في إطار العلاقات الطيبة والصداقة التاريخية بين دولة قطر والمملكة المتحدة، تأتي زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لبريطانيا للمشاركة في مراسم تتويج صاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث ملكا للمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، التي ستقام في لندن غدا.
وقد أجرى سمو الأمير المفدى اليوم مباحثات مع دولة السيد ريشي سوناك، رئيس الوزراء بالمملكة المتحدة الصديقة، تم خلالها بحث العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، وسبل تطويرها في مختلف المجالات.
وجرى، خلال المباحثات التي عقدت بمقر رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت" بالعاصمة لندن، بحث عدد من القضايا المستجدة على الساحتين الإقليمية والدولية. كما تناول الجانبان علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، وسبل تعزيزها، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
العلاقات الثنائية
وتعززت العلاقات الثنائية بين الدوحة ولندن، وازدادت رسوخا عبر السنين، منذ بدايات استكشاف النفط والغاز في منطقة الخليج العربي، حيث ساهمت الشركات البريطانية بدور أساسي ومحوري في تطوير صناعة النفط والغاز بدولة قطر والمنطقة، واتسعت هذه العلاقات لتشمل التعاون الثنائي في المجالات كافة، خاصة السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والدفاعية، والثقافية، والتعليمية، حيث درست أجيال من القطريين في المملكة المتحدة من ساندهيرست إلى ويلز.
وتتميز العلاقات القطرية - البريطانية بخصوصية تاريخية، تضفي عليها ثقلا وتفردا ينعكس على كافة مجالات التعاون بين البلدين، وترتبط الدولتان بالعديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في عدد من المجالات، كما أن الزيارات المتبادلة بين الدولتين متواصلة على أعلى المستويات، وعلى المستوى الوزاري والوفود المتخصصة، حيث تسعى قيادتنا الرشيدة لتحويل دولة قطر إلى مركز عالمي للصناعات القائمة على المعرفة والابتكار، وبناء اقتصاد مستدام قادر على تحقيق معدلات نمو عالية في المستقبل، وتوسيع شراكتنا في مجالات التعليم والصحة والرياضة والأمن، وهي مجالات تعتبر المملكة المتحدة رائدة عالميا فيها.
وفي مايو من العام الماضي، قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بزيارة عمل إلى المملكة المتحدة الصديقة، وقد صدر في ختام الزيارة بيان مشترك أكد التزام قيادتي البلدين بتعزير الشراكة التاريخية بين الدولتين على المستوى الاستراتيجي، وإقامة تعاون وثيق أقوى من أي وقت مضى للتصدي معا للتحديات العالمية المشتركة.
وأشار البيان إلى ترحيب القيادتين القطرية والبريطانية بتوقيع مذكرة التفاهم بشأن إطلاق الحوار الاستراتيجي السنوي بين دولة قطر والمملكة المتحدة، وأعلن البيان عن إطلاق الشراكة القطرية - البريطانية في مجال الاستثمار، وأوضح أن قيادتي الدولتين ناقشتا إطلاق حوار الطاقة بين دولة قطر والمملكة المتحدة، الذي سوف يُعمق العلاقة الحيوية بالفعل في مجال الطاقة والمناخ بين البلدين.
العلاقات التجارية
وحول العلاقات التجارية بين الدوحة ولندن، أكد البيان المشترك أن الجانبين يرتبطان بعلاقات تجارية واستثمارية مهمة، حيث بلغ إجمالي التجارة أكثر من 4.8 مليار جنيه إسترليني في 2021، وبلغ حجم الاستثمارات القطرية في الاقتصاد البريطاني 40 مليار جنيه إسترليني، وقد خلق هذا الاستثمار الكثير من فرص العمل والابتكار والتنمية الاقتصادية في كلا البلدين، وكشف البيان أن دولة قطر ستبحث عن فرص لاستثمار ما لا يقل عن 10 مليارات جنيه إسترليني في المملكة المتحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وذكر البيان أن القيادتين القطرية والبريطانية تتطلعان لبدء مفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة الطموحة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي؛ لتسهيل القيود التجارية لقطاعات متعددة، بما في ذلك علوم الحياة، والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا الخضراء والإنترنت.
وعكس البيان اتفاق الدولتين أيضا على التركيز على تبادل المواضيع الجغرافية ذات الأولوية؛ مثل: تغير المناخ، وبناء المرونة في مواجهة الأزمات الإنسانية، والتعليم، وتمكين المرأة، والتنمية، خاصة في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي الأوسع.
وجدد البيان المشترك التأكيد على أهمية الشراكة بين البلدين في المجالات الأمنية والدفاعية ومكافحة الإرهاب، وقال: إن دولة قطر تظل الشريك الوحيد الذي يجري معه سلاح الجو الملكي البريطاني تدريبات مشتركة بطائرات من طرازي “هوك” و”تايفون”، ما يعزز التعاون بين القوات المسلحة البريطانية والقطرية، ويحسن قدرات البلدين على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
وأشاد بإدراج سرب طائرات تايفون المشترك في احتفالات جلالة الملكة إليزابيث الثانية باليوبيل البلاتيني، ونشر السرب المشترك في قطر في خريف 2022 لدعم التكامل، ودخول طائرات من طراز “تايفون” الخدمة لأول مرة.
شراكات مهمة
وقال البيان إن دولة قطر والمملكة المتحدة ستواصلان شراكتهما للعمل على تعزيز جُهود حل النزاعات العالمية، والمُبادرات الإنسانية والإنمائية، والتصدي للتهديدات الأمنية التي يواجهها العالم من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، كما اتفق البلدان على مُواصلة تعاونهما الوثيق، بما في ذلك في السياسة الخارجية والأمن والتنمية والشؤون الإنسانية، وأعادا تأكيد التزامهما بالأمن والاستقرار الإقليميين.
وفي فبراير الماضي انطلقت في العاصمة البريطانية لندن الجلسة الافتتاحية للحوار الاستراتيجي الأول بين دولة قطر والمملكة المتحدة، وأكد الجانبان خلالها على الشراكة العميقة والوثيقة بينهما، والتي تمكنهما من مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية بشكل مشترك.
وعبر البلدان عن التزامهما بزيادة وتيرة التعاون في مجموعة من الأولويات المشتركة، بدءا من زيادة الدعم من أجل خفض التصعيد والعمل على تعزيز السلام في الشرق الأوسط، وتوجيه الإغاثة بعد الزلازل إلى كل من تركيا وسوريا، بالإضافة إلى أوكرانيا والقرن الإفريقي، واتفق البلدان بوصفهما اقتصادين رائدين، على العمل بشكل أوثق على الدعم الثابت لخفض التصعيد وتحقيق السلام، وكذلك التعاون في مواجهة التحديات العالمية، وأعرب الجانبان عن دعمهما الراسخ لعملية السلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين ووفق حدود عام 1967.
وسلطت الدولتان الضوء على جهودهما مع جميع الأطراف الأخرى الرامية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وأعربتا عن قلقهما إزاء الهجمات أو التدابير الرامية إلى تصعيد التوتر في منطقة الخليج، ووجهتا الدعوة إلى ضبط النفس من قبل جميع الأطراف.. وحول أفغانستان، تم الاتفاق بين البلدين على استمرار المعونة الإنسانية دون تمييز.
استمارات قطر ببريطانيا
وتعد دولة قطر من أهم المستثمرين في المملكة المتحدة؛ حيث قامت باستثمار أكثر من 40 مليار جنيه إسترليني في أنحاء المملكة، كما تخطط لاستثمار 5 مليارات جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني خلال السنوات القليلة المقبلة، من خلال صناديق الاستثمار وغيرها من الكيانات الاقتصادية القطرية، وستتركز هذه الاستثمارات في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والقطاع العقاري، وغيرها من القطاعات.
كما تعتبر قطر أحد الشركاء الرئيسيين لبريطانيا في مجال الطاقة؛ حيث تزود بريطانيا بنحو 30 بالمائة من حاجتها من الغاز الطبيعي، وتنتج ثلث ما ينتجه العالم الآن من الغاز الطبيعي وتصدره لثلاث قارات.
والمملكة المتحدة هي الشريك التجاري السادس لدولة قطر، وتعد قطر ثالت أكبر سوق للصادرات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويزيد عدد الشركات البريطانية العاملة في دولة قطر عن 79 شركة، تعمل في مجال النفط والغاز والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات، وذلك بإجمالي رأس مال بلغ 8.1 مليار ريال، بينما بلغ عدد الشركات القطرية - البريطانية برأس مال مشترك والعاملة في دولة قطر حوالي 672 شركة، وتعمل في مجالات الاستشارات الهندسية والمقاولات وتكنولوجيا المعلومات والتجارة والخدمات.
وعلى الصعيد الثقافي والتعليمي تظل بريطانيا إحدى الوجهات الرئيسية لدى الطلبة القطريين لاستكمال تعليمهم بالخارج، وتشهد أعداد الطلاب القطريين الذين يتابعون دراستهم في المملكة المتحدة تزايدا مستمرا، علما بأن أربعا من أصل أفضل ست جامعات في العالم هي جامعات بريطانية.