يشهد السودان أزمة سياسية منذ فترة ليست بالقصيرة ولا تزال مستمرة، وسط مخاوف من خطورة حالة الانسداد السياسي على البلد، الذي يعاني من أزمات واضطرابات ومظاهرات شبة يومية، رغم مبادرات عديدة داخليًا وخارجيًا.
وتتواصل الاحتجاجات منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر من العام الماضي، وقضت بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ في البلاد.
ومع اندلاع احتجاجات إثر هذه القرارات، وقّع البرهان ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك اتفاقًا سياسيًا في 21 نوفمبر الماضي، عاد بموجبه الأخير إلى منصبه رئيسًا للوزراء.
ولم تهدأ الاحتجاجات في البلاد طوال الفترة الماضية، وشهدت سقوط قتلى وجرحى، وتمخضت أيضًا عن تقديم حمدوك استقالته.
محاولات للحل.. وشجب العنف
وتزامنا مع هذه الأحداث المتواصلة والمتسارعة، أعلنت فيه الأمم المتحدة عن إطلاق عملية سياسية تهدف لحلحلة الأزمة الحالية في السودان، من خلال تنظيم ورعاية حوار شامل بين كافة الأطراف، بالإضافة لاقترح قُدم من حزب الأمة السوداني عن مبادرة داخلية من 10 بنود للعبور من حالة الجمود التي أصابت الدولة.
ودعا أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة السلطات السودانية لإنهاء العنف وتوفير الأجواء الملائمة للسماح بجهود الوساطة الدولية الرامية لحل الأزمة الحالية في البلاد.
من جانبها، قالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان أصدرته في جنيف إن "التعامل الوحشي مع المحتجين يجعل وضع حقوق الإنسان في السودان مصدر قلق بالغ".
وأشار البيان إلى أن المتظاهرين في السودان يتعرضون للفتل بشكل شبه يومي على أيدي قوات الأمن.
وتعيش العاصمة الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى حالة من الشلل الجزئي، حيث أغلقت معظم المدارس والجامعات، وتوقفت حركة الأسواق والمؤسسات جزئيًا استجابة لدعوات العصيان المدني التي نفذها أكثر من 20 تنظيمًا مهنيًا.
مبادرة الأمم المتحدة
وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، إنه يعكف على إجراء مشاورات مع الشركاء السودانيين والدوليين تهدف إلى دعم أصحاب المصلحة السودانيين للاتفاق.
وأوضح بيرتس، في بيان صدر مؤخرًا، أن الهدف من الخطوة هو الخروج من الأزمة السياسية الحالية والاتفاق على مسار مستدام للمضي قدما نحو الديمقراطية والسلام.
وشملت مبادرة الأمم المتحدة 7 نقاط كمسار للعملية التشاورية التي تهدف إلى حل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد والعبور بالفترة الانتقالية.
ومن بين نقاط المبادرة الأممية "تعويل المنظمة الدولية على التعاون الكامل من قبل جميع الأطراف، ولا سيما السلطات، لتهيئة مناخ ملائم لهذه المشاورات.
ويشمل ذلك الإنهاء الفوري لاستخدام العنف ضدّ المتظاهرين السلميين ومحاسبة مرتكبي هذا العنف والحفاظ على حقوق الإنسان للشعب السوداني وحمايتها".
وفي سياق متصل، قال الممثل الأعلى ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيف بوريل، في بيان إن الدعوات التي وجهها الاتحاد الأوروبي للسلطات السودانية والمطالبة بوقف العنف لم تجد "آذنا صاغية".
وقال إن السلطات العسكرية في السودان حدت من حرية التعبير وحرية التجمع بعد الإجراءات التي اتخذها الجيش في الـ25 من أكتوبر.
وأضاف البيان "السلطات العسكرية في السودان تؤكد من خلال الاستخدام المشوه للقوة والاحتجاز المستمر للمدنيين؛ عدم استعدادها لإيجاد حل تفاوضي وسلمي للأزمة الحالية مما يضع السودان على طريق خطير بعيدًا عن السلام والاستقرار".
خريطة طريق
من جانبه، دعا الاتحاد الإفريقي جميع الفرقاء في السودان لوضع رؤية وخطة موحدة تشكل خريطة طريق للفترة المقبلة.
وتسلم رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، رسالة خطية من رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، تتعلق برؤية الاتحاد حول التطورات السياسية بالسودان، وسبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد.
وأكد المبعوث الإفريقي، مفوض السلم والأمن، أديوي بانكولي، الذي سلّم الرسالة، في تصريح صحفي، استعداد الاتحاد الإفريقي لدعم التوافق السياسي بين كافة الأطراف السياسية من أجل تحقيق الانتقال السياسي بالسودان وتحديد خارطة طريق.
ولفت بانكولي إلى التزام الاتحاد الإفريقي، بالتشاور مع الحكومة وأصحاب المصلحة وكافة المكونات المجتمعية، للوصول إلى حل سياسي سلمي قابل للتنفيذ.
انتخابات في 2023
من جانبه، اعتبر حزب الأمة السوداني أن حل الأزمة الحالية يكمن في استعادة الانتقال إلى مساره وأهدافه المنشودة عبر جملة خطوات بينها مراجعة البرنامج الكبير المستهدف إنجازه خلال الفترة الانتقالية، وفقا للتجارب الدولية والمحلية.
ودعا الحزب، في بيان له، إلى إلغاء المادة رقم واحد في الوثيقة الدستورية والعودة إلى دستور 2005 بعد حذف 52 تعديلا أجراها عليه نظام عمر البشير المعزول.
وتشمل مبادرة حزب الأمة "تشكيل حكومة انتقالية وفق برنامج محدد وواقعي من كفاءات خدمت في الخدمة المدنية، وتعيين الأجهزة العدلية خاصة المحكمة الدستورية والمفوضيات".
حزب الأمة أكد أيضًا أن "المخرج الآمن للسودان يكمن في إعلان انتخابات رئاسية وبرلمانية قومية في البلاد في مطلع العام المقبل 2023".
اجتماع في الرياض
وفي إطار المحاولات لحل الأزمة القائمة في الخرطوم، عقد ممثلو دول أصدقاء السودان في مقر وزارة الخارجية بالرياض، اجتماعًا لمناقشة الجهود المشتركة لدعم استقرار وازدهار السودان، بحضور ممثلين من كل من الإمارات، وأمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، وجمهورية فرنسا، والسويد، والنرويج، بالإضافة إلى المسؤولين المعنيين من منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
وناقش الاجتماع سبل تعزيز التنسيق المشترك لدعم كل الجهود التي تضمن الانتقال السلمي السياسي في السودان، بالإضافة إلى دعم جهود بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في جمهورية السودان.
حكم مدني خالص
بدورها، قالت لجان المقاومة السودانية، إنها أكدت لبعثة الأمم المتحدة "تمسكها بحكم مدني خالص"، مشددة على "عدم جدوى الوثيقة الدستورية كإطار دستوري حاكم للانتقال".
وأضافت لجان المقاومة السودانية في بيان: "اجتمع عدد من ممثلي تنسيقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم، السبت، مع ممثلي المكتب السياسي لبعثة (يونيتامس) التابعة للأمم المتحدة، تحت مظلة المشاورات السياسية في السودان، واستجابة لدعوة الأمم المتحدة بمبادرتها للتشاور مع مكونات المجتمع السوداني".
وأوضحت أن البعثة قالت إن "مساعيها تتمثل في إدارة حوار لجوانب الأزمة، وإنها فقط تستطيع المساعدة عن طريق حشد دعم الأطراف الدولية كالأمم المتحدة ودول أصدقاء السودان والدول الأخرى، وتقريب وجهات النظر واستخدام أدوات الضغط".