دفع تراجع إنتاج مصر من حقل ظهر للغاز الطبيعي السنة الماضية إلى بدء خطة "تخفيف الأحمال" لتعود انقطاعات الكهرباء إلى مصر، ويعود الحقل نفسه مجددا إلى الواجهة بعد إعلان شركة إيني الإيطالية أنها اضطرت لسحب سفينة الحفر سايبم سانتوريني منه، لعدم حصولها على 1.6 مليار دولار مستحقات لها لدى الحكومة المصرية.
وذكرت منصة الطاقة الأميركية (المتخصصة في شؤون الطاقة) أنه على ضوء انسحاب "إيني" تواجه خطط تطوير حقل ظهر (أكبر حقل غاز في مصر) توقفا، سيحول دون زيادة إنتاج أهم مصادر الغاز في البلاد.
وقالت المصادر إن شركة إيني حصلت منذ مدة على 270 مليون دولار، لكن لا يزال يتبقى لها 1.6 مليار دولار.
وسعت مصر منذ العام الماضي إلى زيادة إنتاج حقل ظهر عبر خطة تتضمن حفر وإكمال 20 بئرا، علاوة على 5 آبار إضافية بدءا من عام 2024، حسبما قال وزير البترول المصري طارق الملا.
وأعلنت مصر في أغسطس الماضي أنها تستهدف دعم معدلات الإنتاج من حقل ظهر، التي بلغت حينها نحو 2.2 مليار قدم مكعبة غاز يوميا.
مستحقات
ونقلت منصة الطاقة عن مصدر في وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر قوله "بالفعل سددنا للشركة 270 مليون دولار، لكن ما زال ثمة مديونية أخرى، وحاولنا معهم استكمال العمل في تطوير حقل ظهر وسداد باقي المبلغ لاحقا".
وأضاف المصدر أن وزير البترول المصري طارق الملا حاول إثناء الشركة عن سحب السفينة، وتواصل مع الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية كلاوديو ديسكالزي، لكن "لم تفلح محاولات إقناعهم".
وسعى المتحدث باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز إلى نفي سحب إيني سفينة الحفر عبر تصريحات متلفزة.
وتخطط مصر لسداد 20% من مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية العاملة بالبلاد، خلال يونيو/حزيران المقبل، بعد أن سددت 20% في مارس/آذار الماضي، بواقع 1.5 مليار دولار، وفق رويترز وبيان لمجلس الوزراء المصري.
وتسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية بمصر في تراكم المتأخرات المستحقة للشركات والمقاولين، وتراجع النقص خلال شهر فبراير الماضي بعد إعلان صفقة رأس الحكمة الاستثمارية، وخفض قيمة العملة، وزيادة قرض مصر من صندوق النقد الدولي من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.
وتأتي متأخرات شركات النفط من حصول مصر على حصتها من الحقول والمكامن داخل البلاد، وفق اتفاقيات التنقيب والاستخراج المسبقة.
ولا تذكر الحكومة قيمة المبالغ المستحقة لشركات النفط الأجنبية، لكن تراكمت على مصر قبل 10 سنوات متأخرات بمليارات الدولارات لهذه الشركات، وبدأت في سدادها بعد تخفيض لقيمة العملة واتفاق مع صندوق النقد في 2016.
إنتاج الغاز المصري
ومن خلال بيانات مبادرة البيانات المشتركة (جودي) التي اطلعت عليها الجزيرة نت، فإن إنتاج مصر تناقص من مستوى 6 مليارات متر مكعب في فبراير 2021 إلى 5.1 مليارات قدم مكعبة في الشهر التالي له، ليرتفع حتى يوليو 2022 إلى 5.8 مليارات متر مكعب، ويتناقص بعدها حتى استقر عند 4.5 مليارات متر مكعب في مارس الماضي آخر البيانات المتاحة.
وذكرت مجلة مييس، المتخصصة في الطاقة، العام الماضي أن إنتاج الغاز الطبيعي في مصر انخفض منذ 2022، حينما بدأ إنتاج حقل ظهر في الانخفاض، والذي استمر خلال الأشهر الأولى من 2023.
ووفق المجلة، يعد الانخفاض مؤشرا مهما لاستمرار المشاكل التشغيلية في حقل ظهر، والتي ظهرت مع بداية تسرب المياه، منذ أعوام، بعد قرارات حكومية بتسريع وتيرة استخراج الغاز من الحقل، برغم خطر ذلك على استدامة تشغيل الحقل، بحسب دراسة لخبراء قطاع البترول في شركات متعددة دشنت مشروعا في حقل ظهر لمحاولة دعم استمراريته مسبقا (نقلت جانبا منها صحيفة مدى مصر).
وكانت شركة إيني الإيطالية سرعت بدء الإنتاج من حقل ظهر، بعد ضغط الجدول الزمني إلى 28 شهرا بدلا من 6 إلى 8 سنوات لتحقيق (تطلعات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي)، وفق ما نقلت صحف محلية عن الرئيس التنفيذي للشركة أبدى كلاوديو ديسكالزى.
سارعت الحكومة المصرية خلال السنة الماضية مع بدء تخفيف أحمال الكهرباء إلى نفي تضرر حقل ظهر في مرات عديدة، على لسان وزير البترول طارق الملا ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
معلومات حول حقل ظهر
يبعد عن بورسعيد نحو 200 كيلومتر في البحر الأبيض المتوسط.
اكتشفت الحقل شركة إيني الإيطالية في منطقة بالبحر المتوسط على عمق نحو 1500 متر.
تم حفر البئر إلى عمق 4000 متر في المنطقة الاقتصادية المصرية في البحر المتوسط.
يمثل إنتاج حقل ظهر ما بين 35% إلى 40% من الإنتاج اليومي لمصر، وفق تقدير وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال.
تبلغ احتياطيات حقل ظهر 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، تعادل 5.5 مليارات برميل مكافئ من النفط.
يصل أقصى عمق فيه إلى 4131 مترا.
يغطي حقل ظهر مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع.
استغرق بدء الإنتاج 28 شهرا بعد إعلان اكتشاف الحقل.
انقطاعات الكهرباء
وتعاني مصر من انقطاعات في الكهرباء، فبدأت تخصيص المزيد من إنتاج الغاز للتصدير لعلاج ندرة العملة الصعبة، واستوردت زيت وقود ملوثا للبيئة، كي يستمر تشغيل محطات الكهرباء، وفق رويترز.
وعزت الحكومة الانقطاع إلى ارتفاع درجات الحرارة، لكنه استمر خلال عام 2023 بعد انتهاء فصل الصيف، حتى بعدما أوقفت الحكومة التصدير لتلبية الطلب المحلي.
وتسعى مصر لأن تصبح مُصدرا إقليميا للطاقة، وتتطلع إلى بيع الكهرباء لدول بما فيها السعودية وليبيا، كما تعتزم تحقيق الربط الكهربائي مع اليونان، وشحن الغاز الطبيعي المسال من محطتي تسييل.
وعزا المسؤولون انقطاع الكهرباء إلى ارتفاع الطلب نتيجة زيادة السكان البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، وإلى المشروعات العملاقة التي تدعمها الرئاسة المصرية، والتنمية العمرانية.
وتم تعليق قطع التيار خلال شهر رمضان وعطلة عيد الفطر الماضية.
وخيّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمة له الأسبوع الماضي، المواطنين بين انقطاعات الكهرباء وارتفاع ثمنها، ومع توقف تطوير حقل ظهر يبرز سؤال: هل تستمر أزمة انقطاع الكهرباء في مصر؟