غيرت دولة قطر وجهة الرياضة من مجرد تنافس على أرض الملعب وهتاف في المدرجات، إلى معان سامية تخدم المجتمعات والشعوب والبلدان، لتعلي من قيمة الرياضة في تحقيق السلام والتقارب بين الشعوب، وذلك عندما قدمت ملفها لاستضافة بطولة كأس العالم نسخة العام 2022، وسط ذهول وتساءل من كل الرياضيين عن الطموح الكبير الذي تتمتع به دولة قطر.
ولم يكن الأمر في العام 2009، غير مجرد تمنيات بالتوفيق عندما أعلنت قطر عن تقدمها بملف لتنظيم أكبر حدث رياضي في العالم وهو المونديال، وذلك ما بدا للجميع من خلال ملف الاستضافة، عندما أعلن عنه على منصة استاد خليفة الدولي في نهائي كأس سمو الأمير لكرة القدم، ولكن في الواقع كانت قطر تحمل مفاهيم راقية في كرة القدم واستضافة البطولات، لم تظهر إلا عند اللحظات الحاسمة.
ملف شامل
وقدمت قطر ملفا شاملا، عنوانه الطموح والرغبة الأكيدة في الوصول إلى الهدف المنشود، بمنافسة ملفات قوية لدول متمرسة في الظهور في كأس العالم، بعضها أتقن تنظيمه في عقود خلت، والبعض الآخر يملك سيرة تاريخية لمسيرة في مشاركاته المونديالية، ويملك معها دوريات محترفة ونجوما محترفة تساوي لمسة أقدامها للكرة عشرات الملايين من الدولارات.
وحفت قطر ملفها بدعوات الملايين من العرب وآمال التغيير لمفاهيم كرة القدم في إرساء السلام والتقارب بين الشعوب، واتخاذ كرة القدم كوسيلة سهلة في تحويل أنظار العالم إلى منطقة الشرق الأوسط والتعرف عليها كمنطقة ذات تقاليد وثقافة راسخة تقوم على السلام والمودة والتآلف وليست منطقة نزاعات وصراعات.
وجاء الملف القطري يحمل رسالة لطلب الاستضافة عنوانها السلام من الشرق الأوسط للعالم كله، وفي باطن الرسالة دعوة للعالم لتغير نظرته نحو المنطقة بأنها قادرة على العيش في سلام وإثبات مفهوم السلام للعالم الذي سيزورها.
وزينت قطر جدران الشرق الأوسط بكل ألوان الطموح التي تحملها أجيال قادمة محبة لكرة القدم، وتعرف قيمتها التنافسية وتحاكي بشغفها الرياضي أفضل بلدان العالم في التعلق بكرة القدم، بل وتفوقها ثقافة ومعرفة في تفاصيل اللعبة، وذلك من خلال تلبية الملف لجميع الشروط الفنية المسنودة بالرؤية التنموية في دولة قطر والإيمان بالقدرة على التنظيم المميز وإضافة بصمة خاصة بالمنطقة العربية عامة وقطر بصفة خاصة.
ودخلت قطر السباق نحو التنظيم بملفها وهي تواجه ملفات قوية أمثال (إسبانيا والبرتغال) و(بلجيكا وهولندا) وانجلترا عن القارة الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك عن القارة الأمريكية الشمالية والوسطى وغيرها من الملفات التي دخلت السباق في المرحلة الأولى، غير أن قطر أقنعت العالم بأن ملفها فريد من نوعه.
ولم تترك دولة قطر مجالًا للصدفة وشملت بملفها طموحات جميع أبناء المنطقة العربية ومفاهيم راقية في تنظيم البطولات، وإعلاء قيمة الرياضة التنافسية بتقديم كل ما يدعم مبادئ وأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا في نشر ثقافة اللعبة.
عرض مذهل
وبرعت قطر في تقديم عرض مذهل للعالم الرياضي، ومقنع لأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم، أضفت عليه لمسات معرفية تدل على ثقافة وبعد نظر أهل قطر وكيفية الإسهام في نسخة فريدة من نوعها بتنظيم يبقى خالدا في الأذهان، ويقوم على سواعد شابة وعقول واعية ومدركة لقيمة الرياضة، والهدف من إيصال البطولة لمنطقة الشرق الأوسط التي عانت من نظرة أنها منطقة صراعات ويجب تغييرها في أذهان العالم.
وقدمت قطر لجنة خاصة بملف الاستضافة بمجموعة من الشباب القطريين الذين سيقومون على الملف في مرحلة العرض على اللجنة التنفيذية وفي مرحلة التنظيم، كنوع من الالتزام وإنزال الوعود إلى أرض الواقع وتطبيقها عند موعد الاستضافة بنفس الكوادر الشابة في العام 2022، وقد أبهر العرض القطري كل من تابعه لما فيه من فهم جديد وفكر جديد في تنظيم البطولات مسنودا بالتزام حكومي صارم وواضح في دعم الملف.
ولم تكتف دولة قطر بملف مستوف للشروط كسابق الملفات التي تقدم للفيفا، بل دعمته برؤية الدولة وخاطبت من خلاله العالم بكل اللغات كتأكيد على جاهزية قطر من الناحية الفكرية، والإيمان بالقدرات التنظيمية والعقول المتميزة التي تدير الملف، وقدمت عرض الاستضافة باللغات الإسبانية والفرنسية والإنجليزية مع اعتزاز باللغة العربية لغة أهل المنطقة وشعوبها مع وعد ببصمة خاصة بالبطولة ستكون بطابع قطري مع حلول موعد الحدث.
ونجحت قطر في التغلب على طبيعة موعد البطولة التي تصادف فترة الصيف الحارة في المنطقة بتقنية التبريد في الملاعب وهي تقنية صديقة للبيئة أضافت علامة من الذهول على مدى القدرات التي تمتلكها قطر.
وأقنعت قطر اللجنة التنفيذية للفيفا بأن تنظيم المونديال يلبي طموحات أبناء المنطقة ويدفع الجميع إلى وجهة واحدة هي السلام، كما يعزز من التقارب بين الشعوب ويتيح الفرصة كاملة للعالم ليتعرف على دولة قطر والمنطقة العربية بتنوع ثقافاتها وتقاليدها، وفي تلك فرصة ثمينة للعالم ليغير الصورة المرسومة عن المنطقة العربية عموما والشرق الأوسط خصوصًا.
وعندما جاءت لحظة الحسم بالتصويت في ديسمبر من العام 2010 تفوقت قطر على ملف أمريكا بفارق ستة أصوات بالفوز (8-14)، في انتصار باهر للعقول العربية القطرية التي تحدت الزمن وواكبت التطور ورسمت طريقا يؤكد على أن بالمنطقة عقولا فذة وقدرات فكرية تدعمها الدولة لتظهر للعالم مدى التطور المعرفي والثقافي لشباب العرب.
تنفيذ للوعود
ولم تغفل قطر وعودها وقدمت صورًا لمجسمات الملاعب التي تحمل أيضًا معاني خاصة توثق لقطر وتقاليدها وثقافة شعوب المنطقة من خلال ثمانية ملاعب، كل واحد له مدلولاته من حيث الشكل والتصميم، فكانت ملاعب استاد خليفة الدولي، والثمامة والبيت والمدينة التعليمية والريان والجنوب ولوسيل و974 واقعًا مذهلًا، كما كان وعدا وتصميما مبهرا عند تقديم ملف الاستضافة في العام 2009، وقبل انطلاق البطولة بستة شهور سلم آخر ملعب وهو أكبر الملاعب "استاد لوسيل".
وراهن الملف القطري على فكرة جديدة لم يسبق أن تم تداولها في تاريخ بطولات كأس العالم وهي الإرث الخاص بالمونديال والاستفادة الكاملة من المنشآت والملاعب القطرية للدول التي لا تمتلك بنية رياضية، حيث ستقدم قطر عقب نهاية المونديال دعما مقدرا لتلك الدول من إرث الملف القطري وهي سابقة دونها التاريخ لصالح قطر، وهي مكسب جديد يعزز من مفهوم ثقافة نشر اللعبة التي تعتبر أحد مبادئ الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وواكب الملف القطري التطور التكنولوجي بكل تفاصيله واستصحب عمليات التنظيم بأحدث ما في التكنولوجيا بدءاً من تبريد الملاعب وصولاً إلى عملية استقبال الجماهير ودخولهم وخروجهم من الملاعب، كما وظفت قطر كل الطاقات والقدرات لتحقيق نقلة كبيرة في تنظيم البطولات بتوفير كل المعينات التقنية للاستفادة منها في الحدث الكبير، وآخرها مكافحة العنصرية والتنمر الإلكتروني على اللاعبين، بوضع نظام خاص يحمي اللاعبين من الإساءات العنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعني أن النسخة القطرية ستكون فريدة من نوعها.
وعلى الرغم من تحول البطولة من فترة الصيف إلى فترة الشتاء إلا أن قطر نفذت وعودها بشأن الملاعب بذات التفاصيل التي قدمت بها ملف الاستضافة، مما يعني الجودة في تنظيم الحدث مع مواكبة أحدث التطورات للاستضافة لتترك بصمة في تاريخ بطولات كأس العالم.
تحويل الحلم إلى حقيقة
وحولت قطر الحلم إلى واقع ملموس ستعايشه جماهير العالم بأن تتابع أكثر من مباراة في يوم واحد، وهو ما يتوفر في النسخة الحالية دون النسخ الأخرى من بطولات كأس العالم، حيث تتميز نسخة قطر بأنها الوحيدة التي ستقام في تقارب تام بين المنتخبات والجماهير والملاعب في مساحات يسهل فيها التواصل والوصول للملاعب بأيسر السبل، كما أنها تأتي في منطقة عربية خليجية لم يسبق لها أن عرفت إقامة المونديال مما يتيح لجميع أبناء الوطن العربي متابعة الحدث من داخل الملعب كفرصة تاريخية توفرها قطر لجميع أبناء المنطقة.
وتأخذ رحلة الملف القطري صفة التميز منذ أن كان ورقا إلى أن تحول إلى واقع حقيقي يلبي طموحات الجماهير العالمية بالحضور لمنطقة جديدة ومتابعة حدث فريد بطابع عربي خالص تتقارب فيه المسافات والملاعب، وتتوفر فيه كل معينات التشجيع في كرة القدم وتدعمه التقنيات في نسخة أكثر أمانا للجماهير من جميع النسخ السابقة.
وللمزيد من الجودة في التنظيم اختبرت قطر ملاعبها ببطولة كأس العرب FIFA قطر 2021، واختبرت معها عملية التنظيم وتشغيل المنشآت، فحققت النجاح المطلوب وأضافت نسخة فريدة لبطولات العرب أقيمت على ملاعب مونديالية لأول مرة في تاريخ التنافس العربي في كرة القدم.
وأكملت قطر جاهزيتها لنسخة استثنائية بكل المقاييس تقام جميع مبارياتها في محيط كيلومترات محدودة، حيث سيدون التاريخ أن بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، ستكون النسخة رقم (22) من بطولات كأس العالم التي انطلقت في العام 1930، كما أن سحرا خاصا يجعلها مميزة في الرقم 2022 ،حيث أطق شعارها الخاص في الساعة الثامنة و22 دقيقة في جميع دول العالم، كما أن عدد المصوتين في اجتماع اللجنة التنفيذية التي أعلنت فوز قطر بالتنظيم كانوا (22) عضوا وكانت النتيجة فوز قطر ب (14) صوتا مقابل (8) أصوات للملف الأمريكي وقتها، مما يجعلها بطولة مميزة في العام (22).
وستنطلق البطولة التي اعتمد الفيفا من خلالها اللغة العربية في إضافة جديدة تحققها قطر للعرب بتعرف العالم على اللغة العربية والثقافة العربية، في العشرين من نوفمبر وحتى الثامن عشر من ديسمبر المقبلين، في درجة عالية من الصحة والسلامة، وهي نسخة شعارها عميق المعاني وتميمتها " لعيب" وكرتها "الرحلة"، وبطاقتها " هيا" وأغنيتها " هيا هيا" ورسالتها السلام ومنتخباتها على موعد مع تحد فريد بنكهة عربية.