إذا كانت نهائيات بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 التي تقام منافساتها حالياً، قد حملت أكبر إنجاز في تاريخ العرب بتأهل المنتخب المغربي إلى الدور ربع النهائي إثر تفوقه على نظيره الإسباني بركلات الترجيح (3 - صفر)، فإن المدرب وليد الركراكي هو عقل هذا الإنجاز.
فالمغرب تحت قيادة الركراكي تحوّل من منتخب مُهلل ودّع الدور ربع النهائي من أمم إفريقيا، وخدمه الحظ بخوض تصفيات المونديال كاملة على أرضه قبل أن يتخطى الكونغو الديمقراطية في الدور الحاسم مع البوسني وحيد خليلوزيتش، تحوّل إلى واحد من أفضل المنتخبات التي تقدّم مستويات فنية سواء على مستوى الدفاع والهجوم خلال مونديال قطر.
مستويات غير مُرضية
إقالة "خليلوزيتش" وتعيين "الركراكي" البالغ من العمر 47 عاماً، لقيادة مهمة تدريب المنتخب المغربي قبل أقل من ثلاثة أشهر على انطلاق المونديال كان قراراً يحمل في طيّاته الكثير من المخاطر، إلا أن الاتحاد المغربي تحمّل مسؤولية قراره، الذي وصفه عشّاق الكرة المغربية بمثابة عودة الأمل لهذا الجيل من اللاعبين المغاربة لصناعة تاريخ جديد لأنفسهم وللكرة المغربية.
وأجمع المغاربة على صحة قرار إقالة خليلوزيتش في ظل ما كان يقدّمه المنتخب تحت قيادته من مستويات غير مُرضية، وأبدوا تفاؤلهم بتولي الركراكي المهمة بناءً على إنجازاته مع فريق الوداد، الأمر الذي ظهر في الدعم والمُساندة الإعلامية الكبيرة للمنتخب، فضلاً عن الإقبال الكبير من المغاربة على السفر إلى الدوحة لدعم ومساندة منتخب بلادهم.
أفضل القرارات
ويعتبر الإعلامي المغربي "إدريس التزرني" أن قرار إقالة البوسني خليلوزيتش وتعيين الركراكي كان أفضل القرارات التي اتخذها الاتحاد المغربي لكرة القدم في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن هذا القرار لقي ترحيباً كبيراً من جميع الجماهير المغربية التي تثق في إمكانات المدربين الوطنيين وقدراتهم على التعامل مع اللاعبين وتجميعهم في مثل هذه المواقف.
ويقول التزرني، لوكالة الأنباء القطرية "قنا": إن الجماهير المغربية كانت على ثقة في قدرات المنتخب على الذهاب بعيداً في المونديال، وهو ما ظهر في الحجوزات الضحمة للجماهير للذهاب إلى الدوحة لمساندة "أسود الأطلس".
وأضاف: إن المغرب تأهل إلى المونديال منذ نهاية مارس الماضي، ولكن الجماهير كانت غير مقتنعة تماماً بالمدرب البوسني خليلوزيتش، معتبراً أن تولي الركراكي المهمة منح الآمال للكثيرين على تقديم مونديال مشرّف والدفاع عن الكرة المغربية في كأس العالم FIFA قطر 2022.
أسرة واحدة
ومنذ اللحظة الأولى للمدرب وليد الركراكي مع المغرب عمل على اختيار التشكيلة الأساسية للمنتخب من بين عشرات اللاعبين المميزين، فاستقر على 26 لاعباً من أبرز المحترفين في أكبر الدوريات العالمية، وحرص على التقريب بينهم وتهيئتهم نفسياً، حتى باتوا كالأسرة الواحدة، وهو ما يظهر جلياً في كل مباراة، سواء من يشارك أساسياً أو يجلس على مقاعد الاحتياط.
الخروج من الدور الأول في مجموعة ضمّت بلجيكا وكرواتيا وكندا، كان أمراً شبه متوقع للمغرب ومدربه الركراكي، لكن المغرب تعادل مع كرواتيا وصيفة المونديال قبل أربع سنوات في روسيا، بعدها تفوق وحقق فوزاً غير متوقع على بلجيكا بهدفين نظيفين، ثم واصل المسيرة وحقق فوزه الثاني توالياً في نهائيات كأس العالم على حساب كندا (2 - 1) في ختام دور المجموعات، ليحجز موقعه في صدارة المجموعة السادسة.
لم يكن المغرب الذي كرّر إنجازه بالتأهل إلى الدور الثاني للمرة الثانية في تاريخه بعد مونديال المكسيك 1986، يحلم بأكثر من ذلك، خاصة في ظل الاصطدام بمنتخب إسبانيا أحد المنتخبات المرشّحة للقب، إلا أنه واصل الحلم مستعيناً بتصريح مدربه الشهير "لِمَ لا يحلم المغرب بلقب كأس العالم، على الأفارقة يحلمون بحصد اللقب العالمي"، حتى وصلت إلى الدور ربع النهائي ليجد نفسه أمام مهمة جديدة وحلم جديد.
اعتقد الجميع أن تأهل المنتخب المغربي إلى الدور ثمن النهائي بتصدّر مجموعته أمام كرواتيا كان مفاجأة التصفيات، لكن المدرب الركراكي المحنّك أعدّ منتخبه جيداً للنهائيات معتمداً أسلوباً دفاعياً محكماً تحطّمت عنده هجمات المنتخبات المنافسة وأبرزها المنتخب البلجيكي صاحب المرتبة الثالثة عالمياً، ضحية المغرب في دور المجموعات.
موضوعية الركراكي
ومنذ المباراة الأولى التي تعادل فيها المغرب مع كرواتيا، وضح أن الركراكي أوعز إلى لاعبيه بإحكام إغلاق المنافذ المؤدية إلى مرماهم تماماً، فطبّقوا الخطة جيداً من دون أخطاء فادحة، كما تميّزت خطة المدرب المغربي بالضغط على حامل الكرة في منتصف الملعب، ما أفقد المنتخبات الأخرى توازنها وأفقدها الكثير من الأفكار الهجومية.
وكانت موضوعية الركراكي عاملاً مهماً في مباريات المنتخب المغربي وكأنه كان يكتفي بإنجاز كل مباراة، ويترك نتيجة المباراة المقبلة لما يتحقق على أرض الملعب، ورفعت هذه السياسة من معنويات اللاعبين، وزادت ثقتهم في قدراتهم وفي أنفسهم، فخاضوا المباريات بثقة عالية وأعصاب هادئة، الأمر الذي ظهر في تميز ودقة التمريرات والتمركز الصحيح، خاصة في الأوضاع الدفاعية، ونادراً ما منحوا الكرة إلى الخصم عن طريق الخطأ، وخير دليل على ذلك أن المغرب لم يُمن مرماه طوال أربع مباريات إلا بهدف وحيد جاء بنيران صديقة عبر المدافع المغربي نايف أكرد خلال مباراة كندا.
وركّز الركراكي كثيراً على عدم ترك المنتخبات الأخرى تنفّذ خططها، خاصة الهجومية على أرضية الملعب، ونجحت سياسته بصورة كبيرة في جميع المباريات في ظل امتلاكه لمجموعة مميزة من اللاعبين نفّذوا تعليماته جيداً وكانوا على قدر المسؤولية من مباراة إلى أخرى، مؤكدين أنهم يستحقون البلوغ إلى أبعد نقطة في مونديال قطر.
ورغم أن الفترة التي قضاها الركراكي من القوام الأساسي لمنتخب المغرب في مونديال قطر، لم تكن طويلة إلا أن فلسفته التدريبية ترسّخت سريعاً في أذهان اللاعبين تدريجياً، حيث فرض الانضباط والتنظيم داخل صفوف المنتخب، فحقق ثلاثة انتصارات مُتتالية كأفضل إنجاز عربي في تاريخ المونديال، وذلك بفضل النظام والانضباط والعمل بروح الفريق الواحد فقط.
وبعد مشوار طويل وحافل في الملاعب الأوروبية، بدأ الركراكي مشواره التدريبي بمنصب مساعد لرشيد الطاوسي مدرب المنتخب المغربي عام 2012، بعدها تولى تدريب نادي الفتح الرياضي الرباطي من 2014 حتى 2019 في أول تجربة له كمدرب، وفاز معه بلقب كأس العرش عام 2014، والدوري المغربي عام 2016، ثم تولى تدريب الدحيل القطري عام 2020 وحصل معه على لقب دوري المحترفين.
وفي عام 2021 تعاقد الركراكي مع الوداد الرياضي المغربي، وقاده للفوز بلقب دوري الأبطال إفريقيا، ولقب الدوري المغربي، وهي الإنجازات التي جعلت الاتحاد المغربي يثق في قدراته ويمنحه فرصة قيادة المنتخب المغربي في مونديال قطر، ليُصبح المغربي الـ14 الذي يتولى قيادة منتخب بلاده منذ عام 1957.
ورغم أن الركراكي خلال تواجده ضمن صفوف المنتخب المغربي لم ينل شرف تمثيل بلاده في نهائيات كأس العالم، إلا أنه أبدى فخره بتواجده على رأس القيادة الفنية لهذا الجيل، وتمكّنه من صناعة جديد لكرة القدم المغربية خلال مونديال قطر.
المصدر: قنا