أكدت الدكتورة ماري جوي بيجوزي، المدير التنفيذي لبرنامج "علّم طفلاً" التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع، أن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تمثل منصة رئيسية لإبراز قضية التعليم الشامل للأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وحشد الدعم الدولي لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، والمتعلق بضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع.
وقالت الدكتورة بيجوزي، في حوار خاص مع وكالة الأنباء القطرية “قنا” إن مشاركة دولة قطر في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تمثل فرصة استراتيجية لإبراز القضايا المتعلقة بالتعليم الشامل للأطفال المحرومين، وزيادة الوعي العالمي بأزمة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وتعزيز الشراكات مع وكالات الأمم المتحدة والحكومات والجهات المانحة، وحشد الالتزامات السياسية والمالية لدعم التعليم الأساسي، وإبراز الدور الريادي لدولة قطر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الحق في التعليم
وأوضحت أن برنامج "علّم طفلاً" انطلق عام 2012 استجابة للحاجة الملحة لعشرات الملايين من الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الابتدائي حول العالم، مشيرةً إلى أن رؤية البرنامج ترتكز على أن لكل طفل، مهما كانت ظروفه، الحق في تعليم ابتدائي جيد، قائم على العدالة والكرامة، وإتاحة الفرصة لكل طفل لتحقيق إمكاناته، وهذه الرؤية تتماشى مع الالتزامات العالمية المنصوص عليها في أهداف التنمية المستدامة، التي تعتبر التعليم حقاً من حقوق الإنسان، حيث يستهدف البرنامج بشكل رئيسي الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، الذين يواجهون عوائق متعددة، منها الفقر والصراعات والعزلة الجغرافية والإقصاء الاجتماعي.
وأضافت أن البرنامج يعمل مع شركائه لتنفيذ تدخلات مخصصة لكل سياق محلي، سواء من خلال النظم الوطنية أو المناهج المجتمعية أو أساليب التعليم البديلة، مشيرة إلى أن البرنامج تمكن منذ انطلاقه بالتعاون مع شركائه، من توفير فرص التعليم لأكثر من 14.5 مليون طفل حول العالم، مؤكدةً أن الهدف لا يقتصر على الأرقام، بل على توفير الفرص لملايين الأطفال للنمو والمساهمة في مجتمعاتهم.
د. ماري بيجوزي: برنامج "علّم طفلاً" يشكل جزءاً مباشراً من الجهود العالمية لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة
وأوضحت الدكتورة بيجوزي، في حوارها مع وكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن برنامج "علّم طفلاً" يشكل جزءاً مباشراً من الجهود العالمية لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، الذي ينص على ضمان تعليم جيد وشامل ومنصف وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، ويشمل ذلك توسيع نطاق الوصول إلى التعليم الابتدائي للأطفال الأكثر تهميشًا، بما في ذلك الأطفال من بيئات فقيرة، أو المجتمعات الريفية النائية، أو ذوي الإعاقة، وكذلك الأطفال المتأثرون بالأزمات أو النزاعات أو النزوح، والفتيات والفتيان المعرضون لخطر التسرب من المدرسة.
وأشارت إلى أن مؤسسة "التعليم فوق الجميع" تعمل مع منظمات دولية مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، والبنك الدولي، إضافة إلى الحكومات ووزارات التعليم المحلية، لتعزيز قدرة النظم التعليمية على إشراك الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وتحسين البنية التحتية والموارد التعليمية، بما يتوافق مع البند 4.أ من الهدف الرابع، الذي يدعو إلى "بناء مرافق تعليمية تراعي احتياجات الأطفال".
جودة التعليم بالبرنامج
ولفتت إلى أن البرنامج يضمن جودة التعليم من خلال تتبع التقدم التعليمي للأطفال، ودعم تطوير المعلمين، واستخدام مناهج مرنة ومتكيّفة مع السياقات المحلية، وتهيئة بيئات تعليمية آمنة وشاملة تراعي الفوارق بين الجنسين وذوي الإعاقة، وتحسين البنية التحتية. ويعزز هذا الجهد البند 4.ج للهدف الرابع، الذي يركز على "زيادة أعداد المعلمين المؤهلين، وخاصةً في البلدان النامية".
برنامج "علّم طفلاً" يعمل في البيئات الهشة ومناطق النزاع لضمان استمرار التعلم حتى في أصعب الظروف
وأكدت الدكتورة بيجوزي أن برنامج "علّم طفلاً" يعمل في البيئات الهشة ومناطق النزاع لضمان استمرار التعلم حتى في أصعب الظروف، بما يتماشى مع روح الهدف الرابع للتنمية المستدامة، الذي يشدد على عدم ترك أي طفل خلف الركب، حتى في حالات الطوارئ الإنسانية. كما يساهم البرنامج في الريادة الفكرية بشأن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، من خلال تقديم الأدلة والبيانات والتحليلات، لتأثير السياسات والممارسات التعليمية على نطاق عالمي، مع ضمان بقاء قضية الأطفال الأكثر تهميشًا على رأس الأولويات الدولية.
وقالت إنه على صعيد الإنجازات، فقد سجّل البرنامج، بالتعاون مع شركائه، تعليم أكثر من 14.5 مليون طفل من خلال أكثر من 105 مشاريع منتشرة في 57 دولة في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وشملت هذه الإنجازات ابتكار حلول تعليمية مبتكرة، مثل "المدارس العائمة" في بنغلاديش لتعليم الأطفال في المناطق المعرضة للفيضانات، واستخدام الهواتف الذكية لتقديم الدروس في المناطق النائية، إلى جانب بناء وتجديد المدارس، وإنشاء مساحات تعليمية آمنة، وتدريب المعلمين، وتطوير مواد تعليمية شاملة لتمكين جميع الأطفال، بمن فيهم ذوو الإعاقة، من التعلم في بيئات داعمة.
دعم نفسي واجتماعي
ولفتت إلى أن البرامج التعليمية التي تُنفذ بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ساهمت في التحاق أكثر من 1.6 مليون طفل لاجئ ونازح بالتعليم الابتدائي، بينما يضمن البرنامج توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في البيئات الصعبة، وتعزيز قدرة المعلمين على التعامل مع احتياجاتهم، بما يسهم في شعور الأطفال بالأمان والمشاركة الفاعلة في التعليم.
وأوضحت أن الاستدامة تشكل ركيزة أساسية لبرنامج "علّم طفلاً"، إذ تُنفذ المشاريع بالتعاون مع الحكومات لتتماشى مع خطط التعليم الوطنية، بما يضمن مسؤولية الحكومات واستمرار الأطفال في التعليم، مثل مشاريع كينيا التي ساعدت أكثر من 605,000 طفل على العودة إلى المدارس ضمن مسارات تعليمية مدمجة في النظام الوطني. كما يطبق البرنامج نموذج التمويل المشترك، بالاستثمار مع الشركاء المحليين والدوليين لتوسيع نطاق التعليم وضمان استدامة النتائج.
وحول رسالتها للجهات المانحة والشعوب التي يمكن أن تدعم المبادرات التعليمية، قالت الدكتورة بيجوزي إن رسالة برنامج "علّم طفلاً" بسيطة، وهي: "كل طفل مهم"، موضحة أن دعم التعليم ليس صدقة، بل هو عدالة واستثمار في الإمكانات البشرية يتضاعف أثرها عبر الأجيال، حيث يمنح الطفل الأدوات اللازمة لبناء مستقبل أكثر إشراقًا، ويستفيد العالم أجمع معه.
وتطرقت الدكتورة بيجوزي إلى أبرز التحديات التي تواجه التعليم الشامل، خصوصًا في ظل الأزمات العالمية، مشيرة إلى أن الفقر والكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ، والتمييز، وانعدام الأمن، والفجوة الرقمية، جميعها عوامل تعرقل الوصول إلى التعليم. ورغم ذلك، أكدت أن النهج المرن والمبتكر والمستدام يمكن أن يساعد الأطفال والشباب على تجاوز هذه العوائق، إذا توفرت الإرادة والالتزام الدولي لضمان عدم ترك أي طفل خلف الركب.
"علم طفلا" سيواصل تسجيل الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ومعالجة العوائق أمامهم
وبالنسبة لأولويات المرحلة المقبلة، أوضحت المدير التنفيذي لبرنامج "علّم طفلاً" أن البرنامج سيواصل تسجيل الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ومعالجة العوائق أمامهم، مع تعزيز أنظمة التعليم لضمان استدامة التقدم، وإبقاء المناصرة في صميم العمل لضمان بقاء تحدي الأطفال غير الملتحقين بالمدارس على رأس جدول الأعمال العالمي. كما طوّر البرنامج استراتيجية جديدة تهدف إلى "جعل نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس صفراً"، من خلال أنظمة تعليمية شاملة ومرنة، مع التركيز على مشاريع جديدة في جيبوتي وغامبيا ورواندا وزنجبار، وتعزيز تكامل البرامج الأخرى لمؤسسة التعليم فوق الجميع في مشاريع تربط التعليم بالحماية وتمكين الشباب وتغير المناخ والتنمية المستدامة.
وأكدت الدكتورة ماري جوي بيجوزي، المدير التنفيذي لبرنامج "علّم طفلاً" في ختام حوارها مع وكالة الأنباء القطرية “قنا” أن التركيز سيظل ثابتاً على الإلحاح والاستدامة، للوصول إلى الأطفال الأكثر صعوبة في الوصول إليهم والأكثر تهميشًا خارج المدرسة، مع دعم الأنظمة القادرة على التكيف والصمود لضمان عدم تخلف أي طفل عن الركب.