دولار أمريكي 3.63ريال
جنيه إسترليني 4.61ريال
يورو 3.85ريال

المجالس.. مدارس للعادات والتقاليد القطرية

05/04/2022 الساعة 20:48 (بتوقيت الدوحة)
ع
ع
وضع القراءة

مع دخول شهر رمضان المبارك، عادت الحياة مرة أخرى إلى مجالس أهل قطر، تلك المجالس التي تعكس كرم الضيافة وفتح الأبواب للجميع من بعد صلاة التراويح وحتى قبل موعد السحور.

وتعد مجالس أهل قطر ملتقى يجتمع فيه الأقارب والأصدقاء للسمر وتبادل أطراف الحديث، كما تعتبر مدارس نشأت فيها الأجيال، وتعلمت منها وتناقلت العادات والتقاليد، وحافظت على الثقافة القطرية والهوية الوطنية.

تراث تناقلته الأجيال

ولا شك في أن المجالس تراث تناقلته الأجيال وحافظت عليه، ولم يتنقل شكل المبنى فقط بل طبيعة أهله أيضًا.. ففي المجلس يُنْصِت الصغير للكبير، ويتعلم الصغار كيفية دخول هذا الفضاء المهيب، والبدء بالسلام الذي يعد تنبيها لدخوله، ومن ثم يخرج "راعي المجلس" لاستقبال ضيفه بالترحيب الحار الذي يزيد السرور لدى كل وافد على المكان.. وبمرور العقود بات المجلس يمثل سمة أساسية في الحياة القطرية، نظرا لقربه من المنازل، وهو عبارة عن غرف منفصلة تسمح للزوار بالاجتماع بعيدًا عن المساحات الأكثر خصوصية.

ويعد تقديم القهوة العربية عادة أساسية في المجالس القطرية والخليجية، لاسيما أنها الطقس الأول الذي يقدم للضيف عند قدومه إلى المجلس.. وهناك العديد من العادات والتقاليد الأخرى التي لا يمكن تجاهلها خلال الوجود داخل هذا المكان "الاستثنائي" و"العربي الأصيل".

دور اجتماعي

وفي هذا السياق، أكد السيد صالح غريب، الباحث في التراث، الدور الاجتماعي الكبير الذي تلعبه المجالس القطرية في حياة الأهالي والعائلات، موضحًا أن المجالس مثلت منذ ظهورها على مر السنوات فضاء لالتقاء الأهل والأصدقاء والمعارف لمناقشة المواضيع الاجتماعية، أو قضايا الشأن العام في المنطقة التي توجد فيها المجالس، أو في عموم الدولة، حتى بات منبرًا للنقاش والسجال وتلاقح الأفكار.

ولفت غريب إلى أن التوافد على المجالس يزداد في شهر رمضان لطبيعة هذا الشهر الفضيل، وخصائصه الدينية والاجتماعية القائمة على زيادة التقارب والتآلف بين الناس، وللدور الكبير الذي ظلت تشكله عبر التاريخ في التقاء الأفراد لقراءة القرآن والسمر وتناول وجبة السحور الرمضانية المعروفة بـ"الغبقة"، مشددًا على القيمة المضاعفة للمجالس قبل اكتشاف وسائل التواصل الحديثة، وخلال العقود الأخيرة.

وأوضح أن المجالس ظلت منذ ظهورها فضاءات للتعلم ومصدرًا للأخبار والنقاشات، لافتا إلى أنها تلعب دورا دينيا مهما خلال شهر رمضان من خلال قراءة القرآن على امتداد الشهر وختمه في نهايته.

جميع الفئات العمرية

وأضاف الباحث في التراث أن التوافد عليها عادة ما يكون في الفترة الزمنية التي تلي نهاية صلوات التراويح وحتى ساعة متأخرة من الليل قبل السحور، موضحًا أن هذه المجالس مفتوحة أمام جميع الفئات العمرية للمجتمع القطري، ولا يقتصر الحضور فيها على كبار السن، بل يشمل الصغار الذين يهرعون للنهل من تجارب الآباء والأجداد.

وقال السيد صالح غريب، إن أولياء الأمور يحرصون على اصطحاب أبنائهم للمجالس للتعلم من كبار السن آداب الجلوس والحديث وطرق المشاركة في النقاشات العامة والحفاظ على التراث والتقاليد القطرية، إلى جانب طرق "صب القهوة" التي تبدأ دائما من يمين إلى يسار مجموعة الجالسين.

ومن جهته، قال السيد محمد العمادي، باحث اجتماعي، إنه بعد انقطاع عن المجالس بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى إغلاق هذا الفضاءات لعامين متتالين، عادت مجالس أهل قطر لتستقبل ضيوفها هذا العام من بعد صلاة التراويح وحتى موعد السحور، معتبرا أن عودتها تعد مؤشرًا عن عودة الحياة مرة أخرى بكافة تفاصيلها بعد أن قلصت جائحة كورونا "كوفيد-19" من انسيابيتها، لتعود المجالس لاستقبال ضيوفها على مدار العام، وسط ازدياد الإقبال عليها مع دخول الشهر المبارك الذي يحرص فيه أهل قطر على التواجد بمجالسهم وتبادل الزيارات والعزائم فيما بينهم

ولفت العمادي إلى أن من العادات الخليجية والقطرية المعروفة "الغبقة" التي تعتبر عادة تناقلتها الأجيال عن الآباء والأجداد منذ القدم، لتكون "الغبقة" في المجالس عبارة عن تجمع وحضور مائدة تتنوع عليها أصناف من المأكولات الشعبية

وأصناف أخرى من أطيب المأكولات، وعادة ما تكون بعد صلاة التراويح وقبل السحور بحضور ومشاركة مجموعة من الأقارب والأصدقاء.

المجالس.. مدارس

وقال الباحث الاجتماعي إن المجالس مدارس "فيها عشنا وتربينا وتعلمنا على عهد الآباء والأجداد عاداتنا وتقاليدنا، وكنا نجتمع في رمضان بعد صلاة التراويح مع بعضنا البعض لتبادل أطراف الحديث.. هذا يقوم بصب القهوة.. وذاك يرحب بالضيوف ويصحبهم للدخول إلى المجلس"، مؤكدا أن مجالس أهل قطر لازالت تحافظ على عادات وتقاليد الثقافة القطرية بتواجد المواطنين من بعد صلاة التراويح، ومنهم من يحرص على اصطحاب أبنائه معه للمجالس للتعلم منها، إذ فيها يتعلم الأبناء آداب المجلس، واستقبال الضيوف، والإنصات لمن هم أكبر منهم سنا خلال الحديث، وكيفية تبادل السلام.

كما لفت السيد محمد العمادي إلى أن المجالس القطرية تعتبر ملتقى يتواجد فيه الكبير والصغير من مختلف طبقات المجتمع للسمر وتبادل الأحاديث ومناقشة الموضوعات بمشاركة الجميع من مثقفين، وأدباء وشعراء وغيرهم.

وكان الآباء والأجداد، عبر الزمن، يجتمعون في المجالس خلال الشهر الفضيل لقراءة القرآن، وحضور ختمته أيضا، بالإضافة إلى استقبالهم للضيوف من كل صوب.. وفي المجالس يجتمع أبناء المنطقة الواحدة لتناول وجبة الإفطار بشكل جماعي.. ومنها يتناقل أهل قطر هذه العادة حتى اليوم، حتى أصبحت المجالس ركنا رئيسيا إن لم نقل الركن الأساس في عادات القطريين، وملتقى يحتضن بين جنباته الجميع من كبير وصغير، ومن كافة فئات المجتمع وشرائحه.

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo