منتخب "السامبا" بين تنفس الكرة وعشق الموسيقى والأدب والتراث

2022/11/23
منتخب البرازيل
منتخب البرازيل

 "السامبا".. اللقب الذي عرف به منتخب البرازيل لكرة القدم، مأخوذ من أحد أنواع الموسيقى المسجلة على قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم "اليونسكو" والتي تعبر عن جانب مهم من تاريخ وثقافة هذا البلد.

و"منتخب السامبا" واحد من المنتخبات المنافسة على إحراز اللقب والفوز للمرة السادسة بالبطولة في نسخة كأس العالم FIFA قطر 2022، فهو صاحب الرقم القياسي في عدد مرات التتويج، حيث حصل على البطولة (5 مرات) في: السويد 1958، وتشيلي 1962، والمكسيك 1970، وأمريكا 1994، وكوريا الجنوبية واليابان 2002، ويتنافس في كأس العالم في قطر ضمن المجموعة السابعة، مع منتخبات: صربيا وسويسرا والكاميرون.

كما أن منتخب السامبا لم يغب عن جميع نسخ كأس العالم، ما يظهر اهتمام البرازيل بثقافة كرة القدم وممارستها شعبيا حتى يقال إن "البرازيلي يتنفس الكرة"، وقدمت للكرة العالمية العديد من الأسماء اللامعة لعل أهمهم أسطورة الكرة "بيليه" الذي اختاره الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" كأفضل لاعب في القرن العشرين.

وإذا كانت البرازيل بلاد كرة القدم بلا منازع في ضوء تاريخها وإنجازاتها في اللعبة، إلا أن هذا البلد اللاتيني البالغ عدد سكانه أكثر من 214 مليون نسمة يتميز كذلك بتنوعه الديني والثقافي الكبير، وفيه نحو 60 بالمئة من غابات الأمازون التي تعد الأكبر على مستوى العالم، فضلا عن تاريخه العريق الممتد لقرون.

يرجع تاريخ البرازيل إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما اكتشفت هذه الأرض على أيدي الأوروبيين لتظل جزءا من الإمبراطورية البرتغالية، ولتتوسع البلاد جنوبا على طول الساحل وغربا على طول الأمازون والأنهار الداخلية الأخرى حتى تم الانتهاء من تحديد حدود البلاد في أوائل القرن العشرين، وقد أطلق عليها اسم البرازيل نسبة إلى جامعي الأخشاب الحمراء التي تشبه لون النار إذا ما تعرضت للشمس اكتسبت لون الجمر، ومنه جاءت كلمة البرازيل (Brasileiros).

وتعد "السامبا"، التي أضحت لقبا للمنتخب البرازيلي، أهم أشكال الموسيقى في البلاد، وهي ذات جذور إفريقية، وتعرف بها البرازيل في جميع أنحاء العالم ومن ثم جاء الاعتراف بها كتراث ثقافي غير مادي من قبل "اليونسكو" عام 2005، وإلى جانبها تحفل البلاد بأنواع شتى من الموسيقى المتأثرة بالأشكال الإفريقية والأوروبية والأمريكية والهندية، كما طورت الموسيقى البرازيلية بعض الأساليب الفريدة والأصلية، إلى جانب تطوير الأنماط الموسيقية الأجنبية.

والموسيقى هي صورة حية متطورة تعكس جانبا من التقاليد العريقة لهذا البلد، وإلى جانبها طور البرازيليون فنونا أدبية متميزة، في ضوء الاهتمام الأكبر بالأدب الذي بدأ بوصف بعض العجائب على الأرض الجديدة، ليستمر هذا النوع من "الأدب الوصفي" خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويعد جوسي أنشينتا الأب الروحي لهذا الأدب الذي مر بالعديد من المراحل التاريخية، فطوال سنواته الأولى، اتبع الأدب البرازيلي الاتجاهات الأدبية للبرتغال، في حين تحول تدريجيا إلى لغة مختلفة وأصيلة في أسلوب الكتابة على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين، والبحث عن موضوعات محلية حقيقية واستخدام الأشكال البرازيلية التي تعكس تنوعا ثقافيا مدهشا بالنظر إلى تاريخ هذا البلد.

;as.jfif
 

ومن يتعمق في تاريخ البرازيل يجد انعكاس التراكيب والتنوع الثقافي للمجتمع هناك، فهو خليط من المستوطنين الأوروبيين السابقين، والأفارقة والشعوب الأمريكية الأصلية، في فسيفساء التأثيرات والتجارب التي تدخل في نشر القصص في البلاد، وهو ما ساهم في تطور الأدب البرازيلي بشكل كبير، وظهور عدد من الكتاب، ومن أهمهم: ماتشادو دي أسيس 1839م- 1908م، ويعد من مؤسسي الأدب البرازيلي، وإقليدس دا كونها، وخورخي أمادو، الذي تعد أعماله من كلاسيكيات الأدب البرازيلي المعاصر، إلى جانب الأديب العالمي الشهير باولو كويلو صاحب رواية "الخيميائي" الشهيرة والتي تمت ترجمتها إلى 80 لغة ووصلت مبيعاتها إلى 150 مليون نسخة في جميع انحاء العالم.

والبرازيل لها تاريخ عريق في فن المسرح منذ القرن السادس عشر وقد بدأ لأغراض دينية، ثم جمع بين الطقوس الاحتفالية والرقصات المحلية، ليتطور فيما بعد وتتحول العروض المسرحية إلى كوميدية يتم تقديمها في الحفلات الدينية أو الوطنية، متأثرا بالمسرح الإسباني، فظهر جيل من الكتاب مثل: مانويل بوتيلو دي أوليفيرا (1636-1711)، أول كاتب مسرحي برازيلي.

وعلى الرغم من تأثر المسرح البرازيلي برواد المسرح الفرنسي مثل موليير وفولتير، وغيرهما؛ فقد برزت أسماء برازيلية كبيرة في هذا المجال مثل: لويس بينتو ألفيس، والكسندر دي غوسماو، وكلاوديو مانويل دا كوستا.

ولم يستقر المسرح البرازيلي إلا عند منتصف القرن التاسع عشر مع ازدهار الحركة الأدبية الرومانسية، وتعتبر مسرحية "بويتا إنكيسيساو" التي ألفها غونسالفيس دى ماغالهايز (1811-1882) وأخرجها جواو كايتانو (1808-1863)، وعرضت في 13 مارس 1838، اللبنة الأساسية لانطلاق "مسرح برازيلي، ليصبح المسرح في القرن العشرين أداة للتعبير الحر، ثم تراجع بعد ظهور التليفزيون، ليستعيد المسرح البرازيلي حاليا بريقه بفضل جهود تونيا كاريرو والعديد من الفنانين الآخرين، الذين كرسوا حياتهم، لهذا الفن.

ويُولي الشعب البرازيلي لهذه الفنون أهميّة كبيرة، إذ تتميّز المدن البرازيلية بتطوّرها الخاص في هذه المجالات مع المُحافظة على الفنون التاريخية القديمة كرقصة السامبا، والفانك الحديثة، والرقصات الإفريقية القديمة، فيظهر الرقص الشعبي في فنون الدفاع عن النفس والتي يتمّ عرضها في معارض "الكابويرا" التي يتمّ تجهيزها بالمدرّجات والإيقاعات الموسيقية اللافتة.

ويكون الاهتمام بهذه الفنون خاصة في المهرجانات الشعبية التي تقام على مدار العام ومن أبرزها مهرجان "بارينتينس" الفولكلوري، فيما يُعد احتفال "الكرنفال" واحدًا من الأحداث الشعبيّة الكبيرة في البرازيل، ويحدث في منتصف شهر فبراير وأحيانًا في مارس، ويتضمّن مجموعة من الفعاليات في أنحاء مختلفة من البلاد.

كما اهتمت البرازيل تاريخيًا بالفنون والعمارة والنحت والتصوير والتشكيل وغيرها من الفنون البصرية، ولكن في البداية تأثر الفن البرازيلي بالبرتغالي ولكن مع خصوصية تستند إلى وحدة الأسلوب مع التنوع، ما أضفى على الفن البرازيلي رونقه وجماله.

وكان الاهتمام بالعمارة التي تأثرت بالنواحي الدينية فظهرت في التوجّهات المعمارية المُختلفة وتطويرها، لتشهد البرازيل في القرن العشرين انفتاحًا متميزًا على التوجّهات المعمارية الطليعية، لتزدهر الفنون كافة في البرازيل، ويتوالى الدعم الحكومي الرسمي للمعماريين مثل: كارلوس لياو، وخورخي ماشادو، ومورييرا، وألفونسو ريدي (1909- 1963) الذي صمّم ونفّذ متحف ريو للفن الحديث.

ولم يبلغ فن التصوير ما بلغته فنون العمارة والنحت من تطور ومكانة، لكن برز العديد من الفنانين البارعين في التصوير والذين يمثلون توجّهات القرن السابع عشر مثل فرانس بوست، وزاكاريا فاغنر وغيرهما ممن نقلوا الحياة الشعبية والمناظر الطبيعية في البرازيل.

ومع التطور المستمر تظهر أجيال جديدة من الفنانين، ولعل من أهم مصوري القرن العشرين في البرازيل: المصور كانديدو بورتيناري (1903- 1962)، الذي نفّذ أعمالاً فنية جمع فيها التأثير الأوروبي والجمالية المحلية ذات الأصول المكسيكية مثل لوحة الحرب والسلام، اللوحة الجدارية الضخمة التي نفّذها لمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.

وعلى صعيد المواقع الأثرية، تحفل البرازيل بكثير من المعالم السياحية والأثرية والمتاحف المتنوعة ولديها 24 موقعًا ثقافيًا وطبيعيًا على قائمة التراث العالمي لليونسكو، ما يعكس تاريخ البلد وتنوعه الثقافي والحضاري.

ومن أبرز المتاحف البرازيلية المتحف الوطني ويقع بمدينة ريو دي جانيرو، وهو أقدم مؤسسة علمية هناك، وواحد من أكبر متاحف التاريخ الطبيعي وعلم الأعراق في الأمريكيتين، ويضم أكثر من 20 مليون قطعة، تعد واحدة من أهم سجلات العينات المتعلقة بالعلوم الطبيعية وعلم الأعراق في البلاد، فضلاً عن عدد ضخم من المعروضات مختلفة المنشأ من النباتات والمنتجة من ثقافات مختلفة وحضارات قديمة.

كما يُعد "متحف الغد" للعلوم في منطقة ميناء ريو دي جانيرو الأحدث في المدينة؛ إذ افتُتِح عام 2015، ويهدف إلى استكشاف وتصوّر الإمكانيات التي يمكن تطويرها في المستقبل، ويمزج هذا المتحف المُعقّد والآسر بين العلم والتصميم المبتكر للتركيز على المدن المستدامة.

ويُعتبر المطبخ البرازيلي مزيجًا من الأطعمة الأصلية والبرتغالية والإفريقية، وهو نابض بالحياة وملون مثل الكرنفال، ومن أهم أطباقه الشعبية: فيجوادا، وبيكانها، وفاتابا وهو هريس مصنوع من القريدس والخبز المنقوع في حليب جوز الهند والفول السوداني والبصل والزنجبيل والملح والفلفل والكزبرة.. وأكارايا وغيرها.

هذه الألوان من الثقافة والفن وتقاليد الطعام البرازيلية العريقة كانت في ضيافة متاحف قطر التي نظّمت العام الثقافي (قطر- البرازيل) في عام 2014 وتضمّن العديد من الفعاليات المتنوعة في كلا البلدين، مع التركيز على الثقافة والمجتمع والرياضة.

المصدر: قنا

الكلمات الدلالية