تحتفل إذاعة قطر اليوم الأربعاء، بمرور 57 عاما على انطلاقها عبر الأثير، منارة إعلامية مضيئة في سماء الوطن، تحمل صوته إلى كل بقاع الأرض، وتنقل نبضه إلى الأجيال القادمة، ونجما متألقا في فضاء الإعلام العربي، وصوتا صادقا من قلب الدوحة إلى أقاصي الأرض حاملا معه تاريخ وحاضر ومستقبل هذا الوطن، الأرض والإنسان، وقيمه ومبادئه وتراث آبائه وأجداده الأصيل ورؤيته وأحلامه وتطلعاته نحو المستقبل المشرق.
هذا الأثير الذي انطلق في الخامس والعشرين من يونيو عام 1968 ليعلن ولادة صوت عربي جديد، بدأ أولى خطواته بساعات بث محدودة ثم نمت وازدادت مع السنين حتى بات البث على مدار الساعة، تتواصل خلاله الإذاعة في مشوارها الغني بالعطاء مع مستمعيها ومحبيها وتمضي قدما في خطط التحديث المتتالية في كافة الأقسام والكوادر بطموح لا حدود له وعزيمة لا مثيل لها.
صوت الوطن
لقد شكلت إذاعة قطر على مدى العقود الماضية صوت قطر إلى العالم ومنصة إعلامية ساهمت في ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء وإبراز القيم الأصيلة للمجتمع القطري، وقد لعبت منذ انطلاقتها ببرامجها المختلفة دورا محوريا في خدمة الوطن، وواكبت كافة الفعاليات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والرياضية في الدولة، مساهمة في تعزيز الوعي المجتمعي وترسيخ الهوية الوطنية، وكانت شاهدة على إنجازات الوطن وفعالياته وأنشطته ومبادراته في كافة المجالات والقطاعات داخليا وخارجيا، مساهمة بدور فاعل في ترسيخ الصورة الحضارية عن دولة قطر في المحافل الإقليمية والدولية، وكانت حاضرة في كل المراحل المفصلية من تاريخ الدولة ورافقت أبناء قطر في لحظات البناء والازدهار كما كانت منبرا مسؤولا في كل الأوقات والمناسبات وفية لرسالة الإعلام الواعي الملتزم.
وحرصت الإذاعة منذ انطلاقها على تقديم محتوى متنوع يلبي احتياجات جميع الأذواق، من الأخبار والبرامج الثقافية والرياضية إلى الترفيهية والدينية، كما تستخدم اللغة العربية الفصحى، مع مراعاة استخدام اللهجة القطرية، وأسهمت إذاعة قطر في تعزيز الانتماء بين مختلف شرائح المجتمع، وكان لها دور فاعل في نقل العديد من الرسائل للمواطنين، وفي رفع مستوى الوعي بين أفراد المجتمع من خلال تقديم برامج توعوية في مجالات الصحة والتعليم والبيئة.
قدمت الإذاعة برامج تستهدف الجمهور العربي، وساهمت في تعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين الدول العربية، وتوسعت إذاعة قطر في محتواها الإخباري لتشمل مختلف المجالات، مثل السياسة والاقتصاد والرياضة والثقافة، وتم إطلاق العديد من البرامج الإخبارية المتنوعة، مثل نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والتحليلات الإخبارية، كما تعاونت مع العديد من الإذاعات العربية والدولية لتبادل الأخبار والبرامج، وشاركت في العديد من المؤتمرات والفعاليات الإعلامية العربية والدولية، ونظمت العديد من المؤتمرات الدولية، وسعت لعقد لقاءات عربية مشتركة مع إذاعات الدول الشقيقة والصديقة مع كافة دول الخليج والوطن العربي ككل لمناقشة قضايا عديدة.
كما قدمت في مجال الدراما العديد من المسلسلات والمسرحيات الإذاعية التي نالت إعجاب الجمهور، حيث لعبت الدراما الإذاعية دورا هاما في نشر الوعي والتثقيف بين أفراد المجتمع، وساهمت في تعزيز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية، كما شكلت مصدرا هاما للترفيه والتسلية للمواطنين والمقيمين في قطر، وساهمت في حفظ وإحياء التراث الشعبي من خلال تسجيل وبث الأغاني والأناشيد والقصص الشعبية، ولعبت دورا هاما في دعم الفنانين والموسيقيين القطريين من خلال بث أعمالهم وتقديمهم للجمهور.
تطور مستمر
ولم تتوقف إذاعة قطر عند ما تحقق في الأعوام الماضية من نجاح ومنجزات إعلامية، بل شرعت في مسيرة متواصلة من التطور والنمو والتحديث لتواكب المستجدات الإعلامية والتكنولوجية وتعزيز دورها كمنصة إعلامية رائدة.
ومع دخول عصر التكنولوجيا الرقمية، لم تتأخر إذاعة قطر في مواكبة هذا التطور، فقد تم تطوير البنية التقنية للإذاعة بشكل شامل، وإدخال أحدث التقنيات في مجال الإنتاج الإذاعي والبث، وشمل هذا التطوير تحديث استوديوهات الإذاعة، وتطوير أنظمة التسجيل والمونتاج، وتحسين جودة البث.
وفي مطلع الألفية الجديدة، اتخذت إذاعة قطر خطوة مهمة نحو المستقبل بالانتقال إلى البث الرقمي، ولم يكن هذا الانتقال مجرد تغيير في التقنية المستخدمة، بل كان تحولا جذريا في طريقة تقديم الخدمات الإذاعية وطبيعة التفاعل مع الجمهور.
ومع انتشار الإنترنت وتطور التكنولوجيا الرقمية، أدركت إذاعة قطر أهمية التواجد في الفضاء الرقمي، فتم إطلاق موقع إلكتروني متطور للإذاعة، يوفر للمستمعين إمكانية الاستماع المباشر عبر الإنترنت، والوصول إلى أرشيف البرامج، والتفاعل مع المحتوى المقدم.
لكن الخطوة الأكثر أهمية كانت إطلاق التطبيقات الذكية لإذاعة قطر على الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، الأمر الذي مكن إذاعة قطر من الوصول إلى جمهور أوسع، حيث أصبح بإمكان أي شخص في أي مكان في العالم الاستماع إلى برامج الإذاعة عبر الإنترنت أو التطبيقات الذكية.
وفي هذا اليوم المميز، تقف الذاكرة عند محطات مهمة في مسيرة هذه المؤسسة الإعلامية الرائدة، التي بدأت بساعات قليلة من البث اليومي، وتطورت لتصبح منارة إعلامية تبث على مدار الساعة بلغات متعددة، وتصل إلى ملايين المستمعين في قطر ومنطقة الخليج العربي والعالم.
نواة الإعلام
تعود بدايات إذاعة قطر إلى عام 1965، فقد أنشئت أول إذاعة في قطر وهي (إذاعة الجامع الكبير) التي كانت تبث في أيام الجمعة والمناسبات القرآن الكريم والبرامج الدينية والأخبار وكانت النواة الأولى لإنشاء إذاعة قطر رسميا في 25 يونيو 1968.
وقد بدأت إذاعة قطر بثها على موجة متوسطة لمدة خمس ساعات باللغة العربية وعلى فترتين: صباحية لمدة ساعة ونصف، ومسائية لمدة ثلاث ساعات، ثم زاد بثها إلى تسع ساعات عام 1969 ثم إلى 13 ساعة عام 1970، وارتفع مجددا إلى تسع عشرة ساعة عام 1982 إلى أن أصبح البث على مدار الساعة عام 2002.
وفي سياق خططها الطموحة لإيصال صوت قطر للناطقين بغير اللغة العربية داخل قطر وخارجها تم إنشاء البرنامج الأجنبي باللغة الإنجليزية عام 1971، حيث بدأ الإرسال بساعة واحدة إلى أن وصل إلى تسع عشرة ساعة عام 2004.
وفي عام 1980 بدأ تقديم خدمة البث باللغة الأردية التي وجدت صدى كبيرا بين الجالية الناطقة بهذه اللغة في قطر وباقي دول الخليج العربي، حيث بدأ البث بساعة واحدة يوميا على موجات متوسطة، وفي عام 1989 امتد بثها إلى 3 ساعات.
وفي عام 1985 تم تدشين خدمة جديدة ناطقة باللغة الفرنسية والتي بدأت بثها بثلاث ساعات يوميا على الموجة المتوسطة وهي خدمة متفردة في المنطقة بكاملها، وما أن حل العام 1992 حتى قدمت إذاعة قطر لمستمعيها خدمة جديدة بإنشاء إذاعة (القرآن الكريم) والتي تهتم بالقرآن الكريم وعلومه والحديث النبوي وكتب التفسير، إضافة إلى معالجة الكثير من القضايا المعاصرة وربطها في سياقها الديني وقد وجدت ترحيبا كبيرا بين الجمهور.
وفي هذه المناسبة العزيزة على قلب كل من يقيم على هذه الأرض وعلى قلب كل إعلامي على امتداد قطر والخليج والوطن العربي لابد من التأكيد على أن الإذاعة ستبقى محتفظة برونقها وبسحرها الخاص وقدرتها الفريدة على الوصول إلى القلوب والعقول، من خلال الأصوات البشرية الدافئة والمألوفة عند جماهير المستمعين وعشاق الإذاعة ولا يمكن أن تحل محلها أي تقنية أخرى، مهما بلغت من التطور والتقدم.