تحتفل دولة قطر غدا /الإثنين/ مع دول العالم بيوم اللاجئ العالمي الذي يصادف 20 يونيو من كل عام، وهو اليوم الذي حددته الأمم المتحدة تكريماً للاجئين في جميع أنحاء العالم، لتسليط الضوء على قوة وشجاعة الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من أوطانهم هرباً من الصراعات والاضطهاد، والعمل على حشد التعاطف والتفهم لمحنتهم وتقدير عزيمتهم من أجل إعادة بناء حياتهم.
وأقيم الاحتفال بهذا اليوم على مستوى العالم لأول مرة في 20 يونيو 2001، بمناسبة الذكرى الخمسين لاتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ، وكان ذلك اليوم يعرف من قبل بـ"يوم اللاجئ الإفريقي" قبل أن تخصصه الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً باعتباره يوماً دولياً للاجئين حول العالم، في ديسمبر 2000.
قطر داعم أساسي
وظلت قطر دائما أحد الداعمين الأساسيين لجهود الأمم المتحدة في مجال دعم اللاجئين والنازحين، وهي شريك ثابت للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فضلا عن عضويتها الدائمة في منصة الدعم المخصصة لاستراتيجية الحلول للاجئين الأفغان، حيث وصل إجمالي المساهمات المقدمة من الحكومة والجهات القطرية للمفوضية ما يزيد على 354 مليون دولار.
قطر وقعت اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي لتقديم مساهمة مالية بقيمة 90 مليون دولار
ولا يقتصر دعم قطر لجهود المفوضية السامية للاجئين على المساعدات المالية، بل ظلت حاضرة على الدوام إلى جانب المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة، ففي نوفمبر الماضي، وقعت قطر اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي لتقديم مساهمة مالية بقيمة 90 مليون دولار للمساعدة في تلبية احتياجات الأمن الغذائي العاجلة في اليمن، كما وقعت في الشهر ذاته اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بمبلغ 18 مليون دولار، مع تقديم دعم إضافي شامل للاجئين الفلسطينيين في سوريا في قطاعات الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية بمبلغ إجمالي قدره 7 ملايين دولار.
ويأتي استمرار الدعم والمساهمات السخية من دولة قطر للمنظمات المعنية بالهجرة، انطلاقا من التزامها بتعزيز الشراكة الاستراتيجية القوية مع منظومة الأمم المتحدة لتحقيق أهداف المنظمة الدولية، وحرصها القوي على الالتزام بمبادئ المسؤولية المشتركة والعمل المتعدد الأطراف، باعتبارها من الدول الرائدة في تقديم المساعدات الإنمائية والإغاثية.
الجمعيات الإنسانية الخيرية في قطر تواصل تقديم مختلف أشكال الدعم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين
وتواصل الدولة والمؤسسات والجمعيات الإنسانية الخيرية في قطر تقديم مختلف أشكال الدعم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وتوقيع العديد من اتفاقيات الشراكة والتعاون وفتح مكتب للمفوضية في الدوحة، وذلك إيمانا منها بأهمية تعزيز التعاون الدولي ومواجهة الأزمات الدولية بشكل جماعي ومنسق.
وقد أكدت قطر في العديد من المحافل الدولية، خاصة الأممية منها، مواصلة تقديمها الدعم اللازم لجهود المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل تمكينها من تنفيذ برامجها وأنشطتها الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، وتعزيز قدرتها على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة الناجمة عن موجات اللجوء والنزوح القسري.
وتلتزم قطر بتقديم كافة الدعم والمساعدات للاجئين، ولا يقتصر دعمها على أوجه الإنفاق أو تخصيص المساعدات المالية أو حتى العينية كالمساعدات الطبية أو الغذائية وغيرها، بل يشمل دعمها أيضا المشاركات الدبلوماسية لإنهاء الصراعات في البلدان التي نزح عنها سكانها بسبب الصراع الدائر بها.
تخصيص مساعدات مالية
وفي سياق الحديث عن مساندة دولة قطر للمتضررين من الصراعات والنزاعات في العالم، أعلنت الدولة عن تخصيصها مساعدات مالية لصالح هؤلاء اللاجئين بمبالغ مختلفة، كان آخرها ما قيمته 5 ملايين دولار من خلال صندوق قطر للتنمية للمساعدات الإنسانية، لدعم الفارين من الحرب الأوكرانية وذلك انطلاقا من مسؤوليتها الأخلاقية.
وأعلنت قطر، في نفس الوقت، أن الوضع الإنساني الصعب الذي يواجهه ملايين اللاجئين، في ظل تواصل التصعيد والتوتر بين موسكو وكييف، يستوجب تضامن المجتمع الدولي لوضع خطط طارئة للاستجابة لاحتياجاتهم الضرورية، داعية إلى الوقف الفوري للعمل العسكري في أوكرانيا وتأمين الممرات الإنسانية لضمان وصول المساعدات، والاتجاه لحل الخلاف عبر الحوار والطرق الدبلوماسية وتسوية النزاع بالوسائل السلمية، وعدم اتخاذ ما من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التصعيد.
وجاءت دعوة قطر انطلاقا من حرصها على ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الراسخة للقانون الدولي، بما فيها الالتزامات بموجب الميثاق بتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، والالتزام بسيادة واستقلال الدول وسلامتها الإقليمية، وفي ظل جهودها المستمرة للوساطة وإيجاد الحلول للأزمات الدولية.
وكان لدولة قطر دور عالمي بارز، سواء في مساعدات النازحين الأفغان، أو في مساعدة دول العالم في إجلاء رعاياها من هذا البلد خلال المرحلة الانتقالية التي مرت بها مؤخرا، حيث كان للدوحة السبق في إيواء آلاف اللاجئين الأفغان الفارين من ويلات الصراع في بلادهم حينها، وتقديم المساعدات للشعب الأفغاني عبر كافة الأشكال والآليات.
وفي هذا الإطار، تلقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، رسالة خطية، من سعادة السيد فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعرب فيها عن شكره وامتنانه لسموه على دعم دولة قطر وإرسالها المواد الإغاثية الشتوية الطارئة إلى العاصمة الأفغانية كابول، عبر تنظيم جسر جوي على متن 4 طائرات تابعة للقوات المسلحة القطرية لنقل 91 طنا من المواد الإغاثية.
وأشاد سعادة السيد فيليبو غراندي، في رسالته، بالدور الإنساني الرائد الذي تضطلع به دولة قطر في أفغانستان، ودعمها لعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لصالح الأشخاص النازحين، لا سيما في ذلك الوقت الحرج الذي تزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لعموم الأفغانيين، كما عبر سعادة المفوض السامي عن تقديره للشراكة القوية بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ودولة قطر، متطلعا إلى المزيد من التعاون في هذا المجال.
وتعد دولة قطر، العضو الدائم في منصة الدعم المخصصة لاستراتيجية الحلول للاجئين الأفغان، شريكا ثابتا للمفوضية، حيث لطالما قدمت الدعم لعملياتها حول العالم لمساعدة اللاجئين والنازحين قسرا في مختلف أنحاء العالم.
التزام ثابت
وتمتلك دولة قطر التزاما ثابتا بدعم اللاجئين وغيرهم من النازحين قسرا حول العالم، فقد وقع صندوق قطر للتنمية لدعم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اتفاقية لتوفير تمويل مرن للمفوضية للعامين (2021 / 2022 )، بهدف دعم جهودها الإنسانية حول العالم، حيث يسمح هذا الشكل من التمويل بتقديم المساعدات الطارئة في أي وقت وأينما كانت الاحتياجات أكبر، وبالتالي تمكين المفوضية من ضمان الاستجابة السريعة للاحتياجات المتزايدة لنحو 84 مليون شخص نازح قسرا حول العالم.
ويبدو أن الأعوام المقبلة ستكون أشد قسوة على اللاجئين في العالم، ففي الوقت الذي يسدد فيه اللاجئون فاتورة الانتشار الواسع لفيروس كورونا، ظهرت الحرب في أوكرانيا لتضيف لقائمة اللاجئين أعدادا جديدة، وتزيد من الأزمات العالمية، في مقدمتها أزمة الغذاء، بسبب تعطل سلاسل الإمداد العالمية.
ويرى المراقبون أن أزمة الأمن الغذائي التي أذكتها الحرب الأوكرانية ستدفع المزيد من الناس إلى الفرار من ديارهم في البلدان الأكثر فقرا، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات النزوح العالمية، حيث أظهر أحدث تقرير أممي أن حوالي 89.3 مليون شخص نزحوا قسرا في جميع أنحاء العالم، نتيجة للاضطهاد والصراع وسوء المعاملة والعنف في نهاية العام الماضي، ومنذ ذلك الحين فر ملايين آخرون من أوكرانيا أو نزحوا داخل حدودها مع ارتفاع الأسعار المرتبط بمنع صادرات الحبوب، والذي من شأنه أن يسبب مزيدا من حركة النزوح باتجاه أماكن أخرى.
ويتساءل المراقبون عن الصورة المتوقعة لموجات اللجوء على المستوى القريب، لاسيما في ظل ما يعانيه العالم من أزمة غذاء، بالإضافة إلى اندلاع توترات هنا وهناك، وتعطل حركة النقل والإمدادات، وانتهاك حقوق الإنسان، فضلا عن تفاقم أزمة المناخ، وتصاعد المخاوف من ظهور أوبئة جديدة، لكنه من الواضح أن التأثير سيكون مدمرا للغاية إذا لم يتم التوصل لحل سريع، إذ سيفر المزيد من الناس بالفعل من منازلهم وأوطانهم سواء بسبب ارتفاع الأسعار، أو بفعل الحروب أو نقص المياه أو الجفاف أو البطالة، أو الأمراض أو حركات التمرد العنيفة.
وبشكل عام، زاد عدد النازحين على نحو سنوي خلال العقد الماضي، بحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حيث بلغ العدد الإجمالي في نهاية العام الماضي أكثر من 90 مليون شخص عبر العالم، وزاد هذا الوضع تأزما بسبب مخلفات الأزمة الأوكرانية التي رفعت هذا العدد إلى نحو 100 مليون، فضلا عما تنتجه مناطق صراعات أخرى من تبعات إضافية على حركة النزوح العالمية، على غرار الوضع في سوريا وإثيوبيا وبوركينا فاسو وميانمار ونيجيريا وأفغانستان والكونغو الديمقراطية، فضلا عن لاجئي أمريكا الوسطى والكاريبي.
وكشفت المفوضية الأممية أن الحرب الأوكرانية ساهمت منذ بداية العام الجاري في نزوح 8 ملايين شخص داخل البلاد، وأجبرت حوالي 6 ملايين آخرين على مغادرة البلاد، مؤكدة أن نسبة عدد النازحين قسريا في جميع أنحاء العالم تجاوزت 1 بالمائة من سكان العالم.
وذكرت المنظمة الدولية للهجرة، في أحدث تقاريرها، أن 59.1 مليون شخص نزحوا داخل أوطانهم العام الماضي، بزيادة أربعة ملايين عن عام 2020، كما تسببت الكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية مثل الفيضانات والعواصف والأعاصير في حدوث حوالي 23.7 مليون حالة نزوح داخلي في عام 2021، لاسيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ضرورة تكاتف الأسرة الدولية وعدم تجاهلها لمعاناة اللاجئين على غرار اللاجئين السوريين والفلسطينيين
ويؤكد المحللون على ضرورة وقوف العالم، وهو يحتفي بـ"يوم اللاجئ العالمي"، عند أزمات اللاجئين، وكيفية تعاطي الحكومات مع تدفق اللاجئين، داعين إلى ضرورة تكاتف الأسرة الدولية وعدم تجاهلها لمعاناة اللاجئين، على غرار اللاجئين السوريين والفلسطينيين، رغم أن الاستجابة الدولية للأشخاص الفارين من الحرب الأوكرانية كانت "إيجابية للغاية"، مما غذى الأمل في أن يكون تعاطي المجتمع الدولي مع بقية الأزمات الدولية الاخرى على نفس درجة ما جرى في أوكرانيا .
ويعتبر المراقبون أن سرعة استجابة الاتحاد الأوروبي والحكومات الغربية لأزمات اللاجئين في العالم كانت "غير متكافئة"، مستحضرين في هذا السياق ما تمتع به اللاجئون الأوكرانيون من تعاطف ومساندة لم يحظ بهما غيرهم على مر العشريات الماضية، وعلى عكس ما تم التعامل به مع المجموعات الصغيرة من المهاجرين الواصلين لأوروبا عبر البحر المتوسط، أو أولئك الذين قطعوا حدود عديد الدول للوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من الدعوات الدولية المتكررة لتقديم مزيد من الدعم والمساعدة للاجئين في مختلف مناطق العالم، إلا أن الواقع يكشف تعاظم المآسي التي يكابدها الأشخاص الذين اضطرتهم الأنظمة السياسية في أوطانهم أو الصراعات المسلحة أو التغيرات المناخية، إلى الهجرة وترك ديارهم وطلب اللجوء إلى دول أخرى، ويبرز الحاجة إلى تكاتف دولي حقيقي وغير منحاز لإيجاد حلول جذرية لاحتواء الأعداد المتزايدة من اللاجئين، وإعطائها جرعة أمل في مستقبل أفضل، تضمن لها حياة كريمة، تصون كرامتها، وتحفظ إنسانيتها.