شاركت دولة قطر، اليوم الثلاثاء، في جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في إطار دورته الستين، حول الاعتداء الإسرائيلي الغادر الذي استهدف الدوحة.
ترأست وفد دولة قطر في الجلسة سعادة الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند وزير الدولة للتعاون الدولي.
شكر وتقدير
وتقدمت سعادتها، في بيان دولة قطر خلال الجلسة الذي انضم إليه أكثر من 75 دولة، بخالص الشكر لمجلس حقوق الإنسان على استجابته السريعة لعقد هذه الجلسة الطارئة، وهو ما يعكس الدور المحوري للمجلس في صون حقوق الإنسان وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وثمنت مواقف الدول الأعضاء التي ساندت انعقاد هذه الجلسة في هذا الظرف الحرج.
وقالت: في يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025، تعرضت قطر لاعتداء إسرائيلي غادر، تمثل في قصف جوي استهدف منطقة مدنية مأهولة في قلب العاصمة الدوحة، بالقرب من بعثات دبلوماسية، ومدارس، ورياض أطفال، ومساجد، مشيرة إلى أن هذه المنطقة يقطنها نحو خمسة آلاف نسمة، وتضم أسرا قطرية إلى جانب أسر المقيمين والأطفال والنساء.
وأوضحت أن هذا الهجوم أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، من بينهم الشهيد الوكيل عريف بدر سعد الدوسري (22 عاما) و18 جريحا، وهو لا يعد فقط انتهاكا صارخا لسيادة دولة قطر وسلامة أراضيها، بل يشكل خرقا فادحا لحقوق الإنسان الأساسية: الحق في الحياة، والأمن، وحماية الأطفال والتعليم، كما أقرتها المواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل.
انتهاك سافر
وشددت وزير الدولة للتعاون الدولي على أن هذا الاعتداء يمثل انتهاكا سافرا للقانون الدولي الإنساني عبر استهداف منطقة مدنية بحتة، ويشكل اعتداء على دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ويصل إلى مستوى إرهاب دولة، ويعد تهديدا مباشرا للسلم والأمن الإقليمي والدولي.
وأضافت أن ما يزيد خطورة الجريمة أنها استهدفت دولة تضطلع بدور الوساطة بالتنسيق مع الولايات المتحدة وجمهورية مصر العربية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وأن استهداف الدولة الوسيطة هو استهداف لمبدأ التفاوض نفسه، وإفشال متعمد لجهود السلام.
وأوضحت سعادتها أن الوساطة القطرية أسهمت سابقا في تحقيق نتائج ملموسة، منها الإفراج عن 135 رهينة بسلام، وهو ما أعاد الطمأنينة إلى مئات الأسر الإسرائيلية، كما كان لقطر دور بارز في إنجاز اتفاق الهدنة الذي منح المدنيين في غزة الفرصة لتنفس الصعداء وسمحت الوساطة الإنسانية بإدخال المساعدات الغذائية للأطفال الذين يتعرضون للتجويع والقصف وحرموا من أبسط حقوقهم.
وذكرت أن هذه التجارب تؤكد أن الوساطة القطرية لم تكن أبدا عملا شكليا، بل ممارسة حقيقية أنقذت الأرواح وأعادت الحقوق، ورسخت الأمل في إمكان التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات، ومن ثم فإن استهداف الدولة الوسيطة لا يعني فقط تقويض مسار التفاوض، بل يبدد فرص إنقاذ المزيد من الأرواح وتحقيق السلام.
وقالت وزير الدولة للتعاون الدولي: إن هذا الاعتداء لم يكن حادثا منفردا، بل جزءا من حملة أوسع تستهدف تشويه دور قطر وعرقلة جهودها الدبلوماسية، وقد تأكد ذلك بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أعلن بوضوح استمرار التهديدات لدول أخرى، في تصعيد خطير ينذر بجر المنطقة والعالم إلى انتهاك ممنهج للقانون الدولي، مشيرة إلى أن ما جرى في الدوحة يمكن أن يتكرر في أي عاصمة أخرى إن لم يتحرك المجتمع الدولي بمسؤولية.
إدانة دولية
وحول الموقف العربي والإسلامي والدولي من خلال اجتماع مجلس الأمن، أشارت سعادتها إلى انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة التي أجمعت على إدانة العدوان الغاشم ورفض أي محاولة لتبريره، واعتبرته انتهاكا صارخا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأكدت على مفهوم الأمن الجماعي والمصير المشترك مع التشديد على أن الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة هي المرجعية الأساسية لتحقيق الأمن والسلام.
وتابعت سعادتها: "لقد أصبحنا، وللأسف، مطبعين مع أخبار الموت والهجمات والتجويع التي تحيط بعالمنا اليوم. وهنا يبرز السؤال: ماذا ننتظر؟ ما هي الرسالة التي نوجهها للعالم إذا عجزنا عن وقف العداء والكراهية والعنف عبر المعاهدات الدولية؟ وما هي الرسالة التي نرسلها للأجيال القادمة بشأن مفهوم الإنسانية واحترام الحقوق والثقة بالقوانين؟"
وتساءلت: أليس واجبا يحتم علينا أن نبحث عن سبيل لتحقيق السلام، حتى نطبع مع الحياة لا مع الموت، مع القانون لا مع الفوضى، مع الاتحاد لا مع التفكك؟ فالعالم يستحق أن يكون بيتا آمنا لكل شعوبه.
وأضافت أنه إذا غاب حكم القانون، ساد منطق القوة على حساب العدالة، وتحول العالم إلى ساحة صراع بلا ضوابط، وضاعت الثقة في القوانين والمعاهدات والآليات. ولهذا، فإننا نعول على مجلسكم الموقر لتفعيل آلياته الدولية، وضمان عدم إفلات المعتدين من العقاب، بما يحفظ للقانون هيبته وللإنسان كرامته.
وركزت وزير الدولة للتعاون الدولي على أن دولة قطر تؤكد على الإدانة القاطعة للعدوان الإسرائيلي الغادر وما ترتب عليه من استهداف للمدنيين وانتهاك صارخ للقانون الدولي، ودعوة مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عملية لمساءلة المعتدين ومنع إفلاتهم من العقاب، والتنبيه إلى خطورة استهداف الدول الوسيطة، واعتبار ذلك سابقة تهدد جهود التفاوض والسلام، وضرورة بحث آليات دولية لحماية دور الوساطة، بالإضافة إلى تجديد التزام قطر بنهج الوساطة والعمل من أجل السلام، رغم هذا العدوان، انطلاقا من واجبها الأخلاقي والقانوني.
وأكدت سعادتها أن دولة قطر على ثقة بأن مجلس حقوق الإنسان لن يقبل بأي انتهاك لمبادئ حقوق الإنسان ولن يتهاون أمام هذا الانتهاك الجسيم، وأنه يضع حماية القانون الدولي، أولوية له من أجل الاستقرار وصون دور الوساطة كأداة أساسية لوقف النزاعات، وضمان أن تنعم الشعوب بحقوقها وحرياتها في أمن وسلام.