باتت كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة أول مؤسسة أكاديمية في العالم تنجح في تطوير وتشغيل لـ1.014 مليار محاكاة حسابية لمكامن الخلايا بحقول النفط والغاز العملاقة، ما يؤشر إلى تحقيق تقدم كبير في تحسين عملية استكشاف واستخراج النفط والغاز في المكامن المعقدة لحقول النفط والغاز في دولة قطر والمنطقة والعالم.
وتسمح المحاكاة لمهندسي البترول بعرض السلوك الديناميكي للهيدروكربونات بشكل مرئي في خزاناتهم الجوفية، ما يتيح لهم إمكانية إدارة الأداء المستقبلي للهيدروكربونات والتنبؤ به بشكل موثوق.
تفاصيل النموذج
وطور الباحثون في كلية العلوم والهندسة نموذجا متطورا لمحاكاة المكامن يحاكي بدقة تدفق السوائل في جوف الأرض، واستخدموا برمجيات المحاكاة المتقدمة للخزانات القطرية /قصر/ الداخلية الخاصة لتشغيل عملية المحاكاة.
وتمكن النموذج من التنبؤ بإنتاج النفط لحقل نفط وغاز عملاق يضم ما يصل إلى 108 آبار لمدة 15 عاما، وانتهت عملية المحاكاة، التي كانت ستستغرق سنوات بدون حاسوب عملاق، في أقل من 36 ساعة من وقت المحاكاة، وهو إنجاز كبير في ضوء تعقيد الظواهر الفيزيائية المتضمنة في العملية، حيث استخدم الفريق 115 عقدة و4600 نواة لإجراء العمليات الحسابية، ونشر القوة الحسابية الهائلة لأجهزة الحاسوب العملاقة في مجمع السلام التابع لجامعة حمد بن خليفة.
وتمول كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة برمجيات المحاكاة الداخلية، بالإضافة إلى منحة بحثية كبيرة (NPRP10-0208-170407) مقدمة من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي في إطار برنامجه الرائد للأولويات الوطنية للبحث العلمي.
بحث علمي متكامل
وترأس المبادرة الدكتور أحمد سامي أبو شيخة، الأستاذ المساعد في قسم الاستدامة بالكلية، وهو الباحث الرئيس للمشروع في مجموعة أبحاث /قصر/ بالكلية التي تضم باحثين رئيسيين آخرين مثل الدكتور لونجلونج لي من كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، والدكتور دنس فوسكوف، أستاذ مشارك من جامعة دلفت، والدكتور كرلي تركوف، عالم وباحث من الأكاديمية الروسية للعلوم، والبروفسور حمدي شلبي، من جامعة ستانفورد.
وعادة ما تستخدم شركات النفط في قطر نماذج المحاكاة للتنبؤ بكيفية استخراج النفط أو لتطوير استراتيجية إنتاج مثالية تعتمد على الفيزياء وخصائص المواد للهيدروكربونات الجوفية، وهذه النماذج ضرورية لتقييم اقتصاديات أي مشروع لتطوير المكامن في ظل سيناريوهات الحفر والتشغيل المختلفة وتنفيذ استثمارات استراتيجية.
وقد أدت المخاطر المرتفعة وسط حقبة جديدة من التطور في صناعة النفط والغاز في قطر إلى زيادة الطلب على النماذج التي يمكنها محاكاة ملايين خلايا المكامن بسرعة، وهي آلية باتت ممكنة الآن باستخدام برمجيات المحاكاة المتقدمة للخزانات القطرية /قصر/.
ويوجد في العالم نماذج محاكاة تستطيع محاكاة نموذج ملياري للحقول العملاقة، وتطورت على أيدي الشركات الدولية الكبرى مثل إكسون موبيل، وشلمبرجير، وستون ردج تكنولوجي، إلا أن نموذج /قصر/ هو الوحيد الموجود لدى مؤسسة أكاديمية.
برمجيات متطورة
وتتفوق برمجيات /قصر/ على النماذج المتاحة حاليا بفضل احتوائها على العديد من الميزات والوظائف الجديدة، كما يمكن لهذه البرمجيات استخدام البرمجيات، وقواعد الفيزياء، والمخططات العددية المتقدمة، والتنبؤ بتدفق الهيدروكربون بشكل أكثر دقة مقارنة بالإمكانيات الصناعية المتاحة حاليا.
بالإضافة إلى ذلك، صمم جهاز المحاكاة وفقا للخصائص الجيولوجية والفيزيائية لحقول النفط والغاز في قطر، وهو عامل مهم نظرا لطبيعة الكربونات لمكامن النفط والغاز الموجودة في الدولة.
وبمجرد استخدام شركات النفط لهذه البرمجيات، سيتمكن المهندسون من وضع نماذج لحقول النفط والغاز العملاقة في الشرق الأوسط، موفرين بذلك مئات الملايين من الدولارات عبر هذه الاستراتيجية الدقيقة. وسيكون الاستخدام الثاني المهم للغاية لهذه البرمجيات هو تصميم مشاريع احتجاز ثاني أكسيد الكربون لتخزين ملايين الأطنان من الغازات التي تتسبب في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، فضلا عن استخدامه لتقييم جدوى التكنولوجيات الجديدة مثل الهيدروجين الأزرق.
مناسب لاحتياطات النفط
ويناسب هذا المشروع اقتصادات دولة قطر ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل مثالي، حيث يقع 50 بالمئة من احتياطيات النفط والغاز في العالم، فضلا عن السوق العالمي الضخم للنفط والغاز والذي تبلغ قيمته حوالي 7 تريليونات دولار، وكذا سوق تحليل البيانات المصاحب له بما يزيد عن 25 مليار دولار.
وعلق الدكتور أحمد سامي أبو شيخة، أستاذ مشارك في كلية العلوم والهندسة على هذا الإنجاز، قائلا "تمثل محاكاة المليار خلية إنجازا رئيسا لكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، ولمجتمع البحث العلمي بأكمله في الواقع، ونحن متحمسون جدا لرؤية التأثير الذي سيحدثه على صناعة النفط والغاز. وكنا قد بدأنا هذا المشروع بهدف تطوير جهاز محاكاة مكامن قطري لنمذجة الظواهر الفيزيائية الفريدة في البلاد والعمل مع قطاع صناعة النفط والغاز لتلبية احتياجاتهم من البيانات الموثوقة التي يمكن أن تدعم القرارات الاقتصادية الحيوية. وكانت النتيجة هي تطوير نموذج متقدم يتميز بوقت استجابة سريع سيكون ذا قيمة كبيرة لشركات النفط حيث سيمكنها من إدارة التخطيط على النحو الأمثل في ظل الظروف البيئية المعقدة بدولة قطر. كما تمثل القدرة على نمذجة المشاريع التي من شأنها تعزيز عملية تخزين غازات الاحتباس الحراري خطوة في غاية الأهمية على طريق تحقيق الاستدامة البيئية في هذا القطاع الصناعي خاصة مع الانتقال الجديد نحو تكنولوجيا الهيدروجين الأزرق".
ومن ناحيته عبر الدكتور منير حمدي، العميد المؤسس لكلية العلوم والهندسة في تعليقه على هذا الإنجاز عن الفخر الكبير بهذا الإنجاز الاستثنائي حيث تمكن فريق البحث من تطوير /قصر/ من خلال تسخير قدرات البحث والتطوير بالجامعة مع التكنولوجيا المتقدمة، بدعم من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، مضيفا القول في هذا الخصوص "يسعدنا أن قطاع الطاقة يتطلع لجامعة حمد بن خليفة لدفع عجلة الابتكار، وأنه يمكننا المساهمة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة في دولة قطر، لا سيما في هذا القطاع الاقتصادي الوطني المهم".