انطلقت اليوم الأربعاء، أعمال المؤتمر الدولي لحماية الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة، الذي نظمته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، بالشراكة مع مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بشبكة الجزيرة الإعلامية، وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
ويبحث المؤتمر، الذي افتتحته سعادة السيدة مريم بنت عبد الله العطية، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، سبل تعزيز حماية الصحفيين وضمان سلامتهم أثناء تغطية النزاعات، والتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضدهم، بمشاركة عدد من المسؤولين الدوليين والخبراء والإعلاميين.
حماية الصحفيين
وفي هذا الإطار، قالت العطية: "إن تنظيم هذا المؤتمر يأتي في سياق متابعتنا الحثيثة لأوضاع الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة، إلى جانب حرصنا على متابعة تنفيذ مخرجات مؤتمراتنا السابقة، ومن أبرزها توصيات إعلان الدوحة الأول، الصادر عن المؤتمر الدولي حول حماية الصحفيين في الحالات الخطيرة، المنعقد في يناير من العام 2012".
وأضافت في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية: "مع اعتزازنا بالإشارة إلى هذا الإعلان في العديد من قرارات مجلس حقوق الإنسان، وترحيبنا بترجمة عدد من توصياته إلى واقع حي، ومن ذلك إنشاء وحدة مختصة بسلامة الصحفيين في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، فإننا نجدد تصميمنا من خلال هذا المؤتمر على المضي قدما في تعزيز الحماية وترسيخ البيئة الآمنة والتمكينية للصحفيين".
وتابعت سعادة رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان: "إننا إذ ندرك أهمية وسائل الإعلام في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، فإننا نثمن عاليا أدوار الصحفيين وما يبذلونه من تضحيات في سبيل تسليط الضوء على الانتهاكات في مناطق النزاعات المسلحة، ولفت أنظار العالم إلى الكوارث الإنسانية الناجمة عن معاناة السكان المدنيين في الحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات الضرورية لبقائهم على قيد الحياة".
وأوضحت أن تفاقم الانتهاكات الجسيمة والاستهداف الممنهج للصحفيين وذويهم ومجتمعاتهم، يهدف إلى إسكات أصواتهم المعترف بها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
جرائم مستمرة
وأعربت عن قلق اللجنة البالغ إزاء الأرقام المفزعة لوقائع القتل المتعمدة، بما في ذلك مقتل 254 صحفيا في قطاع غزة، منذ بداية هجمات قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع في أكتوبر 2023 وحتى الآن، وكذلك مقتل عشرات الصحفيين في مناطق النزاعات الأخرى حول العالم.
وأكدت العطية أنه لم يعد مقبولا الاكتفاء بالإدانة، فاتساع نطاق الجرائم والانتهاكات الخطيرة الموجهة ضد الصحفيين يشير إلى الحاجة الماسة لحراك واسع تشترك فيه الحكومات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وجميع أصحاب المصلحة، إلى جانب المؤسسات الأممية، بهدف تفعيل قواعد القانون الدولي، وإجراء إصلاحات شاملة لآليات الحماية، بما يعزز كفاءتها في مراقبة إعمال الالتزامات الدولية ذات الصلة، وإنهاء الإفلات من العقاب عبر مساءلة منتهكيها، وتعزيز ضمانات عدم التكرار.
وقالت: "نعلن التزامنا بمتابعة تنفيذ مخرجات هذا المؤتمر، بالتعاون مع مختلف الشركاء وستظل قضية حماية الصحفيين على رأس أولوياتنا، دعما للحقيقة، وانتصافا للضحايا".
من جهته، قال سعادة الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني، المدير العام لشبكة الجزيرة الإعلامية في كلمته خلال المؤتمر: "أقف أمامكم اليوم في هذا المؤتمر الدولي المهم لحماية الصحفيين في النزاعات المسلحة، وبينما لم تجف بعد دماء صحفيينا في قطاع غزة دفاعا عن الحقيقة، تتعرض مهنة الصحافة لاختبارات تهدد كينونتها ودورها الإنساني".
رسالة إنسانية
وأضاف سعادته، "أن حماية الصحفيين قضية جوهرية تمس مستقبل المهنة وحياة العاملين فيها، وهو ما يضفي أهمية بالغة على المؤتمر".
وتابع: "جعلت شبكة الجزيرة الإعلامية من حماية صحفييها وسلامتهم أولوية راسخة، فعملت على تطوير برامج تدريبية متخصصة لطواقمها العاملة في مناطق النزاعات، كما حرصت على تبني أعلى معايير السلامة المهنية، ومع ذلك، ظل مراسلوها عرضة للاستهداف لمجرد قيامهم بواجبهم، حيث بلغ عدد شهداء الجزيرة حتى الآن اثنين وعشرين شهيدا، عشرة منهم ارتقوا فقط خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة".
وأكد المدير العام لشبكة الجزيرة الإعلامية، أن الصحافة لم تكن يوما طرفا في النزاعات، بل كانت عينا لنقل الحقيقة، وصوتا للضحايا، وأداة لتوثيق معاناة المدنيين، وإن احترام هذا الدور وضمان حرية الصحفيين في أداء رسالتهم هو المدخل الطبيعي لتحقيق العدالة، وإلا فإن جرائم الحرب ستظل بلا شهود، والإنسانية ستبقى بلا ذاكرة.
وأشار سعادته، إلى أنه في ظل هذه التحديات، تؤكد "الجزيرة" أن سلامة الصحفيين يجب أن تكون ضمن أولويات مجلس الأمن الدولي، داعيا إلى تفعيل قرارات مجلس حقوق الإنسان ذات الصلة، بعد أن فقد مئات الصحفيين حياتهم خلال العقد الأخير وسط إفلات تام من العقاب.
وأضاف سعادة الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني، المدير العام لشبكة الجزيرة الإعلامية في كلمته خلال أعمال المؤتمر الدولي لحماية الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة، أن شبكة الجزيرة الإعلامية تطالب بتوحيد المبادرات وتعزيز التضامن بين المؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية والدول، لوقف قتل الصحفيين وإنهاء سياسة إفلات قتلتهم من العقاب.
وقال سعادته: "نحن واثقون أن شركاءنا الاستراتيجيين في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الذين نتقاسم معهم شرف تنظيم هذه الفعالية، سيظلون كما كانوا دوماً سنداً لنا في حمل هذه الرسالة الإنسانية النبيلة".
صوت الحقيقة
وأوضح أن "الجزيرة" قد عملت منذ سنوات على الدفع بهذه القضية إلى الأمام، وكان أبرز محطاتها إطلاق إعلان الدوحة لحماية الصحفيين عام 2016، وهو الإعلان الذي حظي بترحيب مجلس حقوق الإنسان واليونسكو، ويعد أول وثيقة دولية تدفع بها مؤسسة إعلامية لاعتمادها في أروقة الأمم المتحدة.
وأكد أن الرسالة القوية التي يجب أن تخرج عن هذا المؤتمر تكمن في أن إسكات الكلمة الحرة لن يوقف الحقيقة، بل سيزيدها حضوراً وقوة، كما أن مسؤوليتنا المشتركة هي أن نقف صفاً واحداً، مؤسسات ومنظمات وحكومات، لحماية الصحفيين حمايةً للحقيقة ذاتها.
بدوره، قال السيد توفيق الجلاصي، مساعد المدير العام للاتصال والمعلومات في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو: "إن الإعلام الحر والمستقل شرط أساسي للديمقراطية، ولكن من المهم أيضا ضمان سلامة الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي أثناء أداء دورهم الحيوي".
وأضاف في مداخلة مسجلة أذيعت خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، "أن الصحفيين حول العالم يواجهون تهديدات ومضايقات ورقابة، وغالبا ما يتعرضون لأعمال عنف مميتة، بينما تبقى الصحفيات أكثر عرضة للتحرش، سواء عبر الإنترنت أو خارجه".
وأوضح أن "اليونسكو"، بصفتها الجهة المنسقة لخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، تعمل على تعزيز التعاون الدولي، ودعم الآليات الوطنية للحماية، وبناء بيئات آمنة تمكن الصحفيين من أداء رسالتهم دون خوف.
حق المعرفة
وشدد الجلاصي على أن سلامة الصحفيين ليست مجرد حماية لأرواح الأفراد، بل هي أيضاً حماية لحق المجتمعات في الوصول إلى معلومات موثوقة، وأحياناً منقذة للحياة.
وأشار إلى أن حماية الصحفيين في مناطق النزاعات تظل أولوية لليونسكو، قائلاً بهذا الصدد: "لقد أدنا مراراً عمليات قتل الصحفيين في غزة والسودان وأوكرانيا واليمن وغيرها من مناطق النزاع، ونؤكد أن الصحفيين مدنيون يجب حمايتهم وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2222".
ودعا الجلاصي، في ختام كلمته، إلى إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، مؤكداً أن الهجمات على الإعلاميين لن يتم التسامح معها، وأن مرتكبيها يجب أن يُحاسبوا.
وفي مداخلة مسجلة كذلك، أكدت السيدة أورفينا جيريشا تابسيسونو، المفوضة في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والمقررة الخاصة بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات، أن حماية الصحفيين تمثل محوراً رئيسياً في عمل اللجنة الإفريقية، التي تتابع بدقة حالات الانتهاكات ضد الصحفيين في القارة.
وقالت:"إن اللجنة اعتمدت عام 2019 إعلان مبادئ حرية التعبير والوصول إلى المعلومات في إفريقيا، والذي ينص على أن الحق في التعبير عبر وسائل الإعلام لا يجوز أن يخضع لقيود قانونية غير مبررة، كما يدعو المبدأ العشرون منه الدول الأطراف إلى ضمان سلامة الصحفيين والعاملين في الإعلام، واتخاذ التدابير القانونية للتحقيق في الهجمات ضدهم ومقاضاة مرتكبيها".
وأضافت أن "اللجنة تبنت عام 2020 قراراً حول سلامة الصحفيين والعاملين في الإعلام في إفريقيا، شدد على ضرورة التحقيق والمعاقبة وضمان حصول الضحايا على سبل إنصاف فعالة".
وأوضحت تابسيسونو أن اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان يمكنها اتخاذ إجراءات عاجلة عند تلقيها بلاغات عن اعتداءات ضد الصحفيين، من بينها توجيه نداء عاجل إلى الدولة المعنية تطالبها فيه بحماية الصحفي المعني وتقديم تقرير مفصل عن الإجراءات المتخذة.
وشددت على أن اللجنة الإفريقية تتابع تقارير الدول الأعضاء وتعيد مساءلتها عند تجاهل قضايا الاعتداء على الصحفيين، مشيرة إلى أن القرار رقم 185 لعام 2011 أكد على حرية الصحفيين واستقلاليتهم، ودعا جميع أطراف النزاعات إلى احترام مهنتهم وضمان سلامتهم وفقاً للقانون الإنساني الدولي.
وفي ختام الجلسة الافتتاحية، وقف الحضور دقيقة صمت على أرواح الصحفيين الذين قضوا بمناطق النزاع في جميع أنحاء العالم، كما جرى افتتاح معرض مصور يضم آليات ومعدات الصحفيين وصورهم، الذين استشهدوا في قطاع غزة والعراق.