أكدت مكتبة قطر الوطنية حرصها على صون وتوثيق تاريخ وثقافة قطر والمنطقة عن طريق مكتبتها التراثية ومركز الحفظ والصيانة الذي يكرس جهود خبرائه في حماية المواد الأرشيفية والتراثية وحمايتها من التدهور.
جاء ذلك في بيان أصدرته المكتبة اليوم بمناسبة احتفائها باليوم العالمي للأرشيف الذي يصادف 9 يونيو من كل عام، مشددة على أن جهودها لا تقتصر على الحفظ المادي للمواد التراثية والأرشيفية، بل تعمل كذلك على حفظها للأجيال القادمة عبر مركز الرقمنة الذي نجح حتى الآن في رقمنة ما يقرب من 15 مليون و500 ألف صفحة تشمل الكتب والمواد الأرشيفية والخرائط والمخطوطات والصور والصحف والمطبوعات وملفات الفيديو، وتتيح المكتبة جميع هذه المواد لاطلاع الجميع في كل أنحاء العالم عبر على موقعها الإلكتروني.
وذكرت مكتبة قطر الوطنية أنه بمناسبة الأسبوع العالمي للأرشيف سلط خبراء المكتبة الضوء على ثلاثة من أشهر المقتنيات التاريخية النادرة في المكتبة وهي: مخطوط قرآني نادر، ورسالة أرشيفية، وصور نادرة التقطها رحالة فرنسي للمنطقة في منتصف القرن التاسع عشر، وجميعها متاح رقميا لاطلاع الجمهور عبر موقع المكتبة الإلكتروني.
وتعد أقدم هذه المقتنيات ورقة من المصحف الأزرق، وهو مخطوط قرآني نادر مكتوب بخط كوفي مذهب على رق أزرق اللون، يرجع إلى مدينة القيروان في تونس حوالي القرن الثالث أو الرابع الهجري (القرن التاسع الميلادي)، وتتوزع أوراق هذا المصحف الأزرق الفريد بين متاحف ومكتبات مختلفة حول العالم.
أما الوثيقة الثانية فهي صور ترجع إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1852، عندما نشر الكاتب والمصور الفرنسي ماكسيم دو كو ألبومه التوثيقي من الصور الفوتوغرافية التي التقطها في مصر وبلاد النوبة وفلسطين وسوريا في رحلته بصحبة المستشرق الفرنسي جوستاف فلوبير ليقدم لنا معرفة فريدة ونادرة لملامح العمارة الجغرافيا والشعوب آنذاك.
وتأتي الوثيقة الثالثة وهي عبارة عن رسالة أرشيفية مؤرخة في 17 مارس 1902 توثق تعيين محمد أمين موظفا إداريا مساعدا في قطر. وتفتح هذه الرسالة، التي تحكي رحلة هذا الموظف الإداري عبر بغداد والبصرة ووصوله إلى قطر، نافذة لفهم الحضور العثماني في منطقة الخليج، وتعزز المعرفة بالسرد التاريخي للواقع السياسي في العالم العربي.
وتعتبر مكتبة قطر الرقمية هي أيضا واحدة من مبادرات المكتبة لإعادة توطين التراث الأرشيفي والوثائقي للمنطقة عبر الرقمنة، وهي واحدة من أكبر المستودعات الرقمية في العالم المخصصة لتاريخ وثقافة الشرق الأوسط، وتوفر لأي شخص إمكانية الاطلاع المجاني عبر الإنترنت على ثروة من المواد التاريخية الأولية حول السياسة والأشخاص والأماكن والتجارة والثقافة والعادات في منطقة الخليج والعالم العربي، وبها ما يقرب من مليوني ونصف مليون نسخة رقمية من المواد الأرشيفية والخرائط والمخطوطات والتسجيلات الصوتية والصور والرسومات المحفوظة أصلها في أرشيف المكتبة البريطانية، مع تعليقات وشرح باللغتين العربية والإنجليزية.
وقد قطعت المكتبة شوطا كبيرا في مجال رقمنة المواد الأرشيفية والحفاظ عليها، ويجسد ذلك اختيار المكتبة من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات لتكون مركزه الإقليمي للحفاظ على المواد التراثية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثم اختيار المكتبة مكتبا إقليميا للاتحاد على مستوى العالم العربي.
وحول دور المكتبة في توثيق التراث الأرشيفي للمنطقة، قال السيد رواد بوملهب، رئيس قسم المخطوطات والأرشيف في إدارة المجموعات المميزة بالمكتبة، "ستظل مكتبة قطر الوطنية ملتزمة بتوثيق الثقافة الغنية وتراث قطر ودول الخليج في إطار مسؤوليتها عن الحفاظ على تراث الدولة والمنطقة. تعكس أرشيفاتنا هوية مجتمعنا وحضارتنا العربية والإسلامية والقيم التي نؤمن بها، وتربط أجيال الشباب في الوقت الحالي وفي المستقبل بأسلافهم وتعزز شعورهم بالفخر والاعتزاز بماضيهم والانتماء لبلادهم ولغتهم وثقافتهم".
وأضاف: "من خلال إنشاء بنية تحتية للتخزين السحابي فائق السرعة إلى جانب تقنيات الحفظ والصيانة الرائدة التي توظفها المكتبة في حفظ التراث الوثائقي والأرشيفي، تسعى المكتبة الوطنية إلى معالجة الفجوة الكبيرة في ممارسات الحفظ الرقمي في المنطقة لأن عدم قدرتنا على حماية المعرفة اليوم قد يعوق قدرة الأجيال القادمة على الوصول إلى المعلومات ويحول دون معرفتهم بماضي بلادهم وتاريخها.
ويحتفل العالم في التاسع من يونيو كل عام بيوم الأرشيف العالمي، من أجل تسليط الضوء على قضايا الأرشيف والتحديات التي تواجهه، حيث يعتبر "الأرشيف" الحاضن الحقيقي لذاكرة الوطن، كما يمثل الوجهة المثلى لتوثيق الماضي وتدوين الحاضر، وذلك عن طريق جمع الوثائق التاريخية من الجهات الرسمية في الدولة وحفظها.