أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة بإدارة الدعوة والإرشاد الديني، النسخة التاسعة من البرنامج الرمضاني الحواري "وآمنهم من خوف"، لعام 1444هـ الموافق 2023م، بمشاركة كوكبة مميزة من علماء ومفكري العالم الإسلامي.
وناقش البرنامج في ندوة اليوم الأول، التي هي بعنوان "دور التوعية الدينية في مكافحة التفكك الأسري"، أهمية تحصين الأسرة من مختلف المخاطر التي تهددها، خاصة في ظل انتشار العديد من المفاهيم الخاطئة عن الحياة الزوجية، وضرورة ترسيخ القيم الإسلامية التي بينت حقوق وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة.
د. أحمد الفرجاني: الأسرة هي أساس المجتمع، والإسلام يقيم هذه الأسرة على قواعد الشرع الذي شرفنا الله تعالى به
وفي هذا الإطار، قال الدكتور أحمد الفرجابي: "إن الأسرة هي أساس المجتمع، والإسلام يقيم هذه الأسرة على قواعد الشرع الذي شرفنا الله تعالى به"، مبينا أن العلاقة وثيقة بين شهر الصيام والأسرة، كما في قوله تعالى (أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)، فإذا كان اللباس زينة وجمالا ووقاية ومشاعر، فالحياة الزوجية ستكون كذلك، وهذا المعنى يؤسس للمعنى العظيم للأسرة في الإسلام.
أهمية الأسرة
وأشار خلال مداخلته بالندوة، إلى أن الأسرة كمؤسسة تواجه تهديدا في أصل وجودها، موضحاً أن الأمة الإسلامية لن تعود إلى وضعها الصحيح حتى تضع الأسرة في موضعها، حيث إن الإسلام دين يختار البذرة الصالحة وينتقي لها الأرض الطيبة، ثم يتعهد هذه البذرة بالرعاية لتخرج الثمرة المباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وأعرب الفرجابي عن أسفه من أن هناك من يرى واقع الأسرة على غير الفطرة التي فطرها الله عليه من زوج وزوجة وأبناء وأحفاد، بل جعل البعض الزواج متاحاً بين رجلين أو امرأتين، ليغيروا النمط الرباني للأسرة، لذلك جاء الإسلام واضعاً قضايا الأسرة ضمن الثوابت، وشرح جميع فصولها في القرآن الكريم.
وشدد على أهمية إضفاء المعنى الرباني للأسرة الذي يعطيها قدسية وقداسة، فمن أمر بالصلاة والصوم والزكاة هو من أمر بحسن المعاشرة، ولا ينبغي للزوجين أن يكونا خارج منزلهما على غير طبيعتهما داخل المنزل، ولا بد لهذا "الفصام" أن يزول امتثالا لأوامر الله تعالى.
مرتكزات الأمن الأسري يمكن تلخيصها في استحضار النية الصالحة
من جهته، قال الدكتور عبدالحي يوسف: "إن مرتكزات الأمن الأسري يمكن تلخيصها في استحضار النية الصالحة، فمن أراد تكوين أسرة عليه أن يستحضر أنه بزواجه يستجيب لأمر الله، وأنه يريد إعفاف امرأة مسلمة، استجابة لأمر النبي -صل الله عليه وسلم- في النكاح والتناسل، واستحضار النية في إنتاج ذرية صالحة تعمر الأرض بطاعة الله، وفي إقامة بيت يقوم على تقوى الله، وأن يكون ذكر الله حاضرا في البيت".
الأمن الأسري
وبين خلال مداخلته بالندوة، أن من أبرز أسباب الأمن الأسري يكمن في التسليم بأن الحياة الزوجية قائمة على المعاشرة بالمعروف وعلى تقوى الله ومراقبته، والإيمان باليوم الآخر، حيث سيحاسب الله الزوجين على بعضهما في هذا اليوم.
ولفت عبدالحي إلى انتشار العديد من المفاهيم الخاطئة عن الحياة الزوجية بين شباب اليوم، تتمثل في أن المرأة العاملة هي "الأجيرة" أما المرأة التي تربى الأولاد وتطعمهم وتدرسهم تعتبر "عاطلة"، بالرغم من أنها تقوم بعدد كبير من الوظائف، مبيناً أن دراسة السيرة النبوية تصحح جميع المفاهيم الخاطئة عن الحياة الزوجية، فضلاً عما تتضمنه من علاج لمختلف المشكلات التي تواجهها الأسرة.
د. بلال بارودي: من المهم أن يدرك المقبلون على الزواج حقيقة ما سيقدمون عليه ومعرفة كيفية تحصين الأسرة
وفي سياق ذي صلة، أكد الدكتور بلال بارودي أهمية أن يدرك المقبلون على الزواج حقيقة ما سيقدمون عليه، ومعرفة كيفية تحصين الأسرة من مختلف الأخطار التي تهددها، مبيناً أن الله -عز وجل- قد أنشأ الأسرة وثبت قواعدها وشرح فصولها كافة.
وقال خلال مداخلته بالندوة: "إن جميع أحكام الزواج لو تركها الله للناس لضاعت كل الحقوق"، موضحاً أن الله تعالى قد شرح في كتابه العزيز جميع أحكام الأسرة من أولها وحتى آخرها، فمن يلتزم بها لا يضل ولا يشقى في حياته الزوجية، لكونه التزم بصراط الهداية الذي فيه الأمان والسكينة والاستقرار.
قيمة الزواج
وشدد بارودي على ضرورة أن يعي الإنسان القيمة الحقيقية للزواج، وليس كما يعرض في العديد من المسلسلات والأفلام، مبيناً أن المرأة شريكة الرجل في المسؤولية المنوطة بهما، إلا أنها ليست شريكة الرجل في قرارات الرجولة، كما أن الرجل ليس شريكاً لها في قرارات الأنوثة، خاصة أن الله تعالى قد بين حقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر.
مهددات الأمن الأسري ترتبط بمهددات الأمن الثقافي الشامل للأمة
وأوضح، خلال مداخلته في الندوة، أن القيمة الحقيقية التي تجذب الزوجين تجاه بعضهما البعض تتحدد في أن المرأة تحتاج لقوة الرجل وأمانته، فيما يحتاج الرجل لأنوثتها المتجمّلة بالحياء، فإذا فقد كل منهما ما يحتاجه الآخر بات الأمن الأسري في خطر كبير، لافتاً إلى أن أغلب ما يدور في الإعلام اليوم يستهدف الأسرة في صميمها، وينبغي التنبّه لتأثير هذه المضامين على أبنائنا وبناتنا.
من جانبه، قال الدكتور عبدالعزيز الشهبر: "إن مهددات الأمن الأسري ترتبط بمهددات الأمن الثقافي الشامل للأمة"، حيث يتحدد المهدد الأول في المراجعات التي تدفع الأمة الإسلامية خارج ما تقتضيه المنظومة الثقافية الإسلامية، مبيناً أن العديد من الدول الإسلامية تحفظت على اتفاقيات تهدد الأمن الأسري، إلا أن هناك جهات أخرى تسعى لزج المسلمين في نقاشات لتحديد مفهوم جديد للأسرة، وإدخال قيم وعادات غربية عليه.
وأضاف خلال مداخلته بالندوة، أنه بعد أن عجزت العديد من الجهات عن اختراق الأمة الإسلامية بهذا الإطار، لجأت إلى مسميات أخرى تطرحها من خلال مشاريع دولية جارية، بهدف تغيير العديد من المفاهيم المتعلقة بالأسرة، ما يستدعي التنبه لمختلف هذه المحاولات ومواجهتها.
المناهج الدراسية
وبين الشهبر أن المهدد الثاني للأمن الأسري هو مهدد ثقافي، مشيراً إلى ضعف مناهجنا الدراسية في تحصين المسلمين في موضوعات الأسرة، إلى جانب قلة الاجتهاد في القضايا التي تتعلق بها، داعياً المؤسسات العلمية والدينية والاجتماعية لاستعادة دورها في تعزيز الأمن الأسري.
بدوره، قال الدكتور عمر عبدالكافي: "إن البيوت تقوم على أربعة جدران، ولكن القرآن الكريم ذكر ثلاثة (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، فإذا فهم الزوجان علاقة الأسرة بما فيها من سكينة ومودة ورحمة، أوجد الله الجدار الرابع المكمل وهو (وأصلحنا له زوجه)، فالإصلاح يكون من عند الله تعالى".
وشدد خلال مداخلته بالندوة، على أهمية تدريب المقبلين على الزواج على "البنية الأسرية"، فلا يكون الاهتمام مقتصراً على المظاهر المرتبطة بحفل الزواج دون التنبه لطبيعة الزوجين أو أحدهما، وأهليّته النفسية والمعرفية للزواج.
د. عمر عبد الكافي: بعض البلدان تجري فحصًا طبيًا لإثبات خلو الزوجين أو أحدهما من أمراض معينة قبل الزواج
ولفت عبدالكافي إلى أن بعض البلدان تجري فحصاً طبياً لإثبات خلو الزوجين أو أحدهما من أمراض معينة قبل الزواج، داعياً لتعزيز هذه الفكرة وتطويرها وصولاً لـ "محو الأمية الزوجية"، من خلال تعريف الزوجين على حقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر قبل الزواج، بما ينعكس على تعزيز الأمن الأسري مستقبلاً.
وأكد ضرورة ارتقاء الخطاب الدعوي بقضايا الأسرة، والتركيز على السلوكيات والأخلاقيات المرتبطة بالزوجين، داعياً إلى تأسيس كلية لعلوم الأسرة في كل جامعة عربية، تضم كل العلوم والدراسات المتعلقة بالأسرة، لتخرّج مرشدين أسريين يسهموا في الحد من مشكلات التفكك الأسري.
وحذر عبدالكافي خلال الندوة، من إخفاء بعض الأسر والأصدقاء للمعلومات السلبية المتعلقة بشخص مقبل على الزواج عند السؤال عنه، الأمر الذي يؤثر سلباً على استقرار الأسر بعد الزواج، مطالباً الأسر بضرورة تعريف الطرفين المقبلين على الزواج بعيوب كل منهما، لتكون جميع التفاصيل واضحة، من أجل استمرار الأسرة.
وشدد على ضرورة اهتمام الأسر بالتربية كما تهتم بإطعام الأبناء وتوفير جميع احتياجاتهم، مبيناً أن القيم المستمدة من الكتاب والسنة ثابتة إلى يوم القيامة، وعلى الأسر تثبيت "المناعة الإيمانية" في نفوس الأبناء، فلا تضرهم الهجمات على ثوابت الأسرة المسلمة المحصنة.