دولار أمريكي 3.63ريال
جنيه إسترليني 4.61ريال
يورو 3.85ريال

ليلة القرنقعوه.. تراث وثقافة وتكافل اجتماعي

04/04/2023 الساعة 20:00 (بتوقيت الدوحة)
أطفال قطر يحتفلون غدًا بليلة القرنقعوه التراثية
أطفال قطر يحتفلون غدًا بليلة القرنقعوه التراثية
ع
ع
وضع القراءة

يحتفل أطفال قطر مع عائلاتهم، مساء غد الأربعاء، بليلة القرنقعوه التراثية، ليلة النصف من شهر رمضان المبارك، وذلك في سياق الحرص الوطني والشعبي على المحافظة على التراث والعادات والتقاليد والهوية القطرية الأصيلة، وغرس حب الشهر الفضيل في نفوس الأطفال، وما يتضمنه من خصوصية وتفرد عن بقية شهور العام.

وتحتفل جميع المناطق بالدولة بهذه الليلة في أجواء تراثية قطرية متميزة، تمزج بين إحياء الموروث الشعبي والبهجة والمرح، وإرساء التواصل، وبث روح المودة والألفة والمحبة في المجتمع، وتشجيع الأطفال على معرفة عادات مجتمعهم.

وفي تصريح لوكالة الأنباء القطرية، أوضح الباحث الشعبي السيد خليفة السيد المالكي، أن "القرنقعوه" هي عادة تراثية قديمة نتوارثها ونجددها كل عام في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك، مضيفا أن هذه المناسبة تذكير للجيل الجديد بما كان عليه الآباء والأهل في الماضي، وهي عادة متوارثة وتهدف إلى تشجيع الأطفال وحثهم على الاستمرارية في الصيام حتى نهاية الشهر الفضيل، كما أنها مكافأة لهم على صومهم نصف شهر رمضان المبارك.

وأشار السيد المالكي، إلى أن روح العصر دخلت على بعض جوانب ليلة "القرنقعوه"، فتغيرت وتطورت ملابس الأطفال، فبعد أن كانت في الماضي أزياء عادية، أصبح الأهل في الوقت الحاضر يشترون لأطفالهم ملابس خاصة بهذه المناسبة، وأيضا بعدما كان الأهل في الماضي يقدمون للأطفال بعض المكسرات كاللوز والجوز والتين المجفف، باتوا يقدمون لهم حالياً أشياء حديثة وجديدة كأصابع الحلوى وأنواع مختلفة من الشكولاتة، مبينا أن الحداثة امتدت أيضاً لأكياس الأطفال، فبعد أن كانت في الماضي عادية وبسيطة، أصبحت الآن تحاك من مختلف أنواع الأقمشة الثمينة والملونة، وبأشكال مختلفة، تتم خياطتها وتصميمها خصيصا لهذه المناسبة المميزة.

وفي هذه الليلة المتميزة، تطوف جموع الأطفال، بعد تناول وجبة الإفطار، بشوارع الفرجان والأحياء ليعيشوا معا أجواء تراثية بهيجة عابقة بنكهة الماضي الجميل، مرتدين في هذه الاحتفالية أزياء وملابس جذابة تستوحي التراث، ويغلب عليها الطابع الشعبي من حيث نوعية القماش والألوان، فالأولاد يرتدون الثياب البيضاء الجديدة ويعتمرون فوق رؤوسهم "القحفية"، وهي طاقية مطرزة عادة بخيوط فضية، فيما يخير بعض الأولاد ارتداء "السديري" المطرز، وهو رداء شعبي يوضع على الثوب ويتدلى حتى الخصر، أما الفتيات فيرتدين فوق ملابسهن العادية "الثوب الزري"، وهو ثوب يشع بالألوان ومطرز بالخيوط الذهبية، ويضعن أيضا "البخنق" لتغطية رؤوسهن، وهو قماش أسود تزينه أيضا خيوط ذهبية في الأطراف إلى جانب وضع بعض الحلي التقليدية.

وقد تنوعت ملابس ليلة "القرنقعوه" واختلفت عما كانت عليه في السابق، من حيث خامات القماش والتصاميم العصرية التي تمزج الماضي بالحاضر، أما الشكل فقد أصبح في معظمه يواكب موضة العصر، وإن بقيت بعض الأزياء على ماهي عليه مثل "البخنق" الذي ترتديه البنات، وهو اللباس الشائع في قطر قديما للفتيات، أما طاقية الأطفال البيضاء فقد باتت ملونة وتطور تطريزها، وأصبحت بأشكال متنوعة، تضم بعض الرسومات.

ويطرق الأطفال أبواب المنازل والبيوت القريبة بعد المغرب بغية ملء الأكياس التي معهم بشتى أنواع الحلوى والمكسرات التي يعدها الأهالي خصيصا قبل أيام من هذه المناسبة.

Fs4rZ7qWIAAvnNN
ويصدح الأطفال في هذه الاحتفالية بالأهزوجة الشعبية الخالدة وكلماتها وعباراتها ذات الدلالات التي تمجد الجود والكرم "قرنقعوه .. قرقاعوه... عطونا الله يعطيكم.. بيت مكّة يودّيكم.. يا مكّة يا المعمورة.. يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة، عطونا من مال الله.. يسلم لكم عبد الله، عطونا دحبة ميزان يسلم لكم عزيزان.. يا بنية يا الحبابة.. أبوج مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه ولا حط له بوابة".

وتستعد الأسر، قبيل ليلة النصف من رمضان، بتحضير سلال كبيرة تسمى باللهجة القطرية "الجفران"، وتكون ممتلئة بالمكسرات، من فستق وكاجو وزبيب ولوز وجوز وأصابع الحلوى استعداداً لمجيء الأطفال في تلك الليلة.

وعلى أنغام أهزوجة "القرنقعوه"، ينهل أهل البيت من (الجفير/السلة) ويضعون في أكياس الأطفال المكسرات والحلوى فتزداد فرحتهم، وتتعاظم سعادتهم وغبطتهم التي تعكسها ضحكاتهم البريئة.

ويبعث الاحتفال بليلة "القرنقعوه" رسالة هادفة توثق عرى العلاقات الاجتماعية بين الكبار والصغار، وتوطد الروابط الأسرية بين الأهل والجيران، كما يسهم في تأصيل روح التكافل والتعاضد والمشاركة بين أبناء الحي الواحد.

و"القرنقعوه" احتفال تقيمه الأسر القطرية والخليجية في ليلة النصف من رمضان، ويعود تسميتها إلى قرة العين في هذا الشهر، "فالقرة" هي ‏ابتداء الشيء، ويقال إنه بمرور الزمن تحورت الكلمة وصارت "القرنقعوه"، وإنها كناية عن قرع الأطفال للأبواب في تلك الليلة، كما يُعتقد أن أصولها ربما ترجع إلى تقليد الغوص بحثًا عن اللؤلؤ.

ورغم كونها عادة تراثية قديمة، لا يزال القطريون والخليجيون متمسكين بإحيائها، ومع تطور الزمن أخذ الاحتفال بها طابعا أكثر عصرية، وأضحت الاحتفالية عادة تحرص المؤسسات الحكومية والخاصة على إحيائها.

وتحتفل المنطقة الخليجية بنفس الموروث في وقت واحد، وباختلاف المكان تختلف الأهازيج والمسميات في تلك الليلة؛ فتسمى في قطر بـ"قرنقعوه"، وفي سلطنة عمان "القرنقشوه"، وفي الكويت وشرقي السعودية "القرقيعان"، أما في الإمارات فتسمى هذه الليلة "حق الليلة" وتكون في النصف من شعبان.

وتساهم هذه العادة التراثية بشكل كبير في توطيد العلاقات الاجتماعية بين الأطفال والجيران، كما تمنح الأطفال ثقةً في أنفسهم وبناء شخصيتهم، وتعريف الأجيال الناشئة بعادات قطر الصحيحة وقيمها الراسخة التي تبث روح المودة والألفة والمحبة بين أفراد المجتمع، وتحافظ على التآخي والتواصل والتعاضد وصلة الرحم.

المصادر

جميع الحقوق محفوظة لمرسال قطر 2024

atyaf company logo