تبدو إيطاليا كأنها "أرنب سباق"، وهي تبدأ العمل بجواز السفر اللقاحي، قبل شهر من تعميمه في كل أوروبا في 15 يونيو/حزيران القادم، كإجراء وقائي صحي تعتمده روما ضمن السياسة العامة للاتحاد الأوروبي في الأمن الصحي، الذي يحظى بميزانية مهمة في خطة الإنعاش الاقتصادية لهذا التكتل القاري، من أجل مواجهة تداعيات وباء كورونا.
ناتج داخلي في خبر كان
لقد خلّف انتشار فيروس كوفيد-19 تداعيات اقتصادية كبيرة على دول الاتحاد الأوروبي، وكانت إيطاليا الأكثر تضررًا حسب تقارير صادرة عن معهد الإحصاء الوطني الإيطالي والمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي، حيث من المرتقب أن يحدث انخفاض كبير في نسبة الناتج المحلي الإجمالي، الذي كان متباطئا أصلا قبل انتشار الوباء، ولم تتعد 0.5% عام 2019.
وأنهت إيطاليا عام 2020 بانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.3%، وهناك أرقام أسوأ لـ4 دول في الاتحاد الأروبي، هي: إسبانيا، واليونان، ومالطا، وكرواتيا. وهو ما يؤشر -حسب قول محمد كمال الباحث في الاقتصاد السياسي، والأستاذ بمدرسة التسيير والاقتصاد بجامعة تورينو للدراسات- إلى "منحنى سلبي للغاية نحو الركود، وضعف أكثر في الدورة الاقتصادية، في إيطاليا على وجه التحديد، وباقي الدول الأوروبية الأخرى القريبة من الوضع الإيطالي".
كونتي "أرنب سباق" ودراغي "الحارس"
غير أن الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وضعا مبادرة وخطة لمواجهة ما بعد تداعيات كورونا، وكيف يمكن أن تستعيد الدول الأوروبية عافيتها الاقتصادية، وذلك في إطار مشروع صندوق التعافي/صندوق الاسترداد، الذي تم إحداثه بفضل إلحاح إيطاليا، حيث تم "تمرير -ولأول مرة- منطق التمويل المشترك المضمون لـ27 بلدا من خلال خطة الجيل القادم للاتحاد الأوروبي، ومتاح منه جزء بنسبة 70% بحلول عام 2022″، كما أوضح رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي في حوار خاص سابق مع الجزيرة نت، عقب انتزاعه اتفاق تمويل لآثار كوفيد-19 من شركائه الأوروبيين في يوليو/تموز الماضي.
وطبع مسار ولادة صندوق التعافي الكثير من التشنجات والأحداث السياسية، كانت أبرزها إسقاط حكومة كونتي الثانية مع مستهل العام الجاري، ليعوضه رجل المال ماريو دراغي، الذي يعد "بمثابة حارس المال الأوروبي في إيطاليا، خاصة أن الرجل سبق أن لعب دورا كبيرا في إنعاش اليورو سنة 2016، وعودته بقوة إلى دورة الحياة الاقتصادية، عندما كان مديرا للبنك المركزي الأوروبي"، حسب ما قاله محمد كمال في حديث للجزيرة نت.
الذي أكد أن ماريو دراغي -بوصفه رئيسا لحكومة وطنية مهمتها إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الناتجة عن وباء كورونا- أخذ "على عاتقه مهمة تصريف الأموال الممنوحة وفق آليات شفافة، إلى جانب عدد من دول الاتحاد الأوروبي المتأزمة".
خطة قريبة.. بعيدة
ويقول الباحث الاقتصادي محمد كمال إنه تم الاعتماد النهائي لميزانية صندوق التعافي في العاشر من ديسمبر /كانون الأول الماضي، والمكونة من 1824 مليار يورو لإعادة رسم أوروبا الجديدة بعد وباء كورونا، وذلك بهدف "الاتجاه أكثر نحو مسار الرقمنة، والاستدامة، والحداثة والمرونة".
أما العناصر الرئيسية التي تم الاتفاق عليها في خطة الإنعاش فتهتم بتفعيل البحث والابتكار، واعتماد التحولات الرقمية، وتكثيف القدرة على التعافي وتطوير نظام صحي مرن ومتأهب في دول الاتحاد الأوروبي.
وهذا ما يترجم "الحاجة إلى سياسة مالية منسقة على المستوى الأوروبي، وستكون هناك حاجة أيضًا إلى التعاون على مستوى المجموعة 7 والمجموعة 20″، حسب قول وزير الشؤون الأوروبية فينتشينسو أميندولا، في حوار خاص للجزيرة نت إبان إجراء مفاوضات بشأن صندوق التعافي في ربيع 2020.
وستعمل خطة الإنعاش الأوروبية على تعزيز التماسك الاجتماعي، والمساواة بين الجنسين، وتحديث السياسات الزراعية، وحماية البيئة ثم مكافحة تغير المناخ، التي أخذت نصيبا مهما من الميزانية بقيمة 30% من مجموع الميزانية العامة لصندوق التعافي.