لا تكتفي مشيرب بالتركيز على مقومات الحداثة والتقنيات شديدة التطور التي جعلت منها واحدة من أذكى مدن العالم، وإنما تستمد أصالة التصاميم لأبنيتها المختلفة من التراث القطري، وتراث المدينة القديمة نفسها التي تحمل الاسم ذاته.
يستند تصميم المدينة ككل -بما في ذلك مبانيها المبهرة- إلى لغة معمارية تسميها مشيرب باسم "الخطوات السبع"، والتي تهدف إلى الحفاظ على مظاهر التراث القطرية المهددة بالتغيب في ظل التصاميم العصرية والحديثة، من خلال الدمج بين الإبداع والأصالة.
تم التوصل إلى هذه اللغة المعمارية بغية تطويق المظاهر التي تؤدي إلى تغييب التراث المعماري القطري الفريد، وهي لغة فريدة بحق، وجديدة أيضا على عالم التصميم، إذ تجمع بين القيم العصريّة الحديثة والقيم التقليدية، بشكل لا يغيب عنه التناغم أبدا.
فرغم أن عناصر التصميم المعماري في مشيرب تنبع من أصول تراثية خاصّة بالمجتمع القطري، إلا أنها تستند في أساسها إلى مفردات وقيم تتشارك فيها البشريّة بحيث يمكن تطبيقها في مشاريع عقاريّة أخرى حول العالم.
مشيرب قديما وحديثا
مشيرب قلب الدوحة وما فيها من مقومات حديثة لا تنفصل عن الماضي، إذ شكلت هذه المنطقة يوما مقرا لمنازل العوائل القطرية في الدوحة، وتعني كلمة مشيرب "المكان الذي يُشرب منه الماء"، ولطالما كان هذا مكان تجمُّع ذا أهمية في قطر نظرا لقربه من الساحل، وقد أعيد بناؤه في العصر الحاضر مع المراعاة الشديدة للتقاليد والثقافة والبيئة المحلية.
من الوهلة الأولى، سيلمس الزائر شعورا بانسجام وتناغم تضفيه الهندسة المعمارية الخاصة بالمدينة، التي تتبع مبادئ إرشادية محددة، تتمثل في واجهات بيضاء مع نوافذ على الطراز القطري في متاجر الميناء، منازل وفنادق ومتاحف ومبان حكومية راقية ومساجد وغير ذلك الكثير.
وباعتبارها مدينة تستند إلى معايير الاستدامة البيئية، وتتمحور كثير من تفاصيل التصميم حول هذا المبدأ، فقد تم إلزام الجميع بالتصميم المستدام، بهدف التقليل من مستويات ثاني أكسيد الكربون في المدينة.
اللغة المعمارية لمشيرب
اللغة الهندسية المسماة "خطة الخطوات السبع" التي اعتمدتها مشيرب العقارية لتطوير المدينة، هي ثمرة أبحاث مشتركة تعاونت خلالها الشركة مع العديد من الجهات العالمية المرموقة، بما فيها دور الاستشارات الهندسية، والأكاديميون، وخبراء تصميم التجمعات العمرانية.
المبادئ السبعة تقوم فكرتها على الجمع بين جماليات العمارة القطرية القديمة، وبين أحدث المفاهيم العصرية في التصميم والتجهيز التكنولوجي، للوصول في نهاية المطاف إلى استعادة العمارة القطرية لأساليبها المتفردة والأفكار التي قامت عليها، خاصة من حيث التواصل والترابط بين أبناء المجتمع الواحد.
أما تصميم المساحات العمرانية فيقوم على التقنيات التقليدية للتعامل مع عوامل المناخ المحلي، والتي تؤكد على تقارب الأحياء وطرق المشاة الضيقة، بحيث تكون كافة المرافق التي يحتاجها المرء على مقربة منه.
خطة الخطوات السبع
إحياء التراث والحفاظ على الأصالة ومراعاة الاستدامة وتقليل الانبعاثات الضارة هي الخطوط العريضة التي تستند إليها اللغة المعمارية لمشيرب قلب الدوحة، ولتحقيق ذلك هناك مبادئ سبعة تشكل جميعها هذه اللغة، تتمثل في:
• الاستمراريّة
• تناغم الجزء مع الكل
• استغلال المساحات وإعادة تحويل الأشكال
• خصوصيّة المنازل
• تفعيل دور الطرقات
• مواكبة المناخ
• تبني لغة عمرانيّة جديدة
وبمزيد من التفصيل، يعني المبدأ الأول تحقيق الاستمرارية بين الماضي والحاضر والمستقبل، عن طريق إيجاد تصاميم وأساليب تحتفظ بقيمتها الجمالية مهما مرت السنوات وتعاقبت الأجيال، ولتحقيق هذه الاستمرارية، لابد من مراعاة التقاليد القديمة وتطبيقها بأساليب جديدة.
المبدأ الثاني الساعي إلى تحقيق التناغم والانسجام، فيقوم على تشجيع التعددية والتنويع في الأنماط التصميمية ضمن أحياء المدينة، مع ارتكاز هذا التنوع إلى أفكار محورية مشتركة وموحدة، بحيث يتناغم الجزء مع الكل.
أما عن استغلال المساحات وإعادة تحويل الأشكال، فبموجب هذا المبدأ، يتم النظر إلى المدينة كتصميم معماري تتغير معالمه مع مرور الوقت، بإضافة عناصر وأجزاء لا تتنافر معها بل تكملها، لذا فإن أي مبنى يقام في المدينة –وفقا لهذا المبدأ- لا يُعد كيانا قائما مستقلا بذاته، بل لبنة إضافية من اللبنات التي تتكون منها المدينة.
ويتمثل المبدأ الرابع في تحقيق الخصوصية للمنازل، إذ تسعى اللغة التصميمية الجديدة إلى إيجاد بيئات استثنائيّة للسكن، يتمتع معها السكان بالخصوصية والأمان في منازلهم، وينطلقون من مساحاتها الفسيحة في الداخل إلى فضاءات رحبة تنتظرهم في الخارج، يتلاقون فيها مع محيطهم بشكل يعزز مشاعر الانتماء إلى أسرة واحدة ومجتمع متماسك.
وفي المبدأ الخامس، يتم العمل على تفعيل الدور الذي تلعبه الشوارع والطرقات في حياة السكان، ففي مشيرب قلب الدوحة، لا يُعتبر الطريق مجرد وسيلة للعبور من مكان إلى آخر، بل هو وسيلة قائمة بحد ذاتها للتمتع بالعيش في هذه المنطقة.
وتطبيقا لمبدأ "تفعيل دور الطرقات"، فإن سكك الضاحية توفر بيئة مظللة، تعطي الأولوية للمشاة، وتحملهم في رحلة ممتعة تصل بهم إلى باقة من المرافق والخدمات المتنوعة.
أما المبدأ السادس فقد حرص على أن يواكب التصميم الهندسي الظروف المناخية، وأن يلعب دورا في تمكين السكان من التأقلم مع تلك الظروف، للتنعّم بأكبر قدر من الراحة باستخدام أقل قدر من الطاقة والموارد.
واستنادا إلى هذه الفكرة، تسعى تصاميم مشيرب إلى توفير المساحات المظللة، والحد من تراكمات الحرارة، إلى جانب الاستفادة من العوامل الطبيعية مثل الشمس والرياح.
وأخيرا يضع المبدأ السابع قواعد لاستلهام فنون العمارة التقليدية وأساليبها التي كانت سائدة قديما في قطر، وسكبها في قالب عصري حديث، لابتكار لغة جديدة في مجال الهندسة المعمارية.
المعمار القديم مستمر
مع كل هذا التطور وكافة مقومات الحداثة التي تغمر مشيرب قلب الدوحة، فإن المعمار القديم لا يزال قائما بالمدينة، ويتمثل ذلك في منطقة متاحف مشيرب التي تضم 4 بيوت تراثية قديمة، لكل منها قصة تاريخية، لكنها تتميز جميعها بأنها لا تزال تحتفظ بجدرانها العتيقة، مع بعض الترميم والتطوير الحديث، الذي لا يطمس أي جزء من هويتها التاريخية.
شُيدت جميع البيوت داخل متاحف مشيرب على الطراز القطري التقليدي، مزودة بأفنية ذات أعمدة، وتُمثل طرازا تقليديا منذ أوائل القرن التاسع عشر، ويعد بيت الرضواني العائلي المرمم أفضل مثال على ذلك، حيث يضم غرفا مبنية حول مساحة مركزية مفتوحة، ويتيح البيت للزوار فرصة إلقاء نظرة على الحياة الأسرية التقليدية في قطر، والأعراف المتغيرة في الحياة الأسرية.
وتحتفي متاحف مشيرب بتاريخ قطر ضمن مشروع تطوير مشيرب في الجزء الأقدم من العاصمة، وقد تم ترميم 4 بيوت تراثية ضمن هذه المنطقة، هي بيت بن جلمود وبيت الشركة وبيت محمد بن جاسم وبيت الرضواني لتحويلها إلى متاحف تستكشف الأحداث المؤثرة والفترات الرئيسية في تاريخ قطر وتطورها.