف العشر الأواخر التي وافقت الليلة الماضية أولاها، حيث دعت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينيين في غزة لإحياء سنة الاعتكاف في منازلهم وعدم التوجه إلى المساجد خوفا على حياتهم وحفظا لأراوحهم.
صلوا في بيوتكم!
وقالت الوزارة في تعميم لإدارات المساجد، قبل دخول العشر الأواخر من رمضان: "في ظل الغدر وعودة العدوان على شعبنا، وتزايد الاستهدافات للآمنين والمدنيين فإن إقامة الشعائر الدينية مطلوب بما يحقق حفظ الأنفس، وعليه فإن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية توجه أبناء شعبنا إلى إحياء ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان في البيوت حفاظا على سلامة الأرواح والأبدان".
ودعت الوزارة في تعميمها إلى "اغتنام فضل هذه الليالي المباركة لإقامة الليل وإشراك الأهل والأبناء في العبادة الجماعية وتحفيزهم للعبادة الفردية، والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بكشف الكرب ورد كيد العدو الظالم.
وللعام الثاني، يحرم الفلسطينيون في قطاع غزة من أحياء شعائر وعبادات الشهر الفضيل، حيث مر عليهم شهر رمضان العام الماضي خلال العدوان الإسرائيلي والذي استهدف الاحتلال خلاله مئات المساجد ودمر بعضها على رؤوس المصلين مرتكبا مجازر دامية بحقهم، ما دفع وزارة الأوقاف والجهات المختصة لدعوة المصلين لعدم التوجه إلى المساجد، حيث أغلقت واقتصرت الشعائر فيها على رفع الأذان فقط وعدم إقامة الصلاة جماعة.
آمال لم تتحقق!
ومع توقف العدوان عقب اتفاق وقف إطلاق النار في يناير الماضي، تجدد الأمل لدى الفلسطينيين في القطاع، أن ينعموا خلال شهر رمضان بالطاعات والعبادات، حيث قامت الجهات المختصة بتنظيف ورفع الركام من المساجد المدمرة وإتاحة المجال للصلاة فيها إلى جانب الركام والأنقاض، وأقامت وزارة الأوقاف نحو 400 مصلى مؤقت لاستقبال المصلين للصلوات العادية، تحضيرا لشهر رمضان، وإقامة شعائر الشهر الفضيل فيها، غير أن آمال المصلين بعبادة رمضانية اصطدمت بآلة القتل الإسرائيلية التي عادت بشكل مباغت لاستئناف العدوان والقصف لمنازل ومساجد الفلسطينيين في غزة موقعة عشرات الشهداء والجرحى، قبل أيام قليلة من دخول العشر الأواخر من شهر رمضان.
ويشير الدكتور منذر الغماري المدير العام للمساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة إلى أن الوزارة اضطرت وأمام تجدد العدوان الدموي قبل أيام قليلة من دخول العشر الأواخر للطلب من المصلين عبر ميكروفونات المساجد عقب كل آذان، عدم الذهاب للمساجد والصلاة في بيوتهم، واقتصرت الشعائر فيها على إقامة الآذان فقط، ، موضحا أن الأمر شمل أيضا صلاة التراويح وقيام العشر الأواخر من رمضان.
د. منذز الغماري: الاحتلال دمر خلال العدوان أكثر من 1109 مساجد من أصل 1244 مسجدا في قطاع غزة
وقال الغماري في حديث مع وكالة الأنباء القطرية"قنا"، إن الاحتلال الذي دمر خلال العدوان الإسرائيلي أكثر من 1109 مساجد من أصل1244 مسجدا في قطاع غزة، حيث لم يتوانى عن تدمير المساجد فوق رؤوس المصلين وارتكاب مجازر دموية بحقهم الأبرياء من المصلين والنساء والشيوخ المعتكفين، مضيفا "وقد حرمنا الاحتلال أجر الاعتكافات الجماعية وإقامة شعائر وعبادات شهر رمضان التي كانت تتميز بها مساجد قطاع غزة طيلة أيام الشهر الفضيل".
#قنا_انفوجرافيك |
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) March 21, 2025
العشر الأواخر من #رمضان في #غزة.. مساجد صامتة ومعتكفون تحت القصف والإبادة#قنا #فلسطين pic.twitter.com/zcfscpfNcw
ويوضح الدكتور منذر الغماري المدير العام للمساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة أن وزارة الأوقاف وبالتعاون مع إدارات المساجد في كافة مدن القطاع، كانت تعد برامج إيمانية ودعوية ودينية خاصة للعشر الأواخر من رمضان في كل عام، تشمل الدروس والمواعظ وفقرات المديح النبوي، إضافة إلى قيام الليل عقب صلاة التراويح حتى وقت السحور، مع إقبال من كل فئات المجتمع الغزي بمن فيهم النساء والأطفال، حيث تتحول ليالي العشر الأواخر من رمضان إلى ما يشبه احتفال ديني يتقرب خلاله المصلون والمعتكفون إلى الله بطلب الأجر والثواب.
قصف المساجد والمصلين
ويشير إلى أن إجرام الاحتلال وعدم تورعه عن قصف المساجد على رؤوس المصلين وارتكاب مجازر بحقهم، حرم سكان القطاع لذة وأجر العبادة الجماعية والاعتكاف وأداء الصلوات والطاعات والعبادات في المساجد التي هجرت قسرا ورغما عن إرادة الفلسطينيين.
من جانبه قال الشيخ هشام برزق مؤذن مسجد أبو خضرة وسط مدينة غزة، إنه يشعر بالحسرة والألم حين يرفع الآذان للصلوات الخمس منذ تجدد العدوان على غزة، ويختمه بعبارة "صلوا في رحالكم"، ويطلب من الناس عدم التوجه للمسجد لأداء الصلاة، مؤكدا أن وقع ذلك على نفسه وقلبه لا يوصف، لكن حماية المصلين والحفاظ على أراوحهم من أي تهلكة تدفعه للإصرار على ذلك.
الشيخ هشام برزق: الاحتلال حرمنا أجر الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان
ويضيف في حديث لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، "حرمنا الاحتلال أجر الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وقد كان مسجد أبو خضرة من المساجد الشهيرة في اعتكافات الشهر الفضيل، حيث يقبل على الصلاة فيه أعداد كبيرة من كافة مناطق قطاع غزة، نظرا لسعته الكبيرة، والخدمات المميزة التي تقدمها أسرة المسجد لراحة المصلين، والبرامج الإيمانية المتنوعة خلال فترة الاعتكاف والحرص على استضافة أفضل الدعاة والأئمة والمشايخ في قطاع غزة.
حرمان من الاعتكاف
من جانبهم عبر مواطنون عن حزنهم وألمهم جراء عدم مقدرتهم على الاعتكاف خلال العشر الأواخر من شهر رمضان بسبب العدوان والقصف الإسرائيلي، واستهداف المساجد وتدميرها.
وأضافوا أن الاحتلال حرمهم الحياة، ومنعهم حتى من التقرب إلى الله وقتل فيهم بهجة وفرحة ولذة الطاعة، صحيح أنهم يعتكفون ويصلون ويقيمون الليل في منازلهم، لكن الصلاة في المسجد خلال شهر رمضان والاعتكاف في العشر الأواخر منه تحديدا تحمل روحانية لا يضاهيها أي مكان آخر.
ويعيش الفلسطينيون في غزة شهر رمضان المبارك هذا العام، في ظروف قاهرة واستثنائية، إذ أنهم استقبلوا الشهر الفضيل في ظل مأساة إنسانية خانقة عقب توقف مؤقت لحرب الإبادة الجماعية التي شنها الكيان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 3202، غير أن هذه الاستراحة لم تدم طويلا، حيث باغت الاحتلال سكان القطاع فجر الثلاثاء الماضي باستئناف عدوانه بغارات عنيفة استهدفت المنازل والمساجد ومخيمات النازحين، وأسفرت حتى اللحظة عن استشهاد وإصابة مئات المدنيين، في وقت تقول وزارة الصحة إن حصيلة العدوان الإسرائيلي ترتفع بشكل متلاحق ومتسارع وسط تواصل للغارات الجوية المكثفة، والقصف المدفعي على أنحاء مختلفة من القطاع.