حظيت الزيارة الرسمية التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى العاصمة الروسية موسكو، باهتمام إعلامي واسع على الصعيدين الإقليمي والدولي، لاسيما من قبل وسائل الإعلام الروسية التي أولت تغطية خاصة لمباحثات سموه مع فخامة الرئيس فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الاتحادية.
وسلطت التقارير الإعلامية الروسية الضوء على حفاوة الاستقبال الرسمي الذي قوبل به سمو الأمير، والدفء الذي طبع مراسم الزيارة، مؤكدة على أهمية المحادثات الثنائية التي تناولت آفاق تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، خاصة في قطاعات الطاقة والاستثمار.
اتفاقيات استراتيجية
كما أشارت وسائل الإعلام إلى الطابع الاستراتيجي للاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة، والتي تعكس تقاربا متناميا بين الدوحة وموسكو تجاه عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية على الساحتين الإقليمية والدولية.
وأبرزت التقارير الإخبارية أهمية القضايا التي تناولتها المباحثات الثنائية بين قائدي البلدين، وفي مقدمتها الحرب في أوكرانيا، والوضع في الأراضي الفلسطينية و سوريا، حيث تبادلا وجهات النظر وأكدا على أهمية الحوار والحلول السلمية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
في هذا السياق، نوهت قناة ORT1 الروسية بأن زيارة حضرة صاحب السمو أسفرت عن تفاهمات ومشاريع استثمارية بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة، إلى جانب خطط طموحة لتوسيع التعاون في مجالات التكنولوجيا والرعاية الصحية، وهو ما يعكس رغبة متبادلة في تطوير الشراكة الاقتصادية على أسس استراتيجية.
فيديو - زيارة سمو الأمير المفدى إلى روسيا الاتحادية. #قطر #روسيا pic.twitter.com/XwO0X4xjia
— الديوان الأميري (@AmiriDiwan) April 17, 2025
وأشارت القناة إلى أن المباحثات التي جرت بين سمو الأمير و فخامة الرئيس الروسي، لم تقتصر على ملفات التعاون الثنائي، بل شملت أيضا عددا من القضايا الدولية ذات الأولوية، مؤكدة على الدور المتصاعد الذي تقوم به دولة قطر على الساحة العالمية، سواء في مجالات الوساطة السياسية أو في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
وتطرقت في هذا السياق إلى ما أشار إليه فخامة الرئيس بوتين من تقديره للدعم الذي قدمته دولة قطر لروسيا في عدد من المحافل الدولية وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بملفي ترشح روسيا لاستضافة أولمبياد سوتشي 2014 وكأس العالم 2018 في مقابل دعم روسيا لقطر لتنظيم بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، ما يعكس علاقات متبادلة قائمة على الاحترام والتعاون البنّاء.
مباحثات رفيعة المستوى
وفي تغطية موازية، وصف تقرير بثته قناة NTV الروسية المباحثات بين قائدي البلدين بأنها "رفيعة المستوى"، مؤكدة أنها تناولت ملفات ثنائية إلى جانب قضايا ذات طابع دولي، تعكس عمق الحوار السياسي المشترك. ولفتت القناة إلى تأكيد فخامة الرئيس الروسي أن الاجتماع كان "مفيدا وذا معنى"، مشيرة إلى أنه وجّه الشكر لحضرة صاحب السمو باللغة العربية، في لفتة رمزية تعبّر عن الاحترام المتبادل بين الجانبين، كما نوهت بتوجيه سمو الأمير دعوة رسمية للرئيس الروسي لزيارة الدوحة، في خطوة تعكس الحرص المشترك على تعزيز العلاقات الثنائية.
وأكدت قناة NTV أن العلاقات بين موسكو والدوحة تشهد تطورا ديناميكيا خلال السنوات الأخيرة، مستدلة بذلك على تعدد زيارات حضرة صاحب السمو إلى روسيا، والمتابعة الدبلوماسية النشطة التي يقودها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من خلال زياراته المنتظمة إلى الدوحة.
من جهتها سلطت قناة Russia 1 الضوء على الاجتماع الذي جمع قائدي البلدين في موسكو، مشيرة إلى أن المباحثات شملت ملفات إقليمية ودولية حساسة، من أبرزها تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، والوضع في سوريا والأراضي الفلسطينية، إلى جانب تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية.
وبدورها ركزت قناة Russia 24 في تقريرها على توقيع اتفاقية استراتيجية بين البلدين لإنشاء منصة استثمارية مشتركة بقيمة ملياري دولار، تهدف إلى تسهيل تنفيذ مشاريع مشتركة في عدد من القطاعات الحيوية. واعتبر التقرير هذه المنصة "جسرا موثوقا به للتفاعل البناء بين قطر وروسيا"، يعكس الرغبة المتبادلة في تعزيز الشراكة الاقتصادية طويلة الأمد.
تعزيز العلاقات الثنائية
كما تناولت قنوات روسية أخرى، من بينها TVC وMir24 و360 وTsargrad، تقارير مشابهة حول الزيارة الرسمية التي قام سمو الأمير إلى روسيا، أكدت فيها أن موسكو والدوحة تسعيان إلى تعزيز العلاقات الثنائية، وتنسيق المواقف إزاء عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
من جهتها، قدمت قناة RT Arabic تغطية موسعة لمجريات الاجتماع بين قائدي البلدين، حيث أكد فخامة الرئيس فلاديمير بوتين أن دولة قطر تعد "شريكا مهما لروسيا في منطقة الشرق الأوسط"، مشددا في هذا السياق على أن حل الدولتين يمثل السبيل الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل. وأشار التقرير إلى أن الرئيس الروسي أعرب خلال الاجتماع عن رغبة روسيا في توسيع آفاق التعاون التجاري مع دولة قطر.
وضمن تحليلات تناولتها الصحف الروسية، أكد خبراء سياسيون واقتصاديون أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى موسكو تعكس البعد الاستراتيجي للعلاقات القطرية الروسية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الراهنة. وفي هذا الصدد قال جورجي فيدوروف، رئيس مركز الأبحاث الاجتماعية والسياسية "Aspect" لصحيفة "Nospress "الروسية، إن الاجتماع بين سمو الأمير والرئيس فلاديمير بوتين ركّز في جوهره على الشأن الاقتصادي، لاسيما سوق النفط، مشيرا إلى أن قطر تعد "لاعبا قويا " في السياسة الدولية بفضل موقفها المتزن.
مكانة قطر الاقتصادية
من جانبه، أوضح أيغور كاتشالوف الخبير الاقتصادي والمحاضر بمعهد (RANEPA)، للصحيفة ذاتها أن تقلبات أسعار النفط تمثل محورا مهما، لكن زيارة سمو الأمير تتجاوز ذلك، بالنظر إلى مكانة قطر الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أن هناك اهتمام مشترك بتوسيع التعاون الاقتصادي، خصوصا في مشاريع الطاقة.
أما ليونيد سلوتسكي رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما، فقد أشار في تصريحات للصحيفة إلى أن المباحثات تناولت قضايا إقليمية ودولية متعددة بما يشمل الوضع في سوريا، بالإضافة إلى الأزمة الأوكرانية، واصفا قطر بأنها "شريك استراتيجي" في مشروعات حيوية تتعلق بالطاقة والنقل والاستثمار.
من جهتها نقلت صحيفة "غازيتا" الروسية عن الباحث السياسي الروسي سيرغي بالماسوف تأكيده على أن دولة قطر مؤهلة للقيام بدور الوسيط نظرا لموقفها المتوازن، وعلاقاتها الجيدة مع كل من موسكو وواشنطن، مشيرا إلى أن الوساطة في نزاع بهذا الحجم من شأنها أن تعزز من مكانة الدوحة على الساحة الدبلوماسية الدولية.
بدورها أبرزت تقارير إعلامية دولية، من بينها تلفزيون القاهرة الإخبارية وشبكة CNN الأمريكية، احتمال أن تقوم دولة قطر بدور الوسيط في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، استنادا إلى علاقاتها الجيدة مع الطرفين ومواقفها المتوازنة.
وساطة قطرية محتملة
وأشارت تلك التقارير إلى تصريحات أدلى بها دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أوضح فيها أن موسكو لا تستبعد إمكانية أن تستضيف قطر مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن النزاع مع أوكرانيا، مشيدا بما وصفه بـ"الحياد القطري" في هذه الأزمة.
من جانبه، اعتبر الباحث الفرنسي إيمانويل دوبوي، خلال مداخلة على قناة I24 News الناطقة بالفرنسية، أن استقبال فخامة الرئيس بوتين لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، يعكس رغبة روسيا في تعزيز دعمها لعدد من قضايا الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
إلى ذلك نشرت صحيفة "العرب" اللندنية تقريرا موسعا حول دلالات زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى موسكو، مؤكدة أن الدوحة تواصل القيام بدورها كوسيط في النزاعات الدولية، بما يتجاوز الوضع في قطاع غزة وأفغانستان، لتشمل الحرب في أوكرانيا والوضع في سوريا.
كما أبرزت الصحيفة جهود قطر لدعم لبنان ومساعدته في تجاوز أزماته، الأمر الذي يندرج ضمن استراتيجية دبلوماسية تنتهجها الدوحة في المرحلة المقبلة. وتجمع هذه التقارير الإعلامية و الصحفية المختلفة على أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى موسكو لم تكن مجرد محطة دبلوماسية تقليدية، بل جاءت لتؤكد حضور قطر المتنامي على الساحة الدولية، كوسيط فاعل في ملفات معقدة تمتد من الشرق الأوسط إلى ملفات دولية أخرى.
ويؤكد مراقبون أن الدوحة تمضي بثبات نحو ترسيخ موقعها كوسيط موثوق في القضايا الدولية، مستفيدة من سياستها المتوازنة وعلاقاتها متعددة الاتجاهات، في وقت تتطلع فيه لتعزيز شراكاتها الاستراتيجية، وعلى رأسها التعاون المتصاعد مع روسيا.