دفعت الحرارة الشديدة وتلوث الهواء والانتشار المتزايد للأمراض المعدية القاتلة، منظمة الصحة العالمية إلى وصف تغير المناخ بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية.
ووفقا للمنظمة، يجب أن يقتصر الاحتباس الحراري على هدف اتفاق باريس المتمثل في 1.5 درجة مئوية "لتجنب الآثار الصحية الكارثية ومنع ملايين الوفيات المرتبطة بتغير المناخ".
ومع ذلك، في ظل الخطط الحالية لخفض الكربون، فإن العالم يسير نحو ارتفاع درجة الحرارة إلى 2.9 درجة مئوية هذا القرن، حسب ما ذكرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع.
وفي حين أنه لن يكون هناك أحد في مأمن تام من آثار تغير المناخ، يتوقع الخبراء أن معظم المعرضين للخطر سيكونون من الأطفال والنساء وكبار السن والمهاجرين والأفراد الذين يعيشون في البلدان الأقل نموا التي تنبعث منها غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي 3 ديسمبر المقبل، ستستضيف مفاوضات "مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28)" في دبي "يوم الصحة" الأول على الإطلاق في مفاوضات المناخ.
كيف يؤثر تغير المناخ على الصحة؟
الحرارة الشديدة
يعتقد على نطاق واسع أن هذا العام هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق. ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة العالم، من المتوقع أن تتبعه موجات حارة أكثر تواترا وشدة.
وقال باحثون هذا الأسبوع إنه من المعتقد أن الحرارة تسببت في وفاة أكثر من 70 ألف شخص في أوروبا خلال صيف العام الماضي.
وفي جميع أنحاء العالم، تعرض الناس لمتوسط 86 يوما من درجات الحرارة المهددة للحياة في العام الماضي، وفقا لتقرير The Lancet Countdown في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وأضاف التقرير أن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما والذين لقوا حتفهم بسبب الحرارة ارتفع بنسبة 85% في الفترة من 1991-2000 إلى 2013-2022.
وبحلول عام 2050، سيموت أكثر من خمسة أضعاف عدد الأشخاص بسبب الحرارة كل عام في ظل سيناريو ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، حسب ما توقعت مجلة The Lancet.
كما أن المزيد من حالات الجفاف ستؤدي إلى ارتفاع مستويات الجوع. وفي ظل سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن، سيعاني 520 مليون شخص إضافي من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بحلول عام 2050.
وفي الوقت نفسه، ستستمر الظواهر الجوية المتطرفة الأخرى، مثل العواصف والفيضانات والحرائق، في تهديد صحة الناس في جميع أنحاء العالم.
تلوث الهواء
يتنفس ما يقرب من 99% من سكان العالم هواء يتجاوز إرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن تلوث الهواء.
ويتسبب تلوث الهواء الخارجي الناجم عن انبعاثات الوقود الأحفوري في مقتل أكثر من أربعة ملايين شخص كل عام، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
فهو يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والسكتات الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة والسكري وغيرها من المشاكل الصحية، ما يشكل تهديدا مقارنة بالتبغ.
وينجم الضرر جزئيا عن الجسيمات الدقيقة PM2.5، والتي ينتج معظمها من الوقود الأحفوري.
ويتنفس الناس هذه الجزيئات الصغيرة والتي يمكن أن تصل بسهولة إلى الرئتين، حيث يمكنها بعد ذلك الدخول إلى مجرى الدم.
وفي حين أن الزيادات في تلوث الهواء، مثل الظروف المتطرفة التي شهدتها العاصمة الهندية نيودلهي في وقت سابق من هذا الشهر، تؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي والحساسية، إلا أنه يعتقد أن التعرض الطويل الأمد يكون أكثر ضررا.
ومع ذلك، ليست كل الأخبار سيئة. فقد وجد تقرير مجلة The Lancet أن الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء بسبب الوقود الأحفوري انخفضت بنسبة 16% منذ عام 2005، ويرجع ذلك في الغالب إلى الجهود المبذولة للحد من تأثير حرق الفحم.
أمراض معدية
يعني تغير المناخ أن البعوض والطيور والثدييات سوف تتجول خارج موائلها السابقة، ما يزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية معها.
وتشمل الأمراض التي ينقلها البعوض والتي تشكل خطرا أكبر للانتشار بسبب تغير المناخ حمى الضنك، والشيكونغونيا، وزيكا، وفيروس غرب النيل، والملاريا.
وحذر تقرير مجلة The Lancet من أن احتمالية انتقال حمى الضنك وحدها ستزيد بنسبة 36% مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين.
وتخلق العواصف والفيضانات مياها راكدة تشكل أرضا خصبة للبعوض، وتزيد أيضا من خطر الإصابة بالأمراض التي تنقلها المياه مثل الكوليرا والتيفوئيد والإسهال.
ويخشى العلماء أيضا من أن الثدييات التي تتجول في مناطق جديدة يمكن أن تتشارك الأمراض بعضها مع بعض، ما قد يؤدي إلى خلق فيروسات جديدة يمكن أن تنتقل بعد ذلك إلى البشر.
الصحة النفسية
حذر علماء النفس من أن القلق بشأن حاضر ومستقبل كوكبنا الذي ترتفع حرارته قد أثار أيضا زيادة القلق والاكتئاب وحتى الإجهاد اللاحق للصدمة، خاصة بالنسبة للذين يعانون بالفعل من هذه الاضطرابات.
وبحسب التقرير، فإنه في الأشهر العشرة الأولى من العام، بحث المستخدمون عبر الإنترنت عن مصطلح "القلق المناخي" (climate anxiety) أكثر بـ27 مرة مما كان عليه خلال الفترة ذاتها من عام 2017، وفقا لبيانات من مؤشرات "غوغل".