لا تبدو حالة الطقس في بريطانيا بعيدة عن الأجواء السياسية الساخنة التي تعيشها البلاد بعد أن سجلت درجات الحرارة أعلى مستوى لها على الإطلاق، بتخطيها 40 درجة مئوية، الأمر الذي تسبب في موجة حرائق وحالة شلل تام في عموم المملكة المتحدة.
موجة حر وصدمة
وقد أثارت موجة الحر الراهنة صدمة لدى أجهزة الدولة في بريطانيا بعد أن باتت مضطرة للتعامل مع أكثر من حريق في آن واحد في ظل ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، ليجعل الأجواء الصيفية المعتدلة التي سادت بريطانيا على مدار الزمن في طي الذكريات.
ووصف السيد صادق خان عمدة لندن في تعليق له، حالة الطوارئ التي مرت بها هيئة الإطفاء في العاصمة البريطانية أمس الثلاثاء بأنها "غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية".
وكانت الحرائق التي اجتاحت مناطق متفرقة من العاصمة لندن قد أتت على عدد من المنازل والسيارات، ولم يتمكن الإطفائيون من إخمادها إلا في الساعات الأولى من صباح اليوم دون وقوع خسائر في الأرواح.
خدمات الطوارئ
وواجهت خدمات الطوارئ انقطاعا للتيار الكهربائي عن نحو ثمانية آلاف منزل في مقاطعة يوركشير شمالي إنجلترا، وذلك بعد أن تسبب الحر في زيادة درجة حرارة المحولات الكهربائية ما أدى لتعطلها.
كما ألقت موجة الحر الشديدة بظلالها على التنقل، حيث تعطلت حركة القطارات بشكل كبير خلال اليومين الماضيين بعد إلغاء مئات الرحلات تحسبا لوقوع حوادث ناجمة عن تمدد السكك الحديدية بفعل الحرارة المرتفعة، فيما فرضت السلطات البريطانية خفضا على سرعات المركبات على الطرق السريعة وسرعات القطارات تجنبا لوقوع حوادث.
ولم تسلم الملاحة الجوية أيضا من تأثير هذه الموجة الحارة، حيث تم تحويل الطائرات الهابطة في مطار برايز نورتون، وهو أكبر مطار عسكري في البلاد، إلى مطارات أخرى بعد ذوبان أجزاء من المدرج في سابقة لم تحدث من قبل، فيما تسببت حرارة الجو في توقف حركة الطيران في مطار لوتن جنوبي إنجلترا لبضع ساعات نظرا لظهور عيوب في مدرج المطار.
اضطرابات
كما باغتت موجة الحر قطاعات عديدة وتسببت في وقوع اضطرابات في بلد غير مجهز للتعامل مع ظواهر مناخية قاسية، حيث ألغي عدد من سباقات الخيول التي كانت مقررة على مدار اليومين الماضيين حرصا على سلامة الجمهور والمتسابقين، في ظل بلوغ درجات الحرارة هذه المستويات غير المسبوقة.
وفي قطاع الصحة، اضطر عدد كبير من المستشفيات لإلغاء مواعيد عمليات جراحية على مدار الثماني والأربعين ساعة الماضية لعدم وجود تجهيزات بها للتعامل مع موجة الحر الشديدة.
كما لجأ عدد كبير من المدارس للإغلاق لعدم وجود مكيفات هواء أو وسائل تهوية كافية بها، فيما اضطرت أعداد كبيرة من الموظفين للعمل من المنزل لتفادي التعرض لأشعة الشمس المباشرة، وفقا لنصيحة الشركات وأصحاب العمل.
خسائر بشرية
ورغم محاولة السلطات البريطانية تجنب وقوع خسائر بشرية فقد تم الإعلان عن وفاة 9 أشخاص غرقا في أنهار أو بحيرات كانوا يسبحون هربا من لهيب الطقس خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، الأمر الذي دفع بالسلطات لإصدار تحذير لمن يحاول أن يواجه ارتفاع حرارة الطقس بعدم الاستحمام في الأنهار.
ومع اتخاذ درجات الحرارة نهجا تصاعديا وارتفاع فاتورة خسائر موجة الحر في بريطانيا، تعود قضية التغير المناخي إلى الواجهة، إذ تقول السيدة سارة كيث-لوكاس، مقدمة النشرة الجوية في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تعليق لها "على الرغم من أن ذلك قد يبدو صادما، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئا في ظل الحديث المتواصل حول تأثيرات التغير المناخي على ارتفاع درجات الحرارة خلال الثلاثين عاما الماضية".
وتعد بريطانيا في طليعة الدول المنادية بالتدخل السريع من أجل خفض الانبعاثات الحرارية، والتي تسببت في رفع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وقد استضافت العام الماضي مؤتمر التغير المناخي في مدينة غلاسكو الاسكتلندية على أمل أن تحث الدول الكبرى على الالتزام بالحد من انبعاثاتها الكربونية والنزول بها إلى صافي صفر بحلول عام 2030.
ورغم هذه الجهود التي تبذلها بريطانيا وغيرها من الدول الغربية والأمم المتحدة لمعالجة قضية التغير المناخي، لا تشير توقعات الأرصاد الجوية إلى التفاؤل بشأن حالة الطقس في المستقبل والتي تتكهن بأن تشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة.