يرتقي قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، بشكل متسارع على سلم الأولويات عالميا، باعتباره القطاع الرائد والمحرك الدافع لقوة أي اقتصاد، والمورد الرئيس لإنتاج الغذاء، سيما في ظل التقلبات المتكررة التي شهدتها سلاسل التوريد ومنظومات الإنتاج وتوسع قائمة الدول المهددة بالمجاعة.
ويتمتع القطاع الزراعي بأهمية خاصة في سياسات وتوجهات دولة قطر، نظرا لبعديه الاجتماعي والاقتصادي، وتم إيلاؤه المزيد من الاهتمام، حتى باتت مساهمته في الناتج المحلي كبيرة ومقدرة.
ويبدو قطاع الزراعة والثروة الحيوانية اليوم صاحب حصة وافية من النمو الصاعد، على قاعدة الاهتمام الكبير الذي حظي به في الدولة، باعتباره القطاع المنوط به تحقيق الأمن الغذائي، ولكونه أحد أهم أولويات الدولة خلال الفترة الحالية والمقبلة، حيث تؤكد أحدث المعطيات أن القطاع الزراعي في قطر، بشقيه النباتي والحيواني، نجح في تحقيق قفزات كبيرة على طريق التنمية المستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة بعد أن تم تخصيص دعم سنوي لهذا القطاع قدره 70 مليون ريال على مدى خمس سنوات، بهدف تحفيز الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي وتسويق المنتجات الزراعية، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل بنسبة 70% بحلول 2023.
توسع المساحات الزراعية
ونتيجة لهذا الدعم، حقق القطاع الزراعي، وخصوصا الشق النباتي فيه، زيادة في استثمار المساحات المحمية بنسبة 28% خلال الفترة من 2019 حتى عام 2021، بعد أن ارتفعت من 520 هكتارا إلى 666 هكتارا، وقد انعكس ذلك في زياد إنتاج الخضراوات بنسبة 11% خلال نفس الفترة.
ويمكن اعتماد المؤشر العالمي للأمن الغذائي، كقاعدة قياس ودليل على أن الدولة تسير بالاتجاه الصحيح، حيث صنفت قطر الأولى عربيا في هذا المجال، وفي المرتبة 22 عالميا.
وترتكز الاستراتيجية الزراعية في دولة قطر على توسيع دائرة المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية، مثل الخضراوات والتمور واللحوم الحمراء والدواجن والبيض، والأسماك والألبان والأعلاف الخضراء، مع مراعاة المحافظة على الموارد الطبيعية في البلاد والعمل على حسن استغلالها، ما أدى إلى تضاعف الإنتاج المحلي من الخضراوات واللحوم والأسماك والدواجن وبيض المائدة وأعلاف الحيوانات، بما يزيد عن 400 بالمئة خلال عام واحد، كما أولت الدولة أهمية خاصة للرقابة على الأغذية من الناحية الصحية والنوعية، بما يضمن رفع مستوى جودة وسلامة المنتجات الغذائية.
قفزة نوعية في الانتاج
وفي هذا السياق، أكد السيد يوسف الخليفي، مدير إدارة الشؤون الزراعية في وزارة البلدية، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن الإنتاج المحلي من الخضراوات شهد قفزة نوعية خلال الأعوام الماضية، محققا نسبة زيادة بلغت 100% خلال السنوات الثلاث الماضية مقارنة بما قبلها، حيث بلغ الإنتاج المحلي من الخضراوات خلال عام 2021 حوالي 102 ألف طن، مقارنة بـ55 ألف طن خلال عام 2017 وبذلك ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضراوات المحلية من حوالي 20% عام 2017 لتصل إلى حوالي 46% خلال عام 2022، أي بنسبة زيادة تبلغ حوالي 130%، علماً أن النسبة المستهدفة 70%.
كما وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي في اللحوم الحمراء إلى 18% والمستهدف هي نسبة 30%، أما الدواجن الطازجة فقد وصلت إلى 100% وبهذا حققت النسبة المستهدفة ومثلها في الألبان ومشتقاتها، بينما ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من بيض المائدة من حوالي 14% عام 2017 لتصل إلى نحو 36% عام 2022، أي بنسبة زيادة تتجاوز 157%، ومن المقرر أن تشهد نهاية هذا العام الجاري تحقيق نسبة الاكتفاء الذاتي من هذا المنتج التي أوصت بها الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي والمتمثلة في تغطية الطلب المحلي بـ70%.
يوسف الخليفي: المساحة المزروعة بالخضراوات بلغت حوالي 2766 هكتارا ما يشير بوضوح إلى التنامي الكبير بمعدلات الإنتاج سنويًا
وأوضح الخليفي أن المساحة المزروعة بالخضراوات بلغت حوالي 2766 هكتارا، وهو ما يشير بوضوح إلى التنامي الكبير بمعدلات الإنتاج سنويا، وقد بلغت المساحة المستغلة الكلية حوالي 141580 هكتارا وهي مقسمة كما يلي: محاصيل الخضراوات – مكشوفة منفردة 18974 هكتارا، محاصيل الخضراوات – مكشوفة محملة 493 هكتارا، محاصيل الخضراوات – محمية 5564 هكتارا، محاصيل حقلية موسمية منفردة 2563 هكتارا، محاصيل حقلية موسمية محملة 1239 هكتارا، محاصيل علفية معمرة منفردة 73559 هكتارا، محاصيل علفية معمرة محملة 2023 هكتارا، محاصيل مستديمه (فاكهة) هكتار، مباني 10.123 هكتارا، أما المساحات القابلة للزراعة فتبلغ حسب إحصائيات العام الماضي حوالي 298695 هكتارا، فيما وصل عدد البيوت المحمية إلى حوالي 13601 بيت في نهاية 2021.
تكنولوجيا الزراعة الذكية
واللافت في المشهد الزراعي القطري، هو تمكين وترسيخ أدوات التكنولوجيا الذكية في الزراعة، حيث يكشف الخليفي، في تصريحه لـ"قنا"، عن أن المزارع القطرية تستخدم أنظمة الزراعة الحديثة (المحمية)، وقد وزعت الوزارة 2436 بيتا محميا عاديا، بالإضافة إلى توزيع 1712 بيتا مبردا، و 100 بيت مخصص للزراعات المائية الحديثة، و100غرفة لتجفيف التمور لتحسين جودتها.
كما أبرمت الوزارة عقدا مع شركة "محاصيل" التابعة لشركة "حصاد" من أجل تقديم الخدمات الزراعية للمزارعين بهدف تحسين جودة وسرعة تقديم هذه الخدمات من حراثة وغيرها من العمليات الزراعية، وكذلك توفير مدخلات الإنتاج الزراعي المختلفة من بذور وأسمدة ومبيدات وغيرها من هذه المستلزمات.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور مسعود المري، مدير إدارة الأمن الغذائي في وزارة البلدية، في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن استراتيجية الأمن الغذائي تقوم على خطة ممنهجة تهدف إلى الوصول لنسب اكتفاء ذاتي آمنة من السلع الغذائية، مع المحافظة على الموارد الطبيعية، وإعطاء مساحة كبيرة للقطاع الخاص للمساهمة في تحقيق أهداف الاستراتيجية، لافتا إلى أن العمل سيستمر خلال الفترة القادمة لتنفيذ هذه الخطط من أجل تحقيق نسب الاكتفاء الذاتي التي حددتها هذه الاستراتيجية.
زيادة الانتاج المحلي
وأضاف المري أن الاستراتيجية تركز على زيادة الإنتاج المحلي للسلع الزراعية والتي تمتلك دولة قطر ميزة نسبية في إنتاجها، وتوصي بعمل المخزون الاستراتيجي من السلع التي يمكن تخزينها لفترات طويلة، وذلك في إطار المحافظة على الموارد الطبيعية المحدودة بالدولة خاصة عنصري المياه الجوفية والأرض.
وفي هذا الصدد، قال المري لـ"قنا"، إن وزارة التجارة والصناعة تقوم حاليا بالعمل على رفع المخزون الاستراتيجي من القمح إلى 10 أشهر مقابل أربعة أشهر حاليا وذلك لمواجهة استحقاقات دولة قطر القادمة خلال كأس العالم FIFA قطر 2022، وكذلك رفع المخزون الاستراتيجي من باقي السلع الغذائية المستهدفة وفق توصيات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، مضيفا "لدينا الآن مخزون الأرز وزيوت الطعام لغاية 4 أشهر والمستهدف 6 أشهر، والسكر والحليب طويل الأجل شهرين والمستهدف 6 أشهر، واللحوم الحمراء المجمدة والدواجن المجمدة إلى شهرين".
استراتيجية الأمن الغذائي
كما نوه المري بأنه تم، عند إعداد الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي لدولة قطر (2018 - 2023) الأخذ في الاعتبار إعداد استراتيجية قادرة على التأقلم والتكيف والتعامل مع الظروف الطارئة، وقد أكدت التجارب خلال الفترة الماضية أن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي شكلت حائط صد وصمام أمان لدولة قطر في مواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا، وذلك بما لديها من مرونة وخطط طوارئ قادرة على مواجهة مثل هذه المتغيرات وحالات الانقطاع المؤقتة في الاستيراد أو الإنتاج، بالإضافة إلى التأمين ضد الصدمات على المدى الطويل.
د. مسعود المري: نشجع المزارع على تطوير وزيادة إنتاجها وتقوم وزارة البلدية بتوزيع العديد من مستلزمات الإنتاج الزراعي على المزارع المحلية
وبين مدير إدارة الأمن الغذائي في وزارة البلدية، أنه يجري العمل حاليا على تشجيع المزارع على تطوير وزيادة إنتاجها، وتقوم وزارة البلدية بتوزيع العديد من مستلزمات الإنتاج الزراعي على المزارع المحلية، كما اهتمت أيضاً بالتسويق الزراعي باعتباره أساس كل زيادة في الإنتاج الزراعي، وبمساعدة المزارع المنتجة في تسويق إنتاجها المحلي لتحقيق أقصى عائد مالي، وفي هذا الصدد أنشأت الوزارة خمس ساحات للمنتج الزراعي القطري، كما تم طرح مشاريع المنتج المميز ومزارع قطر وذلك لإتاحة الفرصة للمزارع القطري لتسويق إنتاجه بنفسه دون وسيط، وأيضاً تم التعاقد مع شركة "محاصيل" وإنشاء مركز التسويق الزراعي الذي يقوم بشراء المنتجات من المزارع بأسعار تفضيلية، وحديثا وقعت الوزارة اتفاقية لإسناد الخدمات الزراعية إلى شركة "محاصيل"، مع ملاحظة أن الإنتاج الزراعي من الخضراوات خلال فترة ذروة الإنتاج في بعض الأصناف الرئيسية مثل الخيار والطماطم يغطي جميع احتياجات السوق المحلي خلال هذه الفترة.
قطاع الثروة الحيوانية
أما فيما يتعلق بقطاع الثروة الحيوانية، فلفت المري، في تصريحه الخاص لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إلى تحقيق هذا القطاع طفرة إنتاجية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وزادت نسبة الاكتفاء الذاتي من الألبان ومنتجاتها من حوالي 28% فقط عام 2017 إلى نسبة 100% عام 2022 بما يعني مضاعفة نسبة الاكتفاء بأربعة أضعاف خلال الخمس سنوات الأخيرة وتحقيق كامل الاكتفاء الذاتي من الألبان ومنتجاتها، وبالمثل استطاعت دولة قطر تحقيق كامل اكتفائها الذاتي من الدجاج اللاحم الطازج، بعدما ارتفعت من حوالي 50% عام 2017 إلى 100% عام 2022.
وبالنسبة للحوم الحمراء، ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي بالدولة من 13% عام 2017 لتصل حالياً إلى حوالي 18% بزيادة تبلغ نحو 38%، حيث تستهدف الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي تقدر بـ30% في العام 2023، وفي هذا الإطار طرحت الوزارة (8) مشاريع استراتيجية لتربية وتسمين الأغنام والماعز المحلية على شركات القطاع الخاص، وذلك بهدف تحقيق نسبة الاكتفاء الذاتي المستهدفة في الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
وبالنسبة لقطاع الثروة السمكية بدولة قطر ونظراً لأهمية المحافظة على المخزون السمكي بالدولة وعدم استنزافه من خلال زيادة جهد الصيد البحري، ذكر الدكتور مسعود المري، أن وزارة البلدية أعطت أهمية خاصة لمشاريع الاستزراع السمكي باعتبارها السبيل المناسب لزيادة الإنتاج السمكي دون التأثير على المخزون، كما قامت بافتتاح مركز الأبحاث المائية في رأس مطبخ، والذي يعد واحداً من المراكز البحثية الإنتاجية الهامة الداعمة لمجال الاستزراع السمكي بالدولة، حيث سيقع على عاتق هذا المركز إجراء الدراسات والأبحاث المعنية بتطوير الاستزراع السمكي، وتوفير البيئة اللازمة لإقامة مشاريع الاستزراع السمكي.
مشروع الاستزراع السمكي
وأضاف أنه يوجد حاليا مشروع استراتيجي بالدولة للاستزراع السمكي يتم تنفيذه من قبل إحدى شركات القطاع الخاص، ومشروع آخر لاستزراع الروبيان، ومن المتوقع أن يساهم المشروعان في تحقيق نسب الاكتفاء الذاتي المستهدفة في الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي التي تبلغ حالياً 72%، علما أن إجمالي أعداد الثروة الحيوانية وصلت إلى 1507543 رأسا، منها 108749 رأس جمال، و42139 رأس بقر، و418525 رأس ماعز، و938130 رأسا من الأغنام، فيما وصل عدد مزارع الأسماك العاملة إلى خمس، بينما تضم مزارع النحل المقدر عددها بـ211 نحو 7313 خلية.