تمكنت دولة قطر بفضل استراتيجيتها الاستباقية الناجحة للتصدي لجائحة كورونا (كوفيد-19) من خلال تجاوز ثلاث موجات من الجائحة عبر منهجية مبنية على "نهج علمي وتعاوني بين جميع الجهات الحكومية، والشراكات المحلية والدولية، ومشاركة المجتمع".
وقد أكدت وزير الصحة العامة القطرية الدكتورة حنان محمد الكواري في مؤتمر قطر للصحة 2022 الذي انعقد فبراير الماضي استعداد القطاع الصحي لأي ظروف لما يمتلك من خبرات وتجارب والتزام وتكاتف منظومة الرعاية الصحية بالدولة لتحقيق الأهداف المنشودة.
مجابهة الجائحة
ويعمل النظام الصحي في قطر في إطار مجابهته لأي جائحة أو وضع صحي غير طبيعي بطريقة استباقية وتحضيرية في قراءة علمية لأي ظروف استثنائية عبر منظومة محكمة تتشارك فيها كل الجهات والأطراف بالدولة ومنها التحضيرات التي تسبق استضافة قطر لبطولة كأس العالم FIFA 2022، حيث سيكون للعاملين في مجال الرعاية الصحية دور مهم للغاية في هذه البطولة.
وأشارت وزيرة الصحة العامة في عدة مناسبات على أن فرق الرعاية الصحية في دولة قطر تستعد لبطولة كأس العالم منذ سنوات عديدة كما أنها تتمتع بخبرات كبيرة في المشاركة في استضافة الفعاليات والتجمعات الجماهيرية الكبرى.
خبرة كبيرة
وقالت: "لقد شاركت فرق الرعاية الصحية في العديد من البطولات والفعاليات الكبرى التي استضافتها قطر، حيث تتمتع الفرق الصحية في قطر بخبرة كبيرة في تقديم خدمات الرعاية الصحية خلال الفعاليات والتجمعات الجماهيرية الكبرى، وهي مستعدة لتلبية متطلبات بطولة كأس العالم قطر 2022".
وتجلت قدرة قطر والنظام الصحي فيها للتصدي لأي جائحة من خلال تمكنها من مجابهة جائحة كورونا (كوفيد-19) والحد من انتشار الفيروس مع الحفاظ على نسق تقديم خدمات الرعاية الصحية المعتادة لجميع أفراد المجتمع والاستمرار في تطوير المنظومة الصحية وافتتاح مرافق ومنشآت طبية جديدة تحقق مفهوم جودة الرعاية.
القطاع الصحي وأجهزة الدولة
وتمكنت قطر بجهود القطاع الصحي وتعاون أجهزة الدولة من الاستجابة للجائحة وتخطي ثلاث موجات من انتشار الوباء، ونجحت الإجراءات التي تبنتها في الحد من انتشار الفيروس بين أفراد المجتمع وتخفيف آثاره في شتى مناحي الحياة وتقليل معدل الوفاة، حيث تم في قطر تسجيل أحد أدنى معدلات الوفيات الناجمة عن (كوفيد-19) في العالم، متوجةً جهودها بالحصول على المرتبة 15 بين الدول التي تعاملت مع كورونا على أفضل وجه، وهي الدولة العربية الوحيدة التي أدرجت ضمن هذا التصنيف، في مجلة "دير شبيغل" الألمانية.
النظام الصحي القطري قادر بخبراته وامكانياته على الاستجابة بشكل سريع وفعال للحالات الطارئة
ويدل نجاح دولة قطر في التصدي للجائحة والحد من انتشارها على أن النظام الصحي فيها قادر بخبراته وامكانياته على الاستجابة بشكل سريع وفعال للحالات الطارئة من خلال خطة للاستجابة والاتصال وزيادة السعة الاستيعابية لمنشآت الرعاية الصحية، عبر اتباع نهج علمي قائم على الأدلة واتخاذ القرارات وفقًا لنتائج الدراسات والبحوث العلمية التي تسهم في تحسين الاستجابة للجائحة، مع ما تميز النظام الصحي بالقوة والمرونة والقدرة على التكيف مع الخطط التي تضع للاستجابة للأوبئة.
ولم يكن نجاح قطر في التصدي لهذه الجائحة على سبيل المصادفة بل كانت للأبحاث العلمية في هذا الاطار التي تم نشرها في المجلات العلمية الهامة، إلى جانب انتهاج سياسات سفر صارمة تأخذ بالاعتبار طبيعة انتشار العدوى، وقدرة النظام الصحي على استيعابها، إضافة إلى قوة ومرونة النظام الصحي وقدرته على التكيف مع الخطط الموضوعة من أجل رفع السعة الاستيعابية وإعادة توزيع الكوادر المتخصصة بشكل سريع وفعال، كلها عوامل ساعدت في نجاح مجابهة الجائحة وهي نفس العوامل التي يتم اتباعها للتصدي لأي جوائح أو طوارئ صحية أخرى.
مليون و478 الف جرعة
كما أن تنفيذ الدولة لأكبر حملة تلقيح في تاريخها مجانًا ضد الفيروس من العوامل المهمة التي أسهمت في تصديها للجائحة والجوائح الأخرى، حيث تصنف قطر ضمن الدول العشر الأولى عالميًا فيما يتعلق بالتغطية في التطعيم ضد فيروس (كوفيد-19) مقارنةً بعدد سكانها، حيث حقق البرنامج الوطني للتطعيم نسب تغطية عالية بالوصول إلى عدد جرعات معطية لسكان دولة قطر منذ بداية حملة التطعيم في شهر ديسمبر من عام 2020 حتى 8 أبريل الجاري أكثر من 6 ملايين و670 ألف جرعة، فيما كان اجمالي جرعات اللقاح المعززة (الجرعة الثالثة) التي تم اعطاؤها حتى 8 ابريل الجاري أكثر من مليون و478 الف جرعة وهو ما يشير إلى النهج الاستباقي الذي تتبعه قطر في التصدي للجائحة.
وأقرت وزارة الصحة العامة مؤخرًا استخدام الجرعة الرابعة من لقاح فايزر/بيونتيك ، وموديرنا ضد (كوفيد-19) للأفراد الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى الشديدة حيث تعطى الجرعة الرابعة للأفراد بعمر 60 عامًا فما فوق والأفراد المصابين بأمراض مزمنة تزيد من خطر الإصابة بالعدوى الشديدة الناجمة عنه بغض النظر عن العمر، وتطبق الجرعة الرابعة على هؤلاء الأفراد بعد أربعة أشهر من حصولهم على الجرعة المعززة (أو الثالثة) أو إصابتهم بالعدوى، وذلك بالاستناد على خطوات التصدي للجائحة وفقًا لأحدث الأدلة العلمية والسريرية، ما يؤكد النهج العلمي والاستباقي الذي تتبعه للتصدي لمختلف الطوارئ والجوائح الصحية مدعومة بمنظومة صحية قادرة على العمل في مختلف الظروف.
وعي المجتمع وتكاتفه
ونتيجة لذلك، إلى جانب وعي المجتمع وتكاتفه، من خلال الحملات الإعلامية التي تم تنفيذها لتعزيز الوعي بأهمية اتباع التدابير الوقائية والحرص على أخذ التطعيمات المضادة للفيروسات، تمكنت قطر من التصدي بنجاح للجائحة، وأكتسبت خبرات متراكمة للمنظومة الصحية تؤهلها للتصدي لأي ظروف صحية طارئة.
ومن منطلق الإيمان بأن التطعيمات المضادة لفيروس كورونا تبقى السبيل الأنجع للتصدي للجوائح، أطلقت وزارة الصحة العامة يناير الماضي حملة لتطعيم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا بالجرعة المعززة من التطعيم المضاد للفيروس.
وتبنى وزارة الصحة العامة نظام التقصي والفحص الاستباقي خلال جائحة كورونا الذي أسهم في الحد من انتشار الوباء وهو نهج اتخذته الوزارة للتصدي للأوبئة المعدية عبر نظام الفحص الاستباقي.
ووصل عدد الأشخاص الذين تم فحصهم لغاية الـ 8 أبريل الجاري في إطار التقصي عن الفيروس في قطر منذ بداية الجائحة إلى أكثر من 3 ملايين و400 ألف شخص، حيث نفذت قطر استراتيجية شاملة لحماية السكان من خطر العدوى وتبنت في هذا الاطار نهجًا شاملًا على مستوى مؤسسات الدولة، مع تطبيق سياسات الفعّالة للحوكمة، والاعتماد على العِلم والحقائق، وإشراك الجمهور في التصدي لهذا الوباء.
خط للدعم والمساعدة
وخصصت الوزارة في سبيل التصدي للعدوى خطًا خاصًا للدعم والمساعدة، يقدم الاستفسارات والارشادات حول الفيروس وكل ما يتعلق بالأمراض المعدية في نهج استباقي وفعّال إلى جانب تقديم خدمات الصحة النفسية عبر الهاتف وهي من الخطوات الاستباقية التي تهدف إلى حماية المجتمع من الأمراض الجسدية والنفسية، حيث أكدت الوزارة على أن جميع الإجراءات التي تتخذها للتصدي للأوبئة تتم عبر الاسترشاد بالنهج العلمي وتقييم الأطباء، تماشيًا مع الممارسات والبروتوكولات الدولية ومن ذلك عزل المصابين، والمعايير الزمنية لإنهاء العزل، واستخدام الحِمل الفيروسي لتوجيه إدارة الحالات المصابة.
ومكّن النهج العلمي والاستخدام الأمثل للموارد إلى جانب البحوث التي تم اجراؤها من قبل أطباء وباحثين في قطر، التي نشرت في مجلات علمية في معاضدة الجهود المحلية والدولية في التصدي للفيروس ومنها البحوث التي تناولت فعالية اللقاح ضد السلالات الجديدة ومدة المناعة.
تطبيق احتراز
وفي نفس إطار حماية المجتمع من الأمراض المعدية ومنها فيروس كوفيد-19 كانت وزارة الصحة العامة قد أطلقت في وقت مبكر من ظهور الفيروس تطبيقًا على الهواتف الذكية تحت مسمى "احتراز" تم تطويره لحماية المجتمع من انتشار فيروس كورونا حيث يقوم بتتبع السلاسل الانتقالية لانتشار الفيروس وتزويد المستخدمين بالمعلومات الدقيقة ومساعدة الفرق الطبية المختصة على تقديم الرعاية الصحية عند اللزوم، حيث يقوم التطبيق بتنبيه أفراد المجتمع في حال اكتشاف مخالطة لحالة مصابة ما يضمن تلقي الرعاية الطبية في الوقت المناسب، ويعتبر التطبيق ضمن الخطوات الاستباقية العملية للتصدي للجوائح وهي مثال على تطويع التكنولوجيا في مكافحة الأوبئة.
وساهم العلماء في قطر بقسط وافر من الأبحاث والدراسات العلمية التي تساعد في كبح جماح العدوى، ومنها دراسة بحثية على سبيل المثال تم نشرها في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" الطبية أنه بالنسبة للأشخاص الذين تلقوا كامل التطعيم بجرعتي اللقاح - بعد مرور 14 يومًا على تلقي الجرعة الثانية من اللقاح – فقد كان التطعيم فعالًا بنسبة 89.5% في الوقاية من العدوى بالسلالة البريطانية من الفيروس، وبنسبة 75% في الوقاية من العدوى بالسلالة الجنوب أفريقية من الفيروس، حيث تعد هذه النسب مرتفعة جدًا.
وخلصت الدراسة نفسها إلى أن التطعيم فعال بنسبة 97.4% في الوقاية من الإصابة بحالة مرضية شديدة أو حرجة أو الوفاة بسبب الإصابة بالسلالة البريطانية أو الجنوب أفريقية من فيروس كورونا.
الاستعداد لأي وباء
وتدل مثل هذه الدراسات العلمية والأبحاث الطبية في دولة قطر على الاستعداد سواء في القطاع الصحي أو القطاع البحثي للتصدي لأي وباء أو جائحة صحية، كما أن جهود قطر في التصدي للجائحة لم تقتصر على الداخل، بل تعدت ذلك بدعم قطر للدول والمنظمات من أجل تجاوز هذا الجائحة، عبر تقديم مساعدات لعشرات الدول لدعم جهودها في المواجهة، وتخصيص مساهمة بقيمة 20 مليون دولار للتحالف العالمي للقاحات والتحصين "غافي"، إضافة إلى توقيع اتفاقية مساهمة أساسية مع منظمة الصحة العالمية بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي لدعم برنامج العمل الثالث عشر للمنظمة ومبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة فيروس كورونا في الدول الأكثر احتياجًا، حيث تؤمن دولة قطر بأن العمل على تطوير اللقاحات والعلاج والتعاون العلمي المشترك يعد أمرًا محوريًا في التصدي للأوبئة.
وفي إطار الخطوات الاستباقية التي تتخذها الدولة للتعامل مع أي ظروف صحية غير طبيعية وقعت دولة قطر ومنظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" مذكرة تفاهم لتقديم فعاليات رياضية خلال بطولة كأس العالم يتميز بالتأثير البالغ والاستدامة والاستمرار، وقال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو خلال مداخلة له في مؤتمر صحة قطر 2022: "إن مشروع الشراكة بين الأطراف الثلاثة بني على أسس منهجية تجعل رفع الوعي وتعزيز مفاهيم الصحة والأمن على رأس الأولويات مع المزيد من التركيز على التجمعات الجماهيرية الكبرى"، مبينًا أن تقديم بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 بصورة تتسم بالصحة والسلامة سيترك إرثًا بعيد الأمد على صعيد الرياضة والصحة.
تمارين المحاكاة
من جهته، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس في الرسالة التي وجهها في نفس المؤتمر: "ضمن الإستعدادات لكأس العالم لكرة القدم عملت منظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة العامة في دولة قطر لوضع وتطوير برنامج يتضمن تمارين محاكاة ومراجعة لظروف التجمعات الجماهيرية الكبرى، ويتركّز هذا البرنامج حول تعزيز مستوى الجاهزية والأمن الصحي، والتصدي للأمراض المعدية، والحفاظ على سلامة الأغذية، والتنسيق والإتصال، وسوف تساعدنا الدروس المستفادة في وضع وتصميم الإجراءات الإحترازية الخاصة بالصحة والسلامة في الفعاليات الكبرى الأخرى"، منوهًا بالدعم الذي قدمته دولة قطر العام الماضي عبر حملة "لنعمل معًا" التي سلّطت الضوء على تكافؤ الفرص في الحصول على اللقاح المضاد لفيروس (كوفيد-19)، والفحص للكشف عن الإصابة بالفيروس، وعلاج المصابين به، إضافة إلى مشاركة منظمة الصحة العالمية في عمليات الطوارئ الطبية في أفغانستان.
تعزيز الصحة العامة
وتسعى قطر من خلال الشراكات والدعم الذي تقدمه في سبيل تعزيز الصحة العامة محليًا ودوليًا، يندرج ضمن الجهود المبذولة في سبيل التصدي للجوائح وتعزيز الوعي حول الأمراض المعدية والتصدي لها في المناسبات الكبرى التي تشهد تجمعات جماهيرية كبيرة، حيث أثبتت قطر من خلال شراكاتها ومنهجياتها ونظمها الصحية والعلمية، اتخاذها التدابير الاستباقية التي تحول دون تفشي الأوبئة عن طريق مجموعة من الإجراءات المدروسة والخاضعة للتجارب والبحوث العلمية.
وتؤمن دولة قطر أن الاستثمار في القطاع الصحي هو السبيل الأنجح في التصدي لأي ظروف صحية استثنائية مثل الجوائح والأوبئة، حيث وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها القطاع الصحي لمكافحة جائحة (كوفيد-19) على مدى ثلاث سنوات، إلى أن منظومة الرعاية الصحية في دولة قطر واصلت نموها وتطورها وأسهم الاستثمار في المرافق والخدمات والتقنيات الصحية الجديدة في تطوير البنية التحتية بالقطاع الصحي في البلاد بهدف تلبية الاحتياجات الصحية في ظل التزايد السكاني المضطرد في الدولة وهي عوامل أيضا تمكن القطاع الصحي للتصدي لأي جائحة أو موجات أخرى.
ارتفاع عدد المستشفيات التابعة لمؤسسة حمد الطبية إلى 14 مستشفى خلال هذا العام
ومع افتتاح منشآت صحية جديدة ارتفع خلال هذا العام عدد المستشفيات التابعة لمؤسسة حمد الطبية إلى 14 مستشفى، ليضم نظام الرعاية الصحية الآن عددًا من أكثر التقنيات الطبية تقدمًا في العالم، كما ارتفع عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية في القطاع العام في الوقت الحالي إلى 28 مركزًا تابعًا لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية و4 مراكز أخرى يديرها الهلال الأحمر القطري.
وأعدت وزارة الصحة العامة الخطة الوطنية للأمن الصحي، التي من شأنها تعزيز تطبيق والتزام دولة قطر باللوائح الصحية الدولية، وذلك بمشاركة منظمة الصحة العالمية والشركاء في القطاع الصحي، والعمل على إضافة عدد من الخطط الاحترازية والمكملة للإطار الوطني للطوارئ الصحية.