انطلاقا من حرص دولة قطر على المشاركة والتفاعل مع المؤتمرات والمنتديات الدولية، يشارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في أعمال القمة الثانية لدول مجلس التعاون لدول الخيلج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" التي تنطلق في العاصمة الماليزية "كوالا لمبور" غدا.
وينتظر أن تتناول مداولات القمة مجموعة واسعة من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، منها التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري وسبل زيادة حجم التبادل التجاري وتدفقات الاستثمار بين المنطقتين، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة، الأمن الغذائي، السياحة، التكنولوجيا، الخدمات المالية، والمعادن، وبحث الفرص المتاحة لتعميق الحوار السياسي والتشاور بين المجموعتين حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
أهمية استثنائية
وتكتسب القمة الخليجية مع دول "آسيان" أهمية استثنائية كونها تأتي بعد نجاح القمة الأولى التي استضافتها الرياض في أكتوبر 2023، والتي شكلت نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العلاقات بين المجموعتين، كما أنها تنعقد في ظل رئاسة ماليزيا لرابطة "آسيان" لعام 2025، وتبنيها لشعار "الشمولية والاستدامة"، ما يعكس تطلعها إلى تحقيق تقدم مشترك حقيقي، يضمن عدم تخلف أحد عن الركب.
وكانت القمة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي و"آسيان" قد شكلت نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات بين المجموعتين، وكانت الأولى من نوعها على مستوى قادة الدول، وعكست انفتاح دول مجلس التعاون على الشراكات مع التكتلات الاقتصادية الكبرى، حيث شكلت علامة فارقة في مسار العلاقات بين الجانبين، وكان من أبرز نتائجها اعتماد إطار التعاون بين المجموعتين للفترة (2024-2028) الذي وضع الخطوط العريضة لمجالات التعاون المستقبلي في قطاعات متنوعة تشمل الحوار السياسي والأمني، التجارة والاستثمار، والتبادل بين الشعوب.
#قنا_فيديو |
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) May 26, 2025
رابطة #آسيان.. منظمة إقليمية تسعى لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية#قنا pic.twitter.com/EwFK7wHfaB
ورحب البيان المشترك الصادر عن قمة الرياض بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة “آسيان” بانضمام جميع دول مجلس التعاون إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة جنوب شرق آسيا بناء على المصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين الجانبين.
مشاورات وتعاون
ونوه البيان بدعوة القادة المشاركين إلى تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبحثهم سبل الارتقاء وتنمية الشراكة للاستفادة من فرص النمو المتوفرة من خلال التعاون بين المنطقتين الديناميكيتين وفقا للرؤى المشتركة لمستقبل هذه الشراكة والقيم التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة.
كما حث البيان على إجراء المشاورات واستكشاف التعاون في المجالات المحددة ذات الاهتمام المشترك لتنفيذ المجالات ذات الأولوية، مثل التعاون في المجال البحري والاتصالات وأهداف التنمية المستدامة والمجال الاقتصادي وغيرها من مجالات التعاون الممكنة، حيث طالب القادة بتعزيز الروابط بين الجانبين على المستويين المتعدد الأطراف والثنائي وفي المنتديات العالمية من خلال الاستفادة من فرص التنمية المستدامة والسلام والأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات والمخاطر العالمية والإقليمية لضمان استدامة سلاسل التوريد وترابط النقل والاتصالات وتعزيز الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة؛ وكذلك تعزيز التعاون فيما يتعلق بمصادر وتقنيات الطاقة الخضراء والمتجددة والبنية التحتية للسياحة وإيجاد فرص الأعمال وتعزيز تدفقات التجارة والاستثمار.
ورحب بإطار التعاون بين مجلس التعاون والرابطة للفترة (2024 - 2028) الذي يحدد التدابير وأنشطة التعاون التي ستنفذ بين الجانبين على نحو مشترك في المجالات ذات الاهتمام المشترك بما يعود بالمنفعة المتبادلة، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني والتجارة والاستثمار والتواصل بين الشعوب والتعليم والثقافة والسياحة والإعلام والرياضة واستكشاف سبل التعاون في مجال منع ومكافحة الجريمة بما في ذلك الجريمة العابرة للحدود والجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب والتطرف، إضافة إلى تعزيز تدفقات التجارة والاستثمار مع التركيز بشكل خاص على البنية التحتية المستدامة ومصادر الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والزراعة والتصنيع والرعاية الصحية والسياحة والخدمات اللوجستية والمدن والاتصال والرقمنة.
قمة اقتصادية
وبالإضافة إلى هذه القمة الخليجية مع دول “آسيان” تستضيف ماليزيا القمة السادسة والأربعين لرابطة دول جنوب شرق آسيا، والقمة الاقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون الخليجي والصين، بمشاركة قادة الدول والحكومات وقطاع الأعمال من ثلاث من أكثر مناطق العالم حيوية (جنوب شرق آسيا والخليج والصين) والأكثر نموا اقتصاديا، خاصة أنها تضم أكثر من ملياري مستهلك، وتمثل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
قد تأسست رابطة آسيان في الثامن من أغسطس 1967، وتضم في عضويتها عشر دول هي: بروناي، كمبوديا، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، ميانمار، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، وفيتنام، وانضمت هذه الدول إلى الرابطة على مراحل مختلفة، بدءا من الدول المؤسسة الخمس في عام 1967، وانتهاء بكمبوديا التي انضمت في عام 1999، وتعتبر إندونيسيا القوة الرئيسية فيها بسبب حجمها الجغرافي والسكاني والاقتصادي، حيث لعبت دورا محوريا في تأسيسها وتطويرها، كما تستضيف مقر أمانتها العامة في العاصمة جاكرتا.
وقد نص إعلان تأسيس الرابطة على أن هدفها الرئيسي هو تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والتعليمية، بالإضافة إلى تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين من خلال احترام العدالة وسيادة القانون والالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأكد على مبادئ أساسية مثل احترام استقلالية الدول وسيادتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وعدم الاستعانة بالقوى الخارجية للتدخل في صراعات المنطقة.
أهداف بعيدة
وفي عام 1997، تبنى قادة آسيان "رؤية الآسيان 2020" التي حددت الأهداف بعيدة المدى للرابطة، وأكدت على التزامها بتحقيق التكامل الإقليمي، حيث يشمل هيكلها التنظيمي قمة "آسيان" التي تعد الهيئة العليا لصنع القرار فيها، وتتكون من رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء، وتعقد القمة اجتماعاتها مرتين سنويا، وتتولى وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات بشأن القضايا الرئيسية التي تهم الأعضاء، ومعالجة حالات الطوارئ التي تؤثر عليها، وتعيين الأمين العام.
ومجلس تنسيق طآسيان"، الذي يتألف من وزراء خارجية الدول الأعضاء، ويجتمع مرتين على الأقل سنويا، ومن مهامه تنسيق تنفيذ الاتفاقيات والقرارات الصادرة عن مؤتمرات القمة والإعداد لها، وتنسيق عمل المجالس الوزارية المختلفة، ومعالجة القضايا الطارئة التي تؤثر على الرابطة.
كما يوجد عدد من الهيئات والمجالس الوزارية المختصة بالشؤون الاقتصادية والتجارية والأمنية والثقافية والاجتماعية والزراعية ومجال الطاقة والبيئة والصحة والتعليم والعمل والسياحة وغيرها.
أما الأمين العام للرابطة، فهو أعلى مسؤول إداري فيها، يتم تعيينه من قبل قمة “آسيان” لفترة خمس سنوات غير قابلة للتجديد على أساس التناوب بين الدول الأعضاء، حيث تعتبر الأمانة العامة الجهاز الإداري الدائم للرابطة، وتتخذ قراراتها بالتوافق بين جميع الأعضاء، مما يعني أنه يمكن لأي عضو الاعتراض على قرار ما ومنع صدوره.
شراكة قوية
وتحترم الرابطة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأعضائها، مما يعني أن القرارات لا تتعلق بالقضايا الداخلية للدول، في وقت تعد “آسيان” من أكبر الشركاء التجاريين للعالم، حيث تجاوز حجم تجارتها الخارجية 4 تريليونات دولار أمريكي عام 2024، ما يمثل 8% من التجارة العالمية في السلع والخدمات، بينما تمثل تجارتها البينية 48% من قيمة تجارتها الخارجية.
وتتجه رابطة “آسيان” لتصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030 من المركز الخامس الحالي، حيث تجاوزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر فيها في عام 2023 حوالي 200 مليار دولار، وبرزت هذه الكتلة الإقليمية كأكبر متلق للاستثمار الأجنبي المباشر في المناطق النامية.
وتعد “آسيان” من أسرع المناطق الاقتصادية نموا في العالم، حيث يبلغ إجمالي عدد سكانها حوالي 690 مليون نسمة، أما أهم شركائها التجاريين فهم الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، حيث تتمتع المنطقة بموقع استراتيجي على طرق التجارة العالمية، ما يجعلها مركزا مهما للتجارة والاستثمار، فضلا عن امتلاكها ثروات طبيعية متنوعة، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن والغابات والموارد البحرية، وتتمتع بعض دولها، لا سيما ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، بميزة رئيسية في التجارة العالمية، إذ تقع على حدود مضيق “ملقا” الذي يمر عبره أكثر من ربع إجمالي حجم التجارة العالمية، بالإضافة إلى 80% من شحنات النفط القادمة من الشرق الأوسط إلى الصين واليابان.