أعلن كل من متحف أورسيه الفرنسي ومتاحف قطر عن توقيع اتفاقية استثنائية لإعارة إحدى أبرز روائع الفنان غوستاف كوربيه، وهي صورته الذاتية المعروفة باسم "اليائس" (Le Désespéré).وذلك بمناسبة التكريم الرسمي لسيلفان أميك، رئيس متحفي أورسيه وأورانجيري.
وتأتي هذه الإعارة بموجب اتفاقية خاصة بين متحف أورسيه ومتاحف قطر التي تمتلك لوحة غوستاف كوربيه "اليائس" (Le Désespéré) (حوالي 1844-1845)، والتي تعرض الآن في متحف أورسيه.
اتفاقية تعاون
وفي 20 أبريل من العام الحالي، وخلال زيارة سعادة السيدة رشيدة داتي وزيرة الثقافة الفرنسية إلى الدوحة، وقعت اتفاقية إطارية بين متاحف قطر والمؤسسة العامة لمتحف أورسيه ومتحف أورانجيري، وكانت إعارة لوحة كوربيه أولى ثمرات هذه الاتفاقية، حيث ستعرض اللوحة في متحف أورسيه إلى غاية افتتاح متحف مطاحن الفن في الدوحة، وهو متحف سيكرس لعرض مجموعة متاحف قطر من أعمال الفن الحديث والمعاصر، وبعد فترة عرض أولية في متحف مطاحن الفن، ستتنقل اللوحة بين باريس والدوحة.
وبهذه المناسبة أعلنت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، أن إعارة لوحة "اليائس" يأتي تخليدا لذكرى سيلفان أميك.
وأضافت سعادتها: "كان سيلفان أميك صاحب رؤية ثاقبة أدرك أهمية تنقل الأعمال الفنية وإتاحتها في مختلف أرجاء العالم، أفضى عمله معنى بموجب اتفاقية تعاون ثقافي بين دولة قطر والجمهورية الفرنسية، إلى إعارة طويلة الأمد للوحة "اليائس"، وهي بورتريه للفنان غوستاف كوربيه اقتنيناها لمتحفنا مطاحن الفن المستقبلي للفن الحديث والمعاصر، تجسد هذه اللوحة صراع كوربيه الداخلي من أجل التحرر من الأعراف الفنية السائدة والرغبة في أن يسمع صوته الفني، وبالروح ذاتها، ابتعد سيلفان عن النمط التقليدي، وارتقى بتجربة المتاحف نحو آفاق جديدة تتخطى المألوف، وإذ نكرم اليوم ذكراه، نميط اللثام عن لوحة "اليائس" هنا في متحف أورسيه، وكلنا فخر؛ لأنها في المستقبل ستتنقل بانتظام بين الدوحة وباريس، ونحن على يقين أن إرث سيلفان سيوقد جذوة الإلهام في نفوس جيل جديد من مديري المتاحف والقيمين الفنيين ليتأملوا في سحر الثقافة خارج جدران مؤسساتهم".
ويعد سيلفان أميك أحد أبرز المتخصصين في أعمال غوستاف كوربيه، وقد أسهم بشكل كبير، بالتعاون مع ممثلي وزارة الثقافة الفرنسية ومتاحف قطر، في إتمام هذه الاتفاقية التي تتيح لجمهور متحف أورسيه فرصة نادرة لمشاهدة هذه التحفة التي لم تعرض في فرنسا منذ المعرض الاستعادي الكبير لغوستاف كوربيه الذي نظم في 2007 - 2008 في باريس (المعارض الوطنية في القصر الكبير)، ونيويورك (متحف متروبوليتان للفنون)، ومونبلييه (متحف فابر).
عمل بارز
وبين عامي 1842 و1855، أنجز غوستاف كوربيه (1819-1877) نحو عشرين صورة ذاتية، بأساليب متنوعة لتكشف عن سعيه لإثبات الذات ممزوجا بالبحث عن الهوية، وتعد لوحة "اليائس" العمل الأبرز والأكثر غموضا بينها، حيث صور كوربيه نفسه بملامح فنان بوهيمي (يرتدي قميصا أبيض مفتوحا وإزارا أزرق) بعينين واسعتين، وفم نصف مفتوح، ويدين تمسكان بشعره، ويضفي الإطار الضيق والإضاءة القوية على العمل توترا دراميا يعكس حقيقة أن الحالة العاطفية للعارض ناجمة عن شيء لا يمكن تخمينه.
ويبدو أن كوربيه كان مولعا بهذا العمل المبكر، الذي احتفظ به حتى وفاته، ولم تنقل اللوحة من مرسمه إلا بعد أحداث كومونة باريس، على عكس عدد من لوحاته الأخرى التي عرضها منذ بداية مسيرته الفنية، وقد ظهرت اللوحة الأصلية أول مرة أمام الجمهور عام 1873 في "المعرض العالمي بفيينا" تحت عنوان "لوحة ذاتية للفنان" (Autoportrait de l’artiste)، ثم عرضت مجددا عام 1877 في جنيف، تحت عنوان جديد هو "اليأس" (Désespoir).
وتجسد هذه الصورة الدرامية اللافتة لحظات المعاناة التي مر بها كوربيه خلال مراحل مختلفة من حياته، مظهرة بوضوح الصعوبات التي اعترت مسيرة الفنان. وبفضل دقة تنفيذها وقوة تعبيرها وغموض موضوعها، رسخت مكانتها كعمل أيقوني يقف بين رسم الذات الحميم ودراسة الشخصية والرمزية الإنسانية العالمية.
وتعرض اليوم هذه اللوحة، وهي من أوائل أعمال كوربيه، في أول صالة ضمن مسار الزيارة، على يسار صحن المتحف (صالة 4)، وهي مخصصة لنشأة "الواقعية" والعلاقة بين ثورة 1848 والفنون، وتحاور اللوحة في موقعها الجديد روائع جان فرانسوا ميليه وأونوريه دومييه.
ويعزز وجود هذه اللوحة في متحف أورسيه ثراء مجموعاته الفنية التي تضم عددا من أبرز اللوحات الذاتية لكوربيه، الذي كان ممارسا منتظما لهذا النوع من الفن، ومنها، ضمن المجموعات الوطنية، لوحة "الرجل ذو الحزام الجلدي" (L'homme à la ceinture de cuir) التي عرضت في صالون 1846، ولوحة "الجريح" (L'homme blessé) التي عرضت في جناح الواقعية عام 1855، بالإضافة إلى لوحة "استديو الرسام"(L'Atelier du Peintre).
ويعد ثراء المستويات المختلفة من الحوار والقوة غير المحدودة للوحة "اليائس" سيجعلانها إحدى العلامات البارزة في مسار متحف أورسيه طوال فترة الإعارة.