للعام التاسع، يأتي البرنامج الرمضاني "وآمنهم من خوف" الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لطرح قضايا ملحة تمس أمن الأمة بمفهومه الشامل، مع طرح رؤى تأصيلية ومراجعات فكرية، وأفكار إصلاحية تجديدية لمشروع حضاري يليق بالأمة المسلمة.
كانت انطلاقة البرنامج في نسخته الأولى في رمضان من العام 1435 هـ الموافق للعام 2014 م، ليصبح مناسبة سنوية مهمة لتجديد عهد الأمة بأصواتها الحية من العلماء والمفكرين من مختلف القارات، ومنبرًا حرًا يعيد الدور الشرعي المنوط بالمؤسسات العلمائية في العالم الإسلامي، وينهض بجهودها للذود عن حياض الأمة، والتذكير بمكامن قوتها، واستنهاض هممها لتحقيق التمكين والاستخلاف في الأرض وفقا للوعد القرآني.
ويعقد البرنامج على هيئة جلسات فكرية مفتوحة، تناقش كل جلسة منها قضية أو مشكلة ما من المشكلات والقضايا التي تهم حاضر الأمة الإسلامية، ومستقبل أمنها الثقافي الشامل، والتحديات التي تواجهها.
وعلى مدى النسخ الثماني السابقة، تفاعل البرنامج مع مختلف المستجدات والتحديات الثقافية والفكرية الداخلية والخارجية، خاصة تلك التي تمثل خطرا على نسيج الأمة ووحدتها، وحاضرها ومستقبلها، وهويتها الدينية والحضارية، وتشكل تهديدا لأمنها الثقافي الروحي والفكري والاجتماعي، ورصيدها القيمي، وتقدمها وإسهامها الحضاري.
ودارت النسخة الأولى من البرنامج، التي عقدت في شهر رمضان من العام 1435 هـ، الموافق 2014م، حول قضايا الأمن الثقافي من منظور إسلامي، وما يرتبط بها من مواضيع مثل: واقع الخطاب الديني الإسلامي، والتعليم الديني الإسلامي، وسبل مكافحة خطاب الكراهية، والتطرف وموقف الإسلام منه، والتحديات التي تواجه العالم الإسلامي، ومسألة العيش المشترك والعلاقات المجتمعية، وأهمية العبادة، وقيمة الزمن في حياة المسلم في ضوء برنامج المسلم في شهر رمضان.
وحرصت الوزارة على استضافة نخبة من العلماء والمفكرين من داخل قطر وخارجها؛ لمناقشة هذه القضايا المهمة للأمة الإسلامية على مدار تسع جلسات، وذلك وفق منهج وسطي معتدل، ورؤية تأصيلية هادفة، مع تحليل وقراءة لواقع الأمة وطبيعة التحولات والتحديات التي يموج بها العالم الإسلامي، وسبل الإصلاح والتجديد.
وشملت قائمة المحاضرين والمتحدثين في البرنامج قادة وعلماء ومفكرين من دولة قطر ومصر وسوريا والبوسنة والهرسك والولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب عدد من قادة مؤسسات إسلامية مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء إفريقيا، ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية.
تجديد الخطاب الديني
وفي النسخة الثانية من البرنامج في رمضان 1436 هـ، الموافق للعام 2015م، ناقش العلماء والمفكرون من دولة قطر وخارجها عددا من المحاور الرئيسية؛ من أهمها وعي المسلم بمفهوم "الزمن"، وموقفه من تحولات المفاهيم والأفكار في عصره وما يرتبط بها من إشكاليات تطول الهوية عند المسلمين، وما يتعلق بها من التخويف من الإسلام "الإسلاموفوبيا"، إضافة إلى تقصي دور العلماء في تجديد الخطاب الديني، ومراجعة الموروثات الفقهية، ودور مؤسساتهم في تعزيز السلم المجتمعي.
وسلط البرنامج في نسخته الثالثة في رمضان 1437 هـ الموافق 2016 م، الضوء على موضوعين مهمين، هما "المسلمون وتجارب العيش المشترك"، و"منع ازدراء الأديان بين قيم الأخلاق والقانون"، وذلك في إطار تفاعل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مع القضايا التي تشغل العالم الإسلامي وكافة المسلمين في بقاع الأرض، وكانت هاتان القضيتان، وما زالتا، محل نقاش في مختلف المحافل الرسمية وغير الرسمية.
كما تضمن البرنامج في هذه النسخة فقرة خاصة بعنوان "عالم وقضية"، تم خلالها تقديم عالم من علماء الأمة، ليجيب على أسئلة حول قضية يبينها ويشرحها للناس بما يراه مناسبا، في خطوة تفتح مجالا لمناقشة قضايا راهنة وأسئلة تمس مشكلات وظواهر على مستوى العالم الإسلامي.
وفي كل نسخة من البرنامج يتضح مدى الدقة في اختيار موضوعات حية وقضايا مستجدة تثير الكثير من الأسئلة في عقول الكثيرين، مما يتوجب على علماء الأمة ومفكريها تبصير الناس بماهية تلك القضايا وعرضها على ميزان الشرع والحق والعقل دون إفراط أو تفريط.
وقد بدا ذلك جليا في النسخة الرابعة التي عقدت في العام 1439 هـ، الموافق للعام 2018، وناقشت في أربع جلسات على مدى أربعة أيام موضوعات كانت وما زالت محل جدل ونقاش، مثل "التراث الفقهي الإسلامي ومسارات التجديد وحدود المراجعة"، و"واقع التعليم الديني في العالم الإسلامي"، وهما قضيتان حيويتان أخذتا مساحة كبيرة في نقاشات أهل الفقه والفكر على امتداد العالم الإسلامي، وذلك على وقع التحديات التي كانت وما زالت حتى الآن.
الأوقاف ودورها في تنمية المجتمع
كما ناقش البرنامج المذكور موضوع "مسؤولية العلماء في تثبيت شباب الأمة على القيم" وموضوع "الأوقاف ودورها في تنمية المجتمع"، وهما موضوعان لا يقلان أهمية عن الموضوعين السابقين.
وفي رمضان من العام 1440 هـ، الموافق للعام 2019 م، نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية النسخة الخامسة من"وآمنهم من خوف" على مدى سبعة أيام، بحضور نخبة مميزة من علماء العالم الإسلامي من قطر وإندونيسيا والهند وباكستان وتركيا وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومصر وفلسطين والصين وتشاد ومالي وكوت ديفوار وتونس والجزائر والمملكة المغربية وموريتانيا وغيرها.
وناقش البرنامج في موسمه الخامس موضوعات راهنة مثل تجديد الخطاب الديني: شروطه ومتطلباته ومجالاته، والهجمة على السنة النبوية، والهجمة على صحيح البخاري، ودور الزكاة والأوقاف في تحقيق المجتمع الآمن، ودور اللغة العربية في تحقيق وحدة المسلمين، وموضوع القدس وواجب المسلمين نحوه، وواقع البحث في تاريخ الإسلام في العالم الإسلامي، والمحتوى الرقمي الإسلامي وضرورة المراجعة.
وعلى هامش هذه النسخة، أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منصة /وآمنهم من خوف/ الإلكترونية "لتكون فضاء للحوار الصادق البناء، ومنبرا يبعث الأمل في نفوس شباب الأمة من أجل الإسهام بشكل فعلي في مكافحة أفكار التشدد والغلو، ومقاومة الأفكار الميتة التي باتت تؤرق المجتمعات المسلمة وتحد من فعلها في التاريخ".
وتتيح المنصة لزوارها كافة تسجيلات جلسات البرنامج "وآمنهم من خوف"، وكذلك بعض الأوراق العلمية الخاصة بتلك الجلسات، وتضيف عليها بحوثا ودراسات ومقالات سبق للوزارة طباعتها، وهي لفريق واسع من العلماء والأكاديميين والباحثين في مجالات تتعلق بالفكر الإسلامي والدراسات القرآنية والحديثية، ومختلف فروع المعرفة الإسلامية الأخرى.
كما تضم المنصة قسما خاصا بعنوان "عالم وقضية"، وهو عبارة عن كلمات توجيهية مركزة للعلماء ضيوف برنامج "وآمنهم من خوف"، موجهة إلى الشباب المسلم وإلى الأمة الإسلامية عمومًا.
أما النسخة السادسة التي نظمت في رمضان من العام 1441 هـ، فقد حالت الظروف الطارئة المتعلقة بجائحة "كوفيد - 19" دون عقد جلساتها حضوريا، لتلجأ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى التواصل مع بعض العلماء والمفكرين، وبث مواد مسجلة لهم عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصة "وآمنهم من خوف".
محاذير الإفتاء زمن الوباء
وتناول البرنامج في هذا الموسم موضوعات راهنة مثل "محاذير الإفتاء زمن الوباء"، و"المسلمون والعيش المشترك"، و"القدس وفلسطين أمانة"، و"الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء"، إلى جانب موضوعات أخرى شرعية وفكرية متنوعة، إضافة إلى بث مادة علمية وافية على منصة البرنامج حول مسألة ترجمة معاني القرآن الكريم، والسيرة النبوية، والخطاب الإسلامي المعاصر، وبحوث حول ظاهرة التطرف والعنف.
وسجل البرنامج في موسمه السابع (رمضان من العام 1442 هـ الموافق 2021 م)، حضورا لافتا، حيث تزامن مع فعاليات "الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي"، وتناولت جلساته على مدى ثلاثة أيام، موضوع الأمن الثقافي الإسلامي "الأمة المسلمة وقضايا الوحدة والتنوع والاختلاف والتجديد"، و"تصحيح صورة الإسلام والمسلمين"، وتحدثت فيه نخبة من العلماء والمفكرين من دول مختلفة، وبثت جلساته عبر حسابات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصة "وآمنهم من خوف الإلكترونية".
وأوضحت وزارة الأوقاف أن اختيار هذا الموضوع يأتي كمبادرة بناءة تنطلق من رؤية واضحة وخُطا واثبة لمعالجة ما تعيشه أمتنا الإسلامية من تحديات غير مسبوقة على مستوى أمنها الثقافي الشامل.
وأشارت في هذا السياق إلى بعض تلك التحديات، مثل غياب خطط التنمية المستدامة، واتساع دوائر النزاع في بقاع عديدة من بلدانها، وانجذب فريق غير يسير من أبنائها إلى دعاوى التشدد والغلو والتطرف، في حين خفت دور مؤسسات علمائها بفعل تصاعد مخططات الاستقطاب السياسي، وتنامي الصراع بين المرجعيات الدينية، في زمن تعاظمت فيه موجات كراهية الإسلام والمسلمين في بلاد غيرهم، وتوالت فيه حملات الطعن في ثوابت الإسلام ونصوصه ورجاله ومقدساته.
3 قضايا رئيسية
وعادت النسخة الثامنة في العام (1443 هـ - 2022م) إلى الجلسات الحضورية بعد انحسار جائحة كورونا، وناقشت جلساته على مدى ثلاثة أيام ثلاث قضايا رئيسية هي: "تعليم الدين الإسلامي، واقعه وسبل تطويره"، و"دور الشباب المسلم في تحقيق نهضة المجتمع"، و"المحتوى الرقمي الإسلامي وإشكالية الترجمة".
وينتظر جمهور المسلمين هذا العام النسخة التاسعة من البرنامج، التي ستعقد خلال الفترة من 5 إلى 7 من شهر رمضان الجاري، وتتناول ثلاث قضايا رئيسية تتمثل في "دور التوعية الدينية في مكافحة التفكك الأسري"، و"اللغة العربية أسباب العزوف ووسائل التجديد وأثرها على القيم والأصالة"، و"دور مؤسسات المجتمع المدني في صناعة التحصين القيمي".
إن البرنامج وهو يدخل موسمه التاسع يؤكد بجلاء مدى حرص دولة قطر على التفاعل مع قضايا الأمة الإسلامية، وقد انعكس ذلك على طبيعة الموضوعات التي ناقشها البرنامج والمتصلة بأبرز التحديات التي تواجه الأمة، ومن أبرزها التطرف، وقضايا العيش المشترك، والخوف من الإسلام، والتنوع والاختلاف، وتجديد الخطاب الديني، ودور الشباب في النهضة والتنمية، إلى جانب قضايا الأسرة والتعليم واللغة العربية والأمن الثقافي والقيمي وغيرها من الموضوعات.
وقد نجح البرنامج منذ انطلاقته في استضافة نخبة من كبار العلماء والمفكرين المسلمين من مختلف القارات، وصل عددهم إلى ما يقرب من 120 عالمًا ومفكرًا، قدموا خلاصة فكرهم، وطرحوا رؤاهم فيما يتصل بمجابهة التحديات المعاصرة التي تهدد أمن الأمة الروحي والفكري والاجتماعي.
إن استمرار هذا الفضاء الفكري سنويا هو رهان على "الدور الطليعي لعلماء الأمة ومؤسساتهم في التصحيح والإصلاح، وصياغة مفهوم أصيل لأمن ثقافي شامل يومن للأمة أفقا جديدا من النهوض والفاعلية، ويتيح لها فرصة جديدة للوحدة، ويبوئها موقعها المناسب بين أمم العالم"، كما تؤكد على ذلك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.